اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٤ حزيران ٢٠٢٥
مع مضي أكثر من 600 يوم على حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة، يعود ملف المفاوضات إلى الواجهة بعد تقديم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ردّها الرسمي على مقترح وقف إطلاق النار، الذي حمله المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف.
رد حماس لم يكن قاطعًا بالرفض أو القبول، بل جاء متزنًا، يعكس دقة الحسابات السياسية والإنسانية التي تواجهها الحركة مع استمرار المجازر وتدهور الأوضاع الميدانية، وفق ما يرى مراقبون.
ويوم السبت الماضي، أعلنت حماس أنها سلّمت ردها إلى الوسطاء 'بعد إجراء جولة مشاورات وطنية، وانطلاقًا من مسؤوليتنا العالية تجاه شعبنا ومعاناته'، بما يحقق 'وقفًا دائمًا لإطلاق النار، وانسحابًا شاملًا من قطاع غزة، وضمان تدفق المساعدات إلى شعبنا وأهلنا في القطاع'.
وأضافت، في بيان، أنه 'في إطار هذا الاتفاق، سيتم إطلاق سراح 10 من أسرى الاحتلال الأحياء لدى المقاومة، إضافة إلى تسليم 18 جثمانًا، مقابل عدد يُتفق عليه من الأسرى الفلسطينيين'.
رد متوازن ومحسوب
يقول مدير مركز يابوس للاستشارات والدراسات الإستراتيجية، سليمان بشارات، إن رد حركة حماس على مقترح ويتكوف جاء متوازنًا ومحسوبًا بدقة عالية، ضمن معادلة حساسة تراعي الأبعاد الميدانية والسياسية والإنسانية للصراع، مشيرًا إلى أن الكرة باتت الآن في ملعب الوسطاء، وخاصة الإدارة الأميركية.
وأوضح بشارات لصحيفة 'فلسطين' أن 'رد حماس كان متوقعًا، إذ لا يمكن للحركة رفض كل ما يُعرض، كما لا يمكنها القبول بكل ما يُطرح. فكل بند في المقترح له محاذيره وتبعاته، سواء على المستوى الميداني أو السياسي أو الشعبي، بل وحتى على الصعيدين الإقليمي والدولي'.
واعتبر أن رد الحركة جاء هذه المرة 'بميزان الذهب'، على حد تعبيره، إذ تم قياسه بدقة عالية استنادًا إلى معايير ومحاذير متعددة. لكن الأهم، برأيه، ليس فقط طبيعة الرد، بل كيفية تعامل حماس مع هذا الرد وتبعاته في المرحلة المقبلة.
ويرى أن المعايير التي شكّلت أساس الرد انتقلت الآن إلى الوسطاء، وتحديدًا الإدارة الأميركية، لافتًا إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أبدى في الأيام الأخيرة حماسة واضحة لاقتراب التوصل إلى اتفاق، وهو ما يعني – برأيه – أن واشنطن قد تحاول ممارسة دور أكثر فاعلية في تعديل السقوف التفاوضية، سواء من طرف الاحتلال أو من طرف حماس.
ويعتقد أن قدرة الولايات المتحدة على التأثير في هذه السقوف وإعادة ترتيبها بطريقة واقعية، ستكون هي العامل الحاسم في تحديد مسار المرحلة السياسية المقبلة. وأشار إلى أن ترامب ألمح إلى ربط التقدم في مسار غزة بتقدّم محتمل في مفاوضات الملف النووي الإيراني، ما يدل على وجود رؤية إستراتيجية أميركية تتعامل مع قضايا الشرق الأوسط الكبرى كحزمة متكاملة.
ورأى أن هناك 'استعجالًا أميركيًا' لتحقيق اختراق سياسي، لكنه استدرك بالقول: 'لا يمكن الجزم بوجود تفاؤل كبير، ولا تشاؤم واضح؛ فالأمور ما تزال ضمن المنطقة الرمادية، حيث تُقاس المصالح والمقاربات السياسية دون الإخلال بالمعادلات الكبرى، وخاصة معادلة العلاقات الأميركية–الإسرائيلية'.
وتابع: 'حتى لو أبدت المقاومة مرونة، فإن الإيديولوجيا الإسرائيلية لا ترى في غزة نهاية للحرب، بل إن الاحتلال، منذ عام 1948، يسعى إلى الهيمنة والتوسع، فيما تظل الضفة الغربية حاضرة في الأذهان'.
وأشار إلى تجارب سابقة مثل 'اتفاق أوسلو' عام 1993، واتفاق المبادئ مع منظمة التحرير، التي لم تنجح رغم التعهدات الدولية، لأن الاحتلال خلق وقائع على الأرض جعلت إقامة دولة فلسطينية أمرًا شبه مستحيل.
مقاربة صعبة
أكد بشارات أن حركة حماس تحاول اليوم الموازنة بين أمرين شديدي الصعوبة: من جهة، الواقع الإنساني والمعيشي الكارثي في غزة بفعل الحصار الإسرائيلي وتجويع السكان، ومن جهة أخرى، الحفاظ على خيار المقاومة، الذي بات شبه معدوم في توفير لقمة العيش لسكان القطاع.
وقال: 'صحيح أن جزءًا من المسؤولية الإنسانية يقع على عاتق الحركة، لكنها ليست من تتحمل العبء الأكبر، بل إن المجتمع الدولي المتخاذل هو من يتحمل وزر المجازر والمذبحة المفتوحة التي يتعرض لها الفلسطينيون'، مشيرًا إلى أن 'التحركات الأوروبية الأخيرة أزعجت الاحتلال وأسهمت في الدفع نحو جولة تفاوضية جديدة أكثر جدية'.
وشدد على أن المطالب التي تقدّمت بها حماس، وعلى رأسها الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع، وضمان إدخال المساعدات الإنسانية دون قيد، ليست مطالب تخص الحركة فقط، بل هي مطالب فلسطينية وأممية عادلة.
ودعا الأطراف الإقليمية والدولية إلى أن تضطلع بدورها الحقيقي في رفع الظلم عن غزة، متسائلًا: 'في الحرب الأوكرانية، هبّ العالم لنصرة كييف، فلماذا تُترك غزة وحدها؟'، واصفًا ذلك بـ'ازدواجية المعايير' في تطبيق مبادئ حقوق الإنسان.
وختم بشارات بالقول: 'نعم، المقاومة الفلسطينية مطالبة بالمرونة والبحث عن خيارات لحماية الناس ووقف المجازر، لكنها لا يمكن أن تُسلِّم أوراق القوة التي تملكها، لأن الاحتلال سيمضي حينها نحو إبادة وتهجير كاملين للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وهذا ما صرّح به رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو مؤخرًا، حين وضع شرطًا خامسًا يتمثل في تنفيذ خطة ترامب بتهجير سكان غزة، وهو ما يثير قلق الفلسطينيين ويُقلق العالم كذلك'.
ومنذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي حرب إبادة على سكان قطاع غزة، بحسب توصيف خبراء دوليين.
وقد أسفرت الحرب حتى اليوم عن استشهاد أكثر من 54 ألف فلسطيني، وإصابة أكثر من 124 ألفًا، وتشريد كل سكان القطاع تقريبًا، وسط دمار لم يشهد له العالم مثيلًا منذ الحرب العالمية الثانية.