اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ٣٠ أيلول ٢٠٢٥
الكاتب: وليد الشيخ
لن يتصل رأفت مرة ثانية، ولن يعود الى الشمال الذي ظلت عيناه الصاحيتان عليه، لن أسمع من جديد
لكنته الرشيقة والمحببة ، وهي تميل بالاحرف جهة الكسر والفتح دون حسابات نحوية ، بخفة المفردة وروح المعنى العالية.
ظل رأفت صالحة نازحاً من مكانٍ لآخر رفقة اسرته ، باحثاُ عن ملجأ من المذبحة ، حافلاً بالأمل، بأمنيات صغيرة وفقيرة تكاد لا تتعدى عتبة البيت ، كان يظن أنه إن ردد امنياته بصوت مرتفع، فانها ستصبح حقيقة ، كان يستدرج مني الموافقة على صدق توقعاته بالعودة ظافراً بسلامة اسرته وبيته، وكنت اذعن امام امنياته البسيطة وأأكد عليها، واقترح جلسات قادمة على شاطيء البحر فأسمع : يا رب و إنشاء الله ، يرددها بشغف وحرقة لاذعة .
في صباحات كثيرة، من أيام الحرب التي تبدو كأنها أبدية، تخطر في البال أحاديثه العالقة غير المكتملة حول كل شيء، الأحاديث التي تحمل بصمة تأملية متروية، أمام دفق الحياة الهادر، جديته التي تبين مع كلمات منتقاة تذهب لمقاصدها، يختارها بعناية جرّاح أحياناً، كي يكون قريباً من وصف الحالة أو الموقف أو الناس.
أبذل جهداً كي أتحايلَ على فعل الغياب، غياب صوته وهو يجيء من غزة المذبوحة، ليشرح لي كيف يجلس على كرسي بلاستيكي في الشارع، لأن البيت الذي آوى اليه مليء بالناس،
وكنت اخشى أن أسأله عن تفاصيل كثيرة، خوفاً من فجاعة الإجابة، مع أن الرجل يحاول بجهد بالغ أن يبدو متماسكاً كعادته القاسية أمام برودة الحياة واجحافها ، مترفعاً عن الصغائر، لواماً لنفسه ومحارباً نزعاتها الأمارة.
لا أعرف الآن ، بينما تعقد المؤتمرات التي ترسم مصيرنا، وتحدد لنا جهة الشمال وجهة اليمين والصواب والخطأ ، كأننا شعب من الأطفال الواجب تعليمهم وتربيتهم وتوجيههم، لا أعرف ما الذي كان سيقوله رأفت صالحة صاحب الروح الشفافة والنظرة الحادة وإباء النفس، كنت أحب أن اهاتفك صباح اليوم، لأسمع صوتك يرسل تشابيه ومجازات بصوت خفيض وواثق.
رأفت ، أحزن لموتك، ويفرح أهل الجنة .