اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة شهاب للأنباء
نشر بتاريخ: ٢٩ حزيران ٢٠٢٥
تقرير - شهاب
بين أنقاض مدينة خانيونس المشتعلة، ومن رحم الدمار المتصاعد من كل زاوية، انبعث شبح مقاتل فلسطيني يمشي بثبات، لا تحميه دبابة ولا يرافقه سرب طائرات، فقط الإيمان يتقد في صدره، و'عبوة شواظ' بين يديه تشبه النذير الأخير لآلة القتل التي دنست تراب الوطن.
يتسلل كالنمر بين الركام، يختفي خلف جدار، يترصد من فتحة صغيرة، ثم يركض نحو ناقلة جند إسرائيلية جاثمة كالوحش الجريح بالمدينة.
حيث وثب المقاتل الشبح فوق المدرعة، وبلحظة لا يمكن لعقل محتل أن يتخيلها، ألقى العبوة المباركة داخلها، كأنما وضع فلسطين كلها في قلب من سرقها، تاركًا خلفه رسالة 'لسنا بألف، ولكن في الواحد منا ألف، إذا حانت ساعة الوطن'.
لحظة صمت، ثم انفجار هائل يهز المكان، لا رصاصة، لا اشتباك، فقط رجل وحيد غيّر معادلة القوة، وأعاد تعريف البطولة، سبعة جنود سقطوا في ثوانٍ، واحترقت المدرعة بمن فيها، كأنها لم تكن يوماً رمزاً للهيمنة.
هذه ليست مشاهد من هوليود ولا بوليود الشهيرة بأفلام من خارج الواقع، ولكن هذا مشهد لمقاتل فلسطيني حقيقي من قلب الواقع ليؤكد شجاعة الفلسطيني وعناده على المحاربة بشتى الوسائل والسبل لنيل حريته وحريته فقط، ويقول هذه أرضي اخرجوا منها أيها الغزاة المحتلين.
الناطق العسكري باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، أكد إن مجاهدي المقاومة الفلسطينية يقدمون نماذج فريدة في البطولة والإقدام، مشددا على أن الكمائن الأخيرة تمثل 'صورا حية للتاريخ تثبت أن مجاهدي شعبنا هم أكثر مقاتلي الحرية شجاعة وفدائية في العصر الحديث'.
وقال أبو عبيدة، إن 'حكومة العدو تخدع جمهورها وتتجاهل الاعتراف بأنها تلقي بجنودها في وحل غزة من أجل أهداف سياسية وهمية'، مشددًا على أن 'جنائز وجثث جنود العدو ستصبح حدثا دائما طالما استمر عدوان الاحتلال وحربه المجرمة ضد شعبنا'.
توثيق المشهد أثار تفاعلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، وسط احتفاء بشجاعة المقاوم الأعزل وتقدمه نحو المدرعة الإسرائيلية، حافي القدمين تقريبًا، حاملاً العبوة على كتفه، دون درع أو غطاء جوي، في وقت يعاني فيه القطاع من حصار خانق ونزوح واسع لعشرات الآلاف.
بينما وصف مغردون ونشطاء عبر منصات التواصل الاجتماعي هذا المشهد بـ'الرمية السباعية القاتلة'، في محاكاة ساخرة لقوانين كرة السلة.
وأشار بعضهم إلى أنه في قوانين كرة السلة تحتسب الرمية البعيدة بثلاث نقاط، أما في غزة، فقد أعادت المقاومة تعريف المسافة والجدوى، وكانت النتيجة: هدف دقيق بسبعة جنود وناقلة محترقة 'رمية سباعية' لا تتكرر.
وكتب أحد النشطاء: 'هذه التسديدة تحسب نقطتين في كرة السلة، لكن مجاهد القسام جعلها تحسب سبع نقاط'.
وعبر مدونون أن هذا المشهد يعبر عن جوهر المقاوم الحقيقي وهو شاب يلبس 'شبشب'، بلا درع ولا طائرة، ولا قبة حديدية تحميه، جائع ومحاصر، وأهله نازحون في الخيام، لكنه يمضي بثبات إلى الميدان؛ يطارد دبابة في شوارع خانيونس، يلقّمها عبوة 'شواظ' محلية الصنع، فينقلب حديدها نارا، ويجندل سبعة من جنود الاحتلال بضربة واحدة.
الناشط والمدوّن الفلسطيني خالد صافي علّق على العملية بالقول: 'مقاوم واحد من رجال القسام، يلبس شبشبًا بسيطًا، لا تقيه قبة حديدية ولا تحميه ترسانة، جائعٌ محاصر، وأهله نازحون في الخيام، لكنه يطارد دبابة تتبختر في شوارع خان يونس، ويحوّل حفنة رمل إلى فخ للمستعمر، والحذاء الممزق إلى سلاحٍ أقوى من الجيوش'.
وأضاف صافي أن هذا المقاتل يجسّد صورة المقاوم الحقيقي، الذي تخلى عنه العالم، وتركته الأنظمة العربية محاصرًا ومنكوبًا، ومع ذلك يُحدث فارقًا ميدانيًا يُربك حسابات أقوى جيوش المنطقة.
الإعلامية الفلسطينية حنين وردة كتبت أن هذه العقيدة 'المسافة صفر' وُلدت حين قرر عماد عقل، أحد أبرز قادة كتائب القسام في تسعينيات القرن الماضي، أن 'الخوف يُهزم بخطوة واحدة نحو العدو'، فاقترب حتى لامس ظلّه، وقاتل من مسافة لا تتيح التراجع ولا تحتمل التردد.
وأضافت وردة: 'آمن عماد أن الرصاصة لا تُجدي إن لم تخرج من قلب لا يخشى شيئًا. ومنذ أن سقط واقفًا، لم تسقط فكرته'.
وتابعت: 'اليوم، يمضي المقاومون في غزة على ذات الدرب، يقاتلون بالعقيدة نفسها، بالإيمان ذاته، وبثبات لا تهزه العواصف. المسافة لم تتغير… صفر كما أرادها عماد، قريبة حدّ الخطر… جميلة حدّ النصر'.
كما علق الكاتب المصري، مراد علي بالقول: 'ما يقدمه مجاهدو غزة يفوق حدود التصوّر البشري. فكيف لإنسان أن يقتحم ساحة الموت طوعًا، ليزرع عبوة ناسفة بيديه داخل قمرة القيادة في ناقلتيْ جند لجيش مدجج بأحدث الأسلحة؟، يُقدم على عمل كهذا وهو يدرك تمامًا أنه قد لا يعود حيًّا!!'.
وأضاف: 'مشاهد توسلات رجال المقاومة في دعائهم، وانكسارهم أمام الله قبل اقتحامهم خطوط النار، تفسّر هذا الثبات العجيب، وهذه الجرأة التي تُحير العقول'.
وتابع: 'لذا نجح الأبطال – بفضل الله – في تنفيذ العملية وقتل سبعة جنود صهاينة، بينهم ضابط، في واحدة من أدق عمليات الاقتحام المباشر.. ثم بعد ذلك نسمع مذيعين متنطعين،، يهاجمون أولئك الأبطال، ويشككون في تضحياتهم، ويصوّر بطولاتهم على أنها مغامرات متهورة'.
الشاعر الكويتي خط أبياتًا شعرية تصف المشهد المقاوم، قائلاً: هنا الجهادُ لا كذبْ ..هنا الدماءُ تلتهِبْ، هنا الرجالُ فارتقِبْ.. فخالدٌ عاد يثبْ، وسيفهُ إذا غضِبْ.. دمُ اليهود ينسكِبْ، وغزة مقبرة.. لكلِّ باغٍ مُغتصبْ'.
كما علق الداعية إياد قنيبي بالقول: 'هل أنت متخيل لما حدث؟! رجل يخرج بعد أكثر من 600 يوم من التجويع والحصار والفظائع، يتوجه مسرعاً باتجاه مدرعة وهو يدعو 'اللهم سددنا يا رب'، ثم يلقي فيها شيئا مصنوعاً باليد، ثم يدير لها ظهره بانتظار أن تتم المهمة.. بينما أولئك كالفئران خائفون لا يتحركون من مكانهم!!'.
الناشط الكويتي فايز الكندري، علق أيضًا على مشاهد العز والفخار بالقول: 'خضعت أحزاب أغدق عليها المال والسلاح، وخضعت حكومات تحتها أنهار من نفط ومشاريع نووية، لكن أبطال غزة بعد سنة وتسعة أشهر من القتال لم يخضعوا!! هلم أيها العالَم لترى كيف ينصر اللهُ أولياءَه'.
الكاتب الفلسطيني علاء أبو رزق وصف المشهد بالقول: 'غصّة في القلب كبيرة، وفرحة ناقصة، حين تتذكر أن هذا المقاتل البطل، الذي تحدث عن بطولته الملايين، قد بات ليلته جائعًا، هو ومن تبقى من عائلته، بعد أن ظل مدفوعًا بالأبواب لعشرات السنين من حاضنته العربية والإسلامية.'
وأشار أبو رزق إلى المفارقة الموجعة بين عظمة الفعل المقاوم، وضآلة ما يُقدَّم لهؤلاء المقاتلين الذين يقاتلون دون خطوط إمداد، أو ممرات إنسانية، أو حتى مياه صالحة للشرب.
'لا مناطق آمنة للنزوح، ولا طعام أساسي، ولا مساعدات من فوق السور ولا من تحته' ويضيف الكاتب، في وصف لما يعيشه المقاتل الفلسطيني في غزة من عزلة وفقر وتجويع ممنهج، تقابله صلابة وإرادة لا تنكسر.
غصّة في القلب كبيرة، وكبيرة جدا والله،
وفرحة غير مكتملة، ليست نصف فرحة، بل أقل من النصف بكثير،
حين تتذكر أن هذا المقاتل البطل، الذي ملأ ذكره الأرجاء، وتحدث عن صنيعه الملايين من سكان الأرض،
قد بات ليلته جائعا، هو ومن تبقى من عائلته أو نصف عائلته، وهو نفسه المقاتل الذي ظل…
وبالإشارة هنا إلى أن 'المسافة صفر' ليست مجرد تكتيك عسكري يتبعه المقاومون الفلسطينيون في مواجهتهم مع قوات الاحتلال، بل هي عقيدة قتالية ترسّخت منذ بدايات العمل المقاوم في غزة، وتحوّلت إلى نهج دائم يتوارثه جيل بعد جيل، منذ أن خطّ الشهيد القائد عماد عقل أول حروفها بدمه.
وقد أعاد هذا المفهوم للواجهة مجددًا مشهد العملية الأخيرة في خان يونس، حين اقترب أحد المقاومين من ناقلة جند إسرائيلية، وزرع عبوة 'شواظ' من مسافة صفر، ومجسدًا بذلك هذه العقيدة التي تحوّلت إلى رمز روحي وعسكري للمقاومة في غزة.
في ظل غياب التوازن في التسليح والتكنولوجيا، تبرز 'المسافة صفر' كواحدة من أهم أدوات المقاومة التي تُبقي الاحتلال مكشوفًا وضعيفًا في ميدان الاشتباك القريب، حيث لا تحسم المعارك الطائرات ولا الدبابات، بل الرجال الذين لا يتراجعون.
في ذات السياق، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن ضابط كبير في الجيش، أن المشاهد التي بثتها كتائب القسام، لاستهداف ناقلتي جند 'مخزية ولا تضفي احتراما على الجيش'، وقالت إنها مخالفة لما أعلنه الجيش.
وأضافت أن التحقيق الذي جرى في هذه العملية أظهر فشلا أمنيا، مشيرة إلى أن 4 حوادث مماثلة وقعت ضد الفرقة 36 -التي تعرضت للهجوم الأخير- خلال الشهر الماضي.
وأشارت إلى أنه -وخلافا للتقييم الأولي- أظهرت المشاهد التي بثتها الجزيرة للكمين أن مقاتل القسام صعد على المدرعة وألقى فيها عبوة.