لايف ستايل
موقع كل يوم -ال عربية
نشر بتاريخ: ٢ تشرين الأول ٢٠٢٥
يوم أخبرَني ابني فؤاد أنّه يُريدُني أن أهتَمّ بولدَيه بينما يذهب وزوجته في فرصة نهاية الأسبوع الى فندق جميل للاحتفال بعيد زواجهما العاشِر، إستغرَبتُ الأمر كثيرًا، إذ أنّه لَم يكن سعيدًا معها، بل ينوي تطليقها. فالحقيقة أنّ فؤاد بقيَ مع كنّتي طيلة ذلك الوقت فقط مِن أجل صغيرَيه، فكان يُعاني كثيرًا مِن عدَم التوافق الذي سادَ زواجه في السنوات الأخيرة. لكن أن يأخذَ زوجته إلى الفندق، الأمر الذي لَم يحدث مِن قَبل، كان يعني أنّ هناك فرصة حقيقيّة للتوافق. قبِلتُ بسرور أن يأتي بولَدَيه إلى بيتي، فهذان الحفيدان كانا عزيزَين على قلبي كثيرًا. سُرَّ أبوه أيضًا وانتظَرنا ذلك اليوم بفارغ الصبر، وحضّرتُ المأكولات الشهيّة وقوالِب الحلوى اللذيذة وطمأنتُ بال كنّتي على حسن اهتمامي وزوجي بولدَيها.
كنتُ أُحِبّ كنّتي لأنّها كانت امرأة عاقِلة ومُحِبّة، ولَم يحصل بيننا أيّ شيء يحمُلني على عدَم الارتياح لها فحزِنتُ كثيرًا يوم أطلعَني فؤاد على عدَم قدرته على مواصلة زواجه معها. في الواقِع، لَم أشكّ أبدًا أنّ هذَين لَم يكونا مُتوافِقَين، فلَم يبدُ عليهما شيء على الإطلاق، بل تصرَّفا بشكل طبيعيّ أمامي. هل هي كانت على الأقلّ تعلَم أنّ فؤاد ينوي تركَها أم أنّها، كشأني، خالَت أنّه سعيد معها؟ فابني لطالما عرِفَ كيف يُخبّئ عواطفه لأنّه كان مُنغلِقًا على نفسه بعض الشيء ويكبتُ مشاعره تمامًا كما كان يفعل عندما كان صغيرًا.
وصَلَ حفيدايَ مع والدَيهما إلى بيتنا وقالَ لي ابني قبَل أن يأخذ زوجته ويرحَل معها: 'لا يجب أن ينشغِل بالكِ علينا خلال غيابنا لأنّنا سنُقفِل هاتفَينا لنستمتِع بوقتنا الخاصّ'. لَم يُعجِبني الأمر، فكنتُ مُعتادة على سماع صوت فؤاد يوميًّا، لكنّني تفهّمتُ أسبابه. بعد ذلك، إنشغَلتُ بالصغيرَين ونسيتُ الموضوع.
مرَّ اليوم الأوّل، ثمّ الثاني وحان وقت عودة ابني وزوجته، لكن بدلًا مِن أن أراهما آتيَين، وصلَني اتّصال مِن صديق فؤاد الذي هو أيضًا مُحاميه، ليقولَ لي إنّ ابني مُحتجَز لدى الشرطة! طرَحتُ عليه مئة سؤال لكنّه لَم يقُل الكثير، بل فقط أنّ الشرطة تشكُّ بأنّه دفَعَ زوجته مِن شرفة الفندق! في البدء لَم أفهَم جيّدًا ما قالَه، فأعطَيتُ الهاتف لزوجي الذي بقيَ يهزُّ برأسه وهو يتكلّم مع المحامي، ثمّ أقَفَل الخطّ وخرَجَ مِن البيت بسرعة قائلًا: 'لا أدري متى أعود'.
بدأتُ أبكي وأصرخ كالمجنونة لدرجة أنّ حفيدَيّ بدأ هما أيضًا بالبكاء، فتوقّفتُ عن الصراخ والنحاب وضمَمتُهما إلى صدري مواسية. بعد ذلك بدأ إنتظاري لعودة زوجي الذي لَم يردّ على إتّصالاتي العديدة.
مضَت ساعات طويلة حين عادَ زوجي وعلامات الهمّ الشديد على وجهه:
ـ إنّنا في مأزق كبير... فهو مُتّهم بأنّه حاوَلَ قتل كنّتنا... هي لَم تمُت، بل في المشفى وفي غيبوبة عميقة.
ـ ماذا؟!؟ كيف؟!؟ ولماذا؟!؟
ـ عامِلو الفندق قالوا إنّهم سمِعوا صوت شجار حادّ بين فؤاد وزوجته قَبل أن سقطَت مِن الشرفة عن علوّ طابقَين.
ـ إبني لن يفعل ذلك أبدًا!
ـ أعلَم يا حبيبتي... لا عليكِ، ستظهر الحقيقة. نامي قليلًا.
أنام؟ وكيف أنام وابني الحبيب في قبضة الشرطة؟ ماذا لو سجَنوه؟؟؟
في الأيّام التي تلَت، رحتُ أزورُ كنّتي في المشفى لكنّ أهلها طردوني قائلين:
ـ ماذا جئتِ تفعلين هنا؟ جئتِ لتتأكّدي مِن أنّ ابنكِ تخلّصَ مِن ابنتنا؟ أخرجي مِن هنا!
شعرتُ بالعار والحزن والخوف وخرجتُ مِن المشفى بسرعة قَبل أن يرى أحَدٌ المشهد وتبدأ الناس بالتكلّم.
ثمّ راحَ المحقّقون يسألون الأصدقاء والأقارب عن طبيعة علاقة فؤاد بزوجته. الجميع قالَ إنّهما ثنائيّ مثاليّ ما عدا مَن هم مُقرّبين جدًّا مِن ابني الذين اعترفوا أنّه كان ينوي تَرك المسكينة بعد أن استحالَ عليه العَيش معها. عندها، تأكّدَت الشكوك حوله.
ولمّا سألوا فؤاد عن سبب الشجار الذي دارَ بينه وبين زوجته في الفندق، قالَ لهم:
ـ لقد خطَّطتُ للذهاب إلى الفندق لأقولَ لزوجتي إنّني لَم أعُد أُريدُ مواصلة زواجنا.
ـ في عيد زواجكما؟!؟ مَن يفعَل ذلك؟؟؟
ـ ظننتُ أنّها مُناسبة جيّدة لأكون معها في مكان جميل ولتستوعِب الموضوع بسلاسة أكثر. كانت فكرة غير جيّدة، أعترِف بذلك، لكنّني لَم أحاوِل قتلها، بل هي رمَت بنفسها مِن الشرفة لدى سماعها الخبَر. أقسمُ لكم أنّني أقولُ الحقيقة! عليكم أن تُصدِّقوني! إسألوها!
ـ إنّها في غيبوبة، سيّدي، وحياتها في خطر. وإن هي ماتَت، فستتحوَّل التهمة إلى جريمة قتل، وستقضي باقي حياتكَ وراء القضبان! إعترِف الآن وقد تُخفَّف العقوبة.
ـ وهل أعترِفُ بشيء لَم أفعلَه؟!؟ أقولُ لكم إنّها رمَت بنفسها!
وبالطبع لَم يُصدِّقه أحَد، حتّى بعدما هو قال لهم:
ـ ولماذا أقتلها حين أستطيع تطليقها؟
ـ لتحصل على الأولاد وتتجنَّب دَفع نفقة لها... أو أنّكَ تستعار مِن الطلاق... لسنا داخِل رأسكَ لنفهَم دوافعكَ، إلّا أذا أطلَعتنا عليها. هيّا، إعترِف... أنتَ دفعَتها وتقول إنّها رمَت بنفسها!
ـ أبدًا! لَم ألمُسها على الإطلاق!
وبسبب شهادة موظفيّ الفندق والمُقرّبين مِن ابني وموقِف أهل كنّتي الذين صوّروا إبني وكأنّه رجُل بغيض وعنيف، حُوِّلَ فؤاد إلى النيابة العامّة وأُلقِيَ في السجن بانتظار مُحاكمته.
بقيَ لنا أمَل واحِد، وهو أن تستفيق كنّتنا وتقول الحقيقة.
إستفاقَت زوجة فؤاد أخيرًا بعد شهر بكامله، لكنّها لَم تكن في حالة تسمَح لها بالتكلّم عمّا حصَل لها. فاضطرِرنا للانتظار بينما كان ابننا الحبيب في السجن مع المُجرمين وتجّار المُخدّرات. وعندما كنتُ أزورُه هناك، رأيتُ كيف صارَ نحيلًا، وكيف كانت معنويّاته في أسوأ حال. كنّا نبكي سويَّا وأطَمئنُه قائلة إنّ كلّ شيء سيجري كما يجب. لكنّني لَم أكن مُتأكِّدة مِن شيء طبعًا.
إستطعتُ أن أدخُل غرفة كنّتي في المشفى بعد أن دفَعتُ مبلغًا مِن المال لإحدى المُمرّضات لتتّصل بي حين تكون مريضتها لوحدها. كانت زوجة فؤاد على طريق التحسّن، فقلتُ لها بعدما تفاجأَت بوجودي قرب سريرها:
ـ عليكِ أن تقولي الحقيقة للشرطة... لا تتأثّري بأهلكِ الذين يُريدون الانتقام مِن فؤاد. أعلَم أنّه لَم يدفَعكِ، بل أنّكِ رمَيتِ بنفسكِ لأنّني امرأة وأعلَم أنّ خبَر الطلاق يوم عيد زواجكما شيء لا يُحتمَل.
ـ ولماذا أُدافِع عنه حين يُمكنُني الانتقام منه؟ لَم يعُد يُريدُني بعد كلّ الذي فعلتُه مِن أجله، كلّ الذي مرَرنا به لنؤسّس عائلتنا.
ـ حبيبتي... لماذا تُريدين البقاء مع إنسان لا يُريدُكِ؟ أعلَم كَم تُحبّينَه، لكنّه على ما يبدو لَم يعُد يُحبُّكِ، ولستِ السبب في ذلك، أنا على يقين مِن أنّكِ زوجة رائعة... وأمّ مُمتازة.
ـ أجل، أنا كما وصَفتِني.
ـ أمّ لولدَين سيكبران وهما يظنّان أنّ أباهم حاوَلَ قتل أمّهم؟ هل تتصوّرين الأذى الذي ستُسبّبينَه لهما؟ العُقَد النفسيّة التي ستتمكَّن مِن حياتهما إلى الأبد وتمنعُهما مِن العَيش حياة طبيعيّة، وكلّ ذلك لتنتقِمي مِن فؤاد لأنّه لَم يعُد يُحبّكِ؟ أليست تلك أنانيّة مِن جانبكِ؟ أنا لا أطلبُ منكِ سوى أن تقولي الحقيقة، لا غير. لا تُفكّري بنفسكِ، بل بولَدَيكِ. إعلَمي أنّني لستُ أُدافِع عن ابني لأنّه أرادَ ترككِ، فأنتِ تعلَمين كَم أحبُّكِ وزوجي، كلّ ما أُريدُه هو ألّا يدفَع ابني ثمَن شيء لَم يفعَله.
ـ ما هو مصيري بعد أن يُطلّقني فؤاد؟!؟ يا لَيتني مُتُّ!
ـ لن نترككِ، أقسمُ لكِ! إنّكِ أم حفيدَينا ولا شيء في العالم سيُغيّر ذلك، صدّقيني!
قالَت كنّتي الحقيقية للمُحقِّق حين زارَها ليأخذ أقوالها، والحمد لله! خرَجَ ابني مِن السجن واستعادَ ولدَيه الذَين أُخِذا منّي ووضِعا عند أهل كنّتي خلال فترة سجن فؤاد. غضِبَ ذوو كنّتي منها لأنّها قالَت الحقيقة، فهم أرادَوا أن يدفَع ابني ثمَن تَركه لها، هل يُعقَل ذلك؟!؟
وبعد أن تعافَت زوجته تمامًا، تمّ الطلاق برضى الجانبَين، لأنّ كنّتي استوعَبت أخيرًا أنّ الأمر لا يستحقّ أن تموت مِن أجله، لأنّ الحياة تستمرّ بعد فقدان الشريك، خاصّة بوجود أولاد الذين هم فوق كلّ اعتبار. تقاسَمَ فؤاد وزوجته السابقة حضانة ولدَيهما... إلى أن وجدَت رجُلًا أحبَّته وتزوّجَته! وكنتُ سعيدة مِن أجلها. أمّا بالنسبة لفؤاد، فهو بقيَ حتّى اليوم عازِبًا ليهتمّ بولَدَيه، ما دلَّ على أنّه لَم يُطلِّق زوجته لأنّه أرادَ امرأة غيرها، بل فقط لأنّ لَم يكن هناك حقًّا مِن توافق بينهما.
حاورتها بولا جهشان