اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٧ تشرين الأول ٢٠٢٥
أكد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية د. محمد أبو رمان أن موافقة حركة حماس على خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب في قطاع غزة تمثل موقفًا 'ذكيًا ومتوازنًا'، يعكس إدراك الحركة لتعقيدات المرحلة الراهنة وخطورة استمرار الحرب والتهجير، مشيرًا إلى أن الحركة استطاعت الحفاظ على مبادئها وفي الوقت ذاته كسر الطوق السياسي المفروض عليها.
وقال أبو رمان في حديث لـ 'فلسطين أون لاين' أمس إن موقف حماس جاء في سياق سياسي شديد التعقيد، لكنها تعاملت بمرونة محسوبة مع المقترح الأميركي، واختارت 'الخيار الواقعي' وهو الموافقة المشروطة مع طلب ضمانات وتوضيحات، موضحًا أن الرفض الكامل كان سيُعد 'انتحارًا سياسيًا'، في حين أن القبول المطلق بلا ضمانات مستحيل.
متوازن ومسؤول
وأشار إلى أن الحركة تعاملت بذكاء مع تفاصيل الخطة الأميركية، فقسمتها إلى ثلاث قضايا: الأولى تتعلق بملف الأسرى الإسرائيليين، وهو الملف الأكثر أهمية بالنسبة لترامب الذي يسعى إلى تحقيق إنجاز إعلامي وسياسي عبر استعادتهم، والثانية تتصل بوقف الحرب في غزة، أما الثالثة فترتبط بمستقبل القطاع، وقد أكدت الحركة في بيانها أن هذه المسألة شأن وطني فلسطيني عام لا يخص حماس وحدها، بل يتطلب توافقًا وطنيًا شاملًا.
وبين أن هذا التفكيك في قراءة المقترح الأميركي أعاد الكرة إلى الملعبين الإسرائيلي والأميركي، وأحرج نتنياهو أمام إدارة ترامب، لا سيما أن الأخير كان يسعى لتوظيف الخطة سياسيًا وشخصيًا على طريق ما وصفه أبو رمان بـ'جائزة نوبل للسلام التي تتراقص بين عينيه'، بينما وجد نتنياهو نفسه في مأزق داخلي بعد رد حماس، مما دفعه لعقد اجتماع طارئ مع وزراءه المتطرفين سموتريتش وبن غفير.
ورأى أبو رمان أن الطريق أمام أي انفراج سياسي لا يزال مليئًا بالعقبات والتحديات. وقال: 'نحن نتفاءل بأن الأمور قد تمضي إلى الأمام، لكن هناك عقبات كبيرة جدًا؛ فالإسرائيليون والأميركيون لديهم هدف رئيسي مختلف عن هدف حماس تمامًا'.
وأوضح أن الهدف الأميركي الإسرائيلي الآن يتمثل في إنجاز صفقة تبادل الأسرى، باعتبارها الورقة الأهم في المشهد الحالي. وأضاف: 'هذه الورقة هي ورقة القوة بيد حماس، وهي تضغط على نتنياهو وترامب في الوقت ذاته. ترامب يريد أن يظهر أمام الرأي العام بأنه من أطلق سراح الأسرى، فهو رجل يعيش على الصورة والدعاية، بينما نتنياهو يبحث عن مخرج من ضغط الشارع الإسرائيلي الذي يزداد يوميًا'.
خلافات تكتيكية
وأضاف أن كل الأحاديث عن وجود فجوة أو خلاف بين ترامب ونتنياهو 'هي مجرد خلافات تكتيكية لا تمس الجوهر'، موضحًا أن 'المصالح الاستراتيجية بين الطرفين ثابتة، بل إن خطة ترامب أنقذت نتنياهو من مأزق سياسي وتاريخي، بعد أن كان يعيش عزلة داخلية وخارجية حادة'.
وبين أن نتنياهو قدم قراءته للخطة الأميركية على نحو يخدم مصالحه السياسية، فطرح فكرة الانسحاب البطيء جدًا لجيش الاحتلال، ومرحلة طويلة من 'تأهيل السلطة'، يعقبها تسليم تدريجي لقطاع غزة، وربط ذلك بملف 'إصلاح السلطة'، وفق الرؤية الإسرائيلية.
أما حماس، فبحسب أبو رمان، فقد قدمت قراءة مغايرة، تستند إلى رفض محاولات نتنياهو فصل غزة عن الضفة، وتحظى في ذلك –كما يقول– بدعم من قطر ومصر وحتى الأردن، في مواجهة المشروع الإسرائيلي الذي يسعى لإعادة صياغة الواقع السياسي الفلسطيني.
وحذر أبو رمان من أن المرحلة القادمة ستكون 'مرحلة خطيرة وحساسة جدًا'، بسبب عدم وجود أي ضمانات حقيقية. وقال: 'بمجرد أن تطلق حماس سراح الأسرى، ستبدأ (إسرائيل) بمحاولة فرض الأمر الواقع وفق منظورها، وترامب سيكون من خلفها قلبًا وقالبًا'، داعيًا إلى عدم المراهنة على أن ترامب يمكن أن يضغط على نتنياهو، لأن 'الشروط ستُفرض على الفلسطينيين لا على الإسرائيليين'.
وأضاف أن المنظور الأميركي–الإسرائيلي يقوم على إقامة مجلس دولي لإدارة غزة بقيادة ترامب وتوني بلير وجاريد كوشنر، وهو فريق 'صهيوني متشدد يرى المنطقة بعين إسرائيلية يمينية بالكامل'، مؤكداً أن هدف ترامب الحقيقي لا يقتصر على إنهاء الحرب، بل إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي بما يخدم (إسرائيل).
ورأى أن ترامب لا يريد أن يرى الفلسطينيين موجودين في قطاع غزة على المدى الطويل، حتى وإن لم يكن هناك تهجير قسري مباشر، فإنه سيسعى إلى ما وصفه بـ'التهجير الناعم' أو 'التهجير غير المباشر'، من خلال خلق ظروف معيشية واقتصادية تدفع السكان إلى المغادرة تدريجيًا.
وختم أبو رمان حديثه بالقول: 'نحن أمام مرحلة خطيرة جدًا تحتاج إلى توازن قوى إقليمي جديد، وقراءة عربية مختلفة للمشهد، وعلى الأردن ومصر وتركيا والسعودية أن تقف في مواجهة القراءة الإسرائيلية وأن تخلق توازنًا حقيقيًا في الموقف، مشددًا على أن ما يجري في غزة لن يتوقف عندها، بل سيمتد إلى الضفة الغربية، ويرتبط بما يحدث في لبنان وسوريا، فمشروع نتنياهو الإقليمي لن يتوقف، بل يرى فيه اليوم فرصة تاريخية لإعادة تشكيل الواقع الجيوسياسي للمنطقة بأكملها'.