اخبار فلسطين
موقع كل يوم -شبكة مصدر الإخبارية
نشر بتاريخ: ١٦ أيار ٢٠٢٥
رأت تحليلات إسرائيلية نُشرت اليوم، الجمعة، أن زيارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى المنطقة، وسياسته الإقليمية بشكل عام، تشكّل لحظة مفصلية في علاقات واشنطن وتل أبيب، وتكشف في الوقت نفسه عن تراجع في مكانة إسرائيل داخل المنظومة الإقليمية الجديدة، التي تقودها الولايات المتحدة وفق معادلات 'أمنية وتجارية'، ليست إسرائيل فيها بموقع الصدارة.
واعتبر المحلل العسكري في صحيفة 'هآرتس'، عاموس هرئيل، أن الولايات المتحدة تعيد تشكيل تحالفاتها في المنطقة من بوابة الاقتصاد وضبط النزاعات، بينما تبتعد عن نهج 'الهيمنة العسكرية'. وبحسبه، فإن إدارة ترامب تعكس مزيجًا من البراغماتية القوية، والنزعة التجارية، وعدم الرغبة في الانجرار إلى حروب طويلة.
واعتبر أن ترامب يسعى إلى فرض تسويات على اللاعبين الإقليميين، بمن فيهم إسرائيل، التي لا تبدو مستعدة للقبول بأي صيغة تتضمن وقف الحرب في غزة؛ وبحسب هرئيل، فإن دور إسرائيل في الأحداث الجارية يبدو حتى الآن هامشيًا. وأشار إلى أن ترامب يعرض على إسرائيل مقترحًا 'سطحيًا ومليئًا بالثغرات'، لكنه قد يُسهم في إنهاء الحرب في غزة.
في المقابل، قال هرئيل إن نتنياهو لا يُبدي أي استعجال لقبوله المقترح الأميركي. ويضيف أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، كما درج طوال سنوات حكمه، يخشى من تسوية تُفرض عليه. لكنه يُحذّر من احتمالات أكثر خطورة، منها أن 'تقرر واشنطن ببساطة ترك إسرائيل تواجه أزماتها، أو أن يُقدم نتنياهو على إفشال الترتيبات الأميركية بالقوة، سواء في غزة أو حتى في إيران'.
وقال هرئيل إن تصريحات ترامب خلال جولته أظهرت انفتاحًا أميركيًا على مناقشة تزويد تركيا والسعودية بمقاتلات F-35، وهي خطوة تثير قلقًا واسعًا في الأوساط العسكرية الإسرائيلية، نظرًا لأنها تقوّض المبدأ الذي ساد لأكثر من خمسة عقود بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل. وبحسب هرئيل، فإن مجرد تداول هذا الاحتمال يثير 'الفزع' لدى عدد من كبار الضباط، في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، حتى لو لم يُعربوا عن ذلك علنًا.
ولفت هرئيل إلى أن إسرائيل، تحت قيادة نتنياهو، تحاول تفادي أي تسوية دائمة، خشية أن تُفرض عليها ترتيبات تنهي الحرب وتُدخل لاعبين جددا إلى غزة، مثل قوة عربية مشتركة ودور رمزي للسلطة الفلسطينية. لكنه يُحذر في الوقت نفسه من خطر أن تختار واشنطن ببساطة تجاوز إسرائيل، أو أن تسعى إلى فرض تسوية رغمًا عنها.
وبالتوازي، قال هرئيل، إن الرئيس الأميركي 'يسعى إلى تسريع التوصل إلى اتفاق جديد مع إيران بشأن تقييد برنامجها النووي. وتبدو فرص التوصل إلى اتفاق مرتفعة، رغم أن مستوى الإلمام بالتفاصيل لدى ترامب ومبعوثه إلى كل مهمة، ستيف ويتكوف، لا يزال متدنيًا نسبيًا. أما الهدف المعلن الثاني — إنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس وإتمام صفقة الأسرى — فيتطلّب إشراك إسرائيل بشكل فعلي في هذا المسار'.
ويرى أن صفقة الأسرى المطروحة، بوساطة ترامب ومبعوثه ويتكوف، قد تتحول إلى نقطة اختبار للعلاقة، إذ تُصرّ إسرائيل على مقترح جزئي، بينما يضغط الأميركيون نحو صفقة شاملة تشمل إنهاء الحرب. ويحذر هرئيل من أن نتنياهو، المُقيّد بتحالفه اليميني، قد يفضّل التصعيد الميداني المحدود على تقديم تنازلات سياسية، حتى لو كان ذلك على حساب العلاقة مع واشنطن.
'الطفل الذي تُرك في البيت'
في السياق ذاته، اعتبر المحلل السياسي في صحيفة 'يديعوت أحرونوت'، ناحوم برنياع، أن زيارة ترامب إلى الخليج كشفت فعليًا عن انزياح مركز الثقل في السياسة الأميركية بعيدًا عن إسرائيل، وأن الأخيرة أصبحت 'الطفل الذي تُرك في البيت'، بعدما فقدت موقعها كـ'الدولة الديمقراطية المستقرة الوحيدة المقبولة على الحزبين في واشنطن'. لكنه يضيف أن الشرق الأوسط الجديد، القائم على المصالح الاقتصادية، قد يوفّر لإسرائيل فرصًا جديدة إن غيّرت حكومتها مسارها السياسي.
بحسب برنياع، فإن مبعوثي ترامب سعوا إلى التوصل لاتفاق جديد مع حماس خلال زيارة الرئيس الأميركي، لكن رفض إسرائيل تقديم أي ضمانات بإنهاء الحرب حال دون ذلك. كما يشير إلى أن تعامل الإدارة الأميركية مع حماس كطرف قابل للتفاوض، كسر تابو سياسيًا طالما تبنته إسرائيل، وأن حماس باتت تمتلك فعليًا 'مفتاح الدخول إلى البيت الأبيض'.
ويُبرز برنياع معضلة إسرائيل في غياب قيادة واضحة لدى حماس على الأرض بسبب سياسة الاغتيالات، وذلك على خلفية محاولة إسرائيل اغتيال القيادي في حماس، محمد السنوار، في هجوم عنيف على المستشفى الأوروبي في خانيونس، الثلاثاء، متسائلًا: 'من سيعيد الأسرى في حال غابت القيادة الفعلية؟'، ويحذّر من أن تجاهل التسوية سيُبقي إسرائيل في حالة استنزاف دائم.
بدوره، اعتبر المحلل العسكري في صحيفة 'يسرائيل هيوم'، يوآف ليمور، أن الشراكة الإسرائيلية – الأميركية، التي اعتُبرت طوال سنوات حجر الزاوية في التوجهات الإقليمية لواشنطن، تم 'وضعها جانبًا هذا الأسبوع'. وأضاف: 'لم تُلغَ الشراكة بالكامل، لكن واشنطن أعلنت أنها تمضي قدمًا وفقًا لمصالحها'.
ويستدل ليمور على هذا التحول من خلال سلسلة خطوات اتخذتها إدارة ترامب دون إشراك إسرائيل، منها التفاوض مع الحوثيين، والمحادثات الأميركية مع حركة حماس، والمضي قدما نحو اتفاق نووي جديد قيد التشكل مع إيران، إضافة إلى صفقات الأسلحة مع السعودية، ورفع الفيتو عن تزويد تركيا بمقاتلات F-35.
ويُحمّل ليمور نتنياهو مسؤولية هذا التآكل، نتيجة اعتماده المفرط على الحزب الجمهوري وتجاهله للديمقراطيين، ما أضعف الدعم الحزبي الثنائي، وقلّص نفوذ اللوبي الصهيوني في واشنطن. ويحذّر من أن إسرائيل باتت أقرب إلى 'دولة منبوذة' في نظر بعض العواصم الغربية، ويشير إلى أن التعامل مع فرنسا مثال على ذلك، حيث استُبدل الحوار الدبلوماسي بالهجوم السياسي.
ويُضيف ليمور أن فكرة تزويد تركيا بمقاتلات F-35، أصبحت مطروحة للنقاش من جديد في أروقة القرار الأميركي، وهو ما يُشكّل تهديدًا صريحًا لتفوّق إسرائيل العسكري، ويُعبّر عن تحول جوهري في نظرة واشنطن لمصالحها الإقليمية.
وفي ما يتعلّق بغزة، يرى ليمور أن نتنياهو لا يملك إستراتيجية خروج حقيقية، وأن رفضه مناقشة مستقبل القطاع يأتي نتيجة اعتبارات ائتلافية داخلية، وليس لمصلحة إستراتيجية. ويقول إن 'ما تطلبه واشنطن من إسرائيل ليس كثيرا هو فقط أن تكون مستعدة لمناقشة، بشكل عام، فكرة ‘حل الدولتين’ في المستقبل، لكن حتى هذا ترفضه الحكومة الحالية'.
وبحسبه، فإن إسرائيل ضيّعت فرصة أن تكون المستفيد الرئيسي من التحالف الذي تعمل واشنطن على تشكيله في النطقة، بقيادة اقتصادية وأمنية، مشيرًا إلى أن الثمن الوحيد المطلوب من إسرائيل كان سياسيًا: التخلي عن لغة القوة، والعودة إلى الحوار. لكن الحكومة الحالية فضّلت التمسك بلغة القوة، ومزيدا من القوة إذا ما فشل ذلك، وبهذا أضاعت فرصة الانضمام إلى 'الطائرة الإقليمية التي تُقلع نحو مستقبل مختلف'، بينما تغرق إسرائيل في أنفاق خانيونس وأزقة غزة.
اقرأ/ي أيضاً: تحليل أقمار اصطناعية: نحو 70% من مباني قطاع غزة مدمّرة أو متضرّرة