اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٧ تموز ٢٠٢٥
منذ توليه منصب رئاسة الوزراء، لم يُخفِ بنيامين نتنياهو رؤيته الاستراتيجية في التعامل مع الملف الفلسطيني، وهي رؤية تقوم على الحسم وليس على التسوية، وعلى الإخضاع بالقوة وليس التفاهم. هذه الرؤية تُستلهم بشكل مباشر من نظرية 'الجدار الحديدي' التي وضعها زئيف جابوتنسكي عام 1923، والتي تُجمل الموقف الصهيوني من العرب بأنّهم لا يقبلون بالتعايش الطوعي مع المشروع الصهيوني، ولذا يجب 'فرض السلام عليهم عبر القوة'، حتى يقتنعوا بعدم جدوى المقاومة.
في ضوء هذه العقيدة، فإن الحرب الأخيرة على غزة ليست مجرد عملية عسكرية محدودة، أو رد فعل على عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وانكسار الهيبة والردع الإسرائيلي؛ بل هي جزء من مشروع صهيوني أشمل يسعى إلى تهجير سكان القطاع قسرياً، سواء عبر الضغط العسكري غير المسبوق، أو من خلال دفع السكان إلى الهجرة الجماعية بفعل المجاعة، والمجازر، والدمار، وفقدان الأمل. إنّ المخطط الإسرائيلي غير المعلن، لكن معالمه تظهر جلياً، يتمثل في جعل غزة غير صالحة للحياة من خلال تدمير شامل للبنى التحتية المدنية، وحشر السكان في ما يُسمى 'المدينة الإنسانية' في جنوب القطاع، تمهيداً لدفعهم نحو الهجرة الجماعية إلى مصر أو أماكن أخرى، ما يوفّر على الاحتلال عبء التعايش مع مليوني فلسطيني في مساحة ضيقة محاصرة.
يتكامل هذا المشروع مع خطة موازية في الضفة الغربية؛ حيث يجري تنفيذ خطوات حثيثة نحو فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على المستوطنات الكبرى والكتل الاستيطانية، تمهيداً لضمها الرسمي. أما ما تبقى من الضفة، فسيُترك، خلال هذه المرحلة، كيانات معزولة لا تمتلك مقومات الحياة السياسية أو الاقتصادية، تُدار مدنياً تحت سقف السلطة الفلسطينية الضعيفة، أو من خلال روابط القرى التي يعمل الاحتلال على إحيائها مؤخراً.
الغاية النهائية من هذا المشروع هي حسم القضية الفلسطينية بشكل نهائي، عبر شطب قطاع غزة كساحة مقاومة وجغرافيا مأهولة، وابتلاع الضفة الغربية ببطء ولكن بثبات، تحت غطاء 'التسوية من طرف واحد'. وهو مسار يراه نتنياهو ممكناً في ظل وجود إدارة أمريكية متماهية بشكل واسع مع الاحتلال، وفي ظل ضعف وانقسام الموقف العربي، وانشغال الأنظمة العربية بأزماتها، وتواطؤ أو سكوت بعض القوى الدولية.
ويظهر أن نتنياهو لا يطمح فقط إلى تحقيق 'الأمن الإسرائيلي'، بل إلى إعادة صياغة الخريطة السياسية للمنطقة، من خلال فرض ما يُسمى 'السلام الإبراهيمي' بالقوة، أي عبر فرض الهيمنة الإسرائيلية على الدول العربية، سواء من خلال التكنولوجيا والأمن، أو من خلال الابتزاز السياسي والتطبيع القسري. فـ'إسرائيل' بنظره لم تعد بحاجة إلى القبول العربي، بل العرب هم من يحتاجون إلى القبول الإسرائيلي لضمان استقرار أنظمتهم.
لا شك أن صمود المقاومة والشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، في وجه آلة الحرب الإسرائيلية ومخططات التهجير القسري والضم وفرض السيادة، هو الضامن الرئيس لإفشال مخططات الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة، في ظل تخاذل المواقف العربية والإسلامية، وحالة اللامبالاة التي تعيشها شعوب المنطقة إزاء ما يتعرض له شعبنا في الضفة الغربية وقطاع غزة، وغض الطرف من قبل ما يُسمى بالعالم الغربي 'المتحضر' عن حرب الإبادة الإسرائيلية.
إن الاستراتيجية الإسرائيلية في التعاطي مع البيئة الاستراتيجية المحيطة أصبحت ترتكز بصورة واضحة، على التغوّل وفرض الهيمنة عن طريق 'الردع بالتدمير والاستهداف العسكري المباشر والاستباقي'، كما حصل في الحرب مع إيران، وكما هو ظاهر من خلال التعاطي الأمني العسكري المباشر، ومحاولة فرض معادلات أمنية وسياسية في كل من سورية ولبنان؛ لكن هذا التحول الاستراتيجي من المستبعد أن لا ينتج عنه ردات فعل معاكسة من البيئة المحيطة بالكيان، على المدى المتوسط والبعيد، ولو كانت لا تظهر مؤشراتها في الوقت الحالي.