اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٩ أب ٢٠٢٥
في خطوة تحدٍّ لقوات الاحتلال الإسرائيلي وأوامر الإخلاء، قررت الكنائس المسيحية في غزة البقاء في مواقعها رغم القصف والاستهداف المباشر، متمسكة بدورها الإنساني في حماية المدنيين، ورفضت أن تتحول إلى شاهد صامت على التهجير الجماعي.
وتحولت الكنائس منذ بدء حرب الإبادة إلى ملاذ إنساني يستقبل مئات من النساء والمسنين وذوي الإعاقة، وسط انهيار شبه كامل للخدمات. وكان الإصرار على البقاء موقفا صريحا في مواجهة سياسة الإخلاء التي يمارسها الاحتلال ضد أهالي القطاع، وصفعة واضحة لمساعي اقتلاع المسيحيين من غزة.
في حديثه لصحيفة فلسطين، يتناول ديمتري دلياني، رئيس التجمع الوطني المسيحي في الأراضي المقدسة، تفاصيل المشهد كما تراه الكنائس من الداخل، من الاستهداف والتجويع، إلى الإغاثة والمرافعة الدولية، وما يعنيه أن تتحول الأجراس إلى جرس إنذار وصمود في وجه الإبادة.
استهداف ممنهج للكنائس
ويؤكد دلياني أن المعطيات الميدانية تظهر أن الكنائس في غزة تشكل أهدافا مباشرة لآلة الإبادة الإسرائيلية، ففي 17 تموز 2025 استهدفت قوات الاحتلال مجمع كنيسة العائلة المقدسة، فارتقى ثلاثة بينهم الأب غبريال رومانيلي، وأصيب آخرون، وفي بداية حرب الإبادة، وتحديدا في 20 تشرين الأول 2023، تعرض مجمّع كنيسة القديس برفيريوس للروم الأرثوذكس لغارة مدمرة.
وبعدها في 16 كانون الأول 2023، اغتالت رصاصات قناص إسرائيلي الشهيدة ناهدة أنطون وابنتها الشهيدة سمر داخل الكنيسة أثناء الصلاة. كما وثقت اليونسكو حتى 27 أيار 2025 تضرر 13 موقعاً دينياً مسيحياً.
ويشير إلى أن، هذه الوقائع تظهر أن المدنيين المتحصنين في الكنائس يواجهون خطرا وجوديا، في خرق صارخ لحماية دور العبادة التي يكرسها القانون الدولي، وبموجب المادة 8(2)(ب) من نظام روما والقاعدة 38 من القانون العرفي، فإن الهجمات المتعمدة على أماكن العبادة تعد جريمة حرب كاملة الأركان.
ويقول دلياني، لقد حسمت القيادة الكنسية خيارها الأول بالبقاء في الكنائس لخدمة أكبر عدد ممكن من المواطنين الذين لم ينزحوا، وتحويل المرافئ الكنسية إلى ملاجئ إنسانية. البطريركيتان الأرثوذكسية واللاتينية رفضتا مرارا أوامر الإخلاء العسكرية التي أصدرها جيش الاحتلال في سياق حرب الإبادة، وأكدتا عبر بيانات متعاقبة أن الكنيسة ستبقى ملاذا آمنا.
ويضيف، ثبتت الكنائس آليات حماية مدنية تقوم على إبقاء الأبواب مفتوحة لاستقبال كل من يلجأ إليها، وتنظيم حركة الدخول والخروج، التنسيق مع وكالات كنسية ودولية لإيصال ما يمكن إدخاله من الغذاء والدواء، وإجراء زيارات رعوية رفيعة المستوى. وقد تجلى ذلك بوضوح حين قاد البطريرك ثيوفيلوس الثالث والبطريرك الكاردينال بيارباتيستا بيتزابالا شخصيا قافلة مساعدات وإخلاء جرحى.
ويتابع، توالت النداءات الكنسية والدولية، إذ أدان مجلس الكنائس العالمي الإبادة الإسرائيلية في غزة وطالب باحترام القانون الإنساني؛ والفاتيكان أطلق مناشدات متكررة لوقف العقاب الجماعي وفتح المجال أمام المساعدات. غير أن الميدان يثبت أن الاحتلال لا يأبه لأي جهة غير أعضاء حكومته الإبادية، فاستمر استهداف الكنائس والمنشآت الدينية، واتسعت قائمة المواقع التراثية المتضررة، رغم الجهود الجبارة التي يقودها البطريرك ثيوفيلوس الثالث مع إخوانه رؤساء الكنائس لوقف الإبادة وإغاثة شعبنا المحاصر.
وبين أن المسيحيين قادوا جهود الإغاثة والمرافعة من داخل غزة وخارجها، وساهمت المؤسسات المسيحية في فلسطين بدور جوهري في دعم صمود أبناء غزة.
ونظمت البطريركيتان الأرثوذكسية واللاتينية، وبقية الكنائس، عمليات الإغاثة والرعاية، ونسقت مع الشبكات الكَنَسية الدولية؛ مجلس الكنائس العالمي ومجلس كنائس الشرق الأوسط دفعا بالمرافعة القانونية ضد حكومة الاحتلال في لاهاي، ووفرا خدمات إنسانية وتعليمية وصحية لعشرات الآلاف.
كما قاد التجمع الوطني المسيحي في الأراضي المقدسة حملات ضغط دولية لفضح جرائم الاحتلال، فيما أمنت مؤسسة كاريتاس الدولية الغذاء والدواء ودعت لفتح ممرات إنسانية. إلى جانبهم، نشطت عشرات المجموعات الشبابية في العمل الميداني والإغاثي لمواجهة حرب الإبادة.
وذكر أن الجهود توزعت على برامج الغذاء والمياه والرعاية الصحية، ودعم الأمومة والطفولة، وتشغيل العيادات المتنقلة، وتحويل الكنائس إلى مراكز توزيع، وتوفير الإسناد النفسي والاجتماعي، وتقديم الدعم المالي.
وعلى مستوى المرافعة، صدرت بيانات واضحة تجرم الإبادة وتطالب بوقفها، مستندة إلى نصوص القانون الدولي: نظام روما، اتفاقية لاهاي 1954 وبروتوكولاتها، والقواعد العرفية التي تكفل الحصانة الخاصة للأماكن الدينية.
الصوت المسيحي العالمي حاضر
وأكد دلياني أن الصوت المسيحي العالمي حاضر ويتصاعد من بطريرك القدس، ثيوفيلوس الثالث، إلى الكرسي الرسولي إلى مجالس الكنائس وشبكات الإغاثة، لكنه يحتاج إلى دعم دبلوماسي رسمي لتحويل زخمه إلى أدوات ضغط ملموسة، لتحويل النداءات الأخلاقية إلى مطالب تنفيذية بفرض حماية ميدانية وتأمين ممرات إنسانية دائمة.
وكذلك التسريع في تفعيل آليات المساءلة الدولية لجرائم الإبادة، إضافة إلى مواصلة المقاطعة الكنسية للموردين المتورطين في التعامل مع الاحتلال وتنميتها.
داعيا لإقامة آلية مراقبة كنسية–أممية مشتركة لتوثيق أضرار المواقع الدينية وتحديث قوائم الحماية لدى اليونسكو.