اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ١ تشرين الأول ٢٠٢٥
الكاتب:
د. نزيه خطاطبة
خطة ترامب التي كشفت الإدارة الأميركية، مساء الإثنين عن أبرز بنودها لوقف الحرب في قطاع والإفراج عن المخطوفين وتهيئة الأرضية لإعادة الإعمار, خطيرة وغامضة وتستهدف الكل الفلسطينيصاغ بنودها الرئيسية المجرم توني بلير وكوشنر بالتوافق مع نتنياهو , وبالتالي فهي اتفاق امريكي إسرائيلي, تهدف في جوهرها لإنقاذ إسرائيل ,وفرض استسلام على المقاومة ونزع سلاحها , ومواجهة الحراك الدولي المتعاظم للاعتراف بفسلين وحق الفلسطينين في دولة قابلة للحياة والعيش بكرامة ., وتفتح الباب لباقي الدول العربية والإسلامية للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي الفاشي.
الخطة، التي تتألف من 20 بنداً، دعت إلى تحويل غزة إلى «منطقة منزوعة السلاح وخالية من التهديدات»، في مقابل خطة إعادة إعمار شاملة، على أن يتوقف القتال وينسحب جيش الاحتلال الإسرائيلي تدريجياً وفق ترتيبات «تستكمل لاحقا .
وبحسب بيان البيت الأبيض، فإن الخطة تنص على الإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين خلال 72 ساعة من إعلان الاحتلال موافقته، على أن تطلق إسرائيل بعد ذلك سراح 250 أسيراً محكوماً بالمؤبد، و1.700 معتقل آخر من القطاع، بينهم نساء وأطفال.
كما تنص على إعادة جثامين الفلسطينيين مقابل جثث الجنود الإسرائيليين، بحيث إنّ كل 15 رفات فلسطيني مقابل 1 إسرائيلي.
تمنح الخطة عفواً لعناصر حركة حماس الذين وصفتهم «الملتزمين بالتعايش والمتخلّين عن السلاح»، وتتيح لمن يرغب منهم بمغادرة غزة مغادرتها عبر ممرات آمنة إلى دول «مستعدة لاستقبالهم».
كما تنص على إدخال مساعدات إنسانية فورية تشمل المياه والكهرباء والبنى التحتية، بإشراف الأمم المتحدة والهلال الأحمر وهيئات دولية، مع إعادة فتح معبر رفح بالآلية نفسها المعتمدة سابقاً.
كذلك تنص الخطة على تشكيل لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية لإدارة غزة، تحت إشراف هيئة دولية جديدة تُسمى «مجلس السلام»، يترأسه ترامب ويضم شخصيات دولية مثل توني بلير. وترافق ذلك خطة اقتصادية يقودها فريق «مدن المعجزة» بهدف جذب الاستثمارات وخلق فرص عمل.
ولفتت الخطة إلى إقامة «منطقة اقتصادية خاصة» في غزة، مع إعفاءات جمركية وترتيبات وصول تفضيلية، بشرط تدمير كامل البنى التحتية العسكرية للمقاومة، في سياق «عملية نزع السلاح تحت إشراف دولي».
كما تدعو الخطة إلى نشر «قوة استقرار دولية مؤقتة» بمشاركة الولايات المتحدة ودول عربية مثل مصر والأردن، إلى جانب الشرطة الفلسطينية، لتأمين الحدود وإدارة الوضع الأمني.
وتؤكد واشنطن، ضمن الخطة، أن «إسرائيل لن تضم غزة ولن تحتلها»، على أن يتم الانسحاب الإسرائيلي التدريجي وفق التقدم في نزع السلاح.
وتتضمن البنود أيضاً إطلاق حوار ديني لتعزيز «التسامح والتعايش»، إلى جانب آلية حوار سياسي دائم بين الاحتلال والفلسطينيين لتحديد «أفق سياسي قائم على التعايش والازدهار المشترك».
يحلو للبعض, الذين ايدوا الخطة, على وصفها انقلاب في مواقف الرئيس دونالد ترامب حيال غزة والضفة وسبل التهدئة والحل، ويعيدون الفضل بذلك إلى لقائه قادة ثماني دول عربية وإسلامية، يمثلون من الناحية الديموغرافية، نصف العالمين العربي والإسلامي والأكثر تأثيرا سياسيا واقتصاديا, الا انه لا يمكن التقليل من الأسباب الأخرى التي يمكن أن تكون تضافرت لجعل هذا التحوّل في الموقف الأميركي أمراً ممكنا، خاصة, تحولات الرأي العام العالمي، ومن ضمنه الأميركي، الحراك العالمي للاعتراف بدولة فلسطين, والعزلة الدولية التي بدات تفرضها شعوب العالم على الاسرائيلين , واقتراح العديد من دول العالم ومن ضمنهم حلفاء أوروبيين تقليدين لإسرائيل بفرض عقوبات عليها , ما دفع ترامب وبعض العقلاء الحريصون على بقاء إسرائيل للمسارعة في انقاذها من خلال وقف الحرب وتحقيق أهدافها , التي عجز المجرم نتنياهو تحقيقها عبر القوة والقتل والتدمير, لتحقيقها عبر العمل الدبلوماسي .
ترامب وبعد لقاءه بالمجرم نتنياهو, لم يطرح الخطة على الطرف الاخر في الصراع وهي المقاومة الفلسطينية للنقاش, وانما للتنفيذ الفوري مرفقة بتهديدات مباشرة في حالة رفضها بالسماح لإسرائيل ان تفعل ما يحلوا لها, وكانه لم يكن يسمح بذلك قبل طرح خطته.
مسارعة الدول العربية والإسلامية وحتى السلطة الفلسطينية اعلان تأييدها للخطة, يضعف موقف حركة حماس والمقاومة الفلسطينية لتعديل بعض بنودها وايضاحها , ويجعلها في مواجهة العالم مسؤولة عن مواصلة الاحتلال الفاشي لحرب الإبادة في غزة. وقد يقول اخر ان موافقة الدول العربية والإسلامية ومنها دول تصنف على انها أصدقاء لحماس وخاصة تركيا وقطر, يعطي شرعية ومبرر لموافقة حماس بدعوى انها لا تستطيع رفض ما يوافق عليه العرب.
ثمة مسار جديد انطلق، لا ندري أين سينتهي، وكيف سيتبلور، ومدى جديته, ولكننا لا نثق بترامب والإدارة الامريكية وتعهداتها وضماناتها, فهي شريك الى جانب الفاشية الإسرائيلية في إبادة الفلسطينيين والسيطرة على المنطقة, ولم يسبق ان الزمت إسرائيل باي اتفاق جرى التوصل اليه بضمانتها بدءا من حماية الفلسطينيين في بيروت بعد خرود عرفات والمسلحين الفلسطينيين في العام 1982, ولا باتعداتها لتتنفيذ اتفاق أوسلو, ولا في لبنان وغيرهما الكثير, فهي تنحني للعاصفة الدولية المتعاطفة مع الفلسطينيين , ومن ثم تطلق العنان للفاشية الإسرائيلية للمماطلة وتحقيق أهدافها بضم الضفة الغربية وغزة ودفع الفلسطينيين للهجرة وتحويل الامر الى واقع لا يمكن تغييره.
تحاول الولايات المتحدة، عبر خطّة ترامب الأخيرة، وضع الفصائل الفلسطينية والشعب الفلسطيني في مواجهة الدول العربيّة والإسلاميّة بدلًا من أن مواجهة الاحتلال الفاشي . فالحديث عن «مجلس سلام» تقوده واشنطن ومجرم الحرب بلير، وعن ترتيبات إدارة انتقالية وقوّة استقرار تُنشر فورا في غزّة، وعن دور ملزمٍ للشركاء الإقليميّين لضمان امتثال فصائل غزّة والا تعود غزّة مصدر تهديد, كلّها خطوات تدفع نحو تدويل السيطرة الأمنيّة ووضعِ النظام العربي الرسمي, المتوافق اصلا مع ترامب ونتياهو لانهاء المقاومة في المنطقة, في مواجهة الفلسطينيّين وفصائلهم على اختلافها.
لا تقتصر خطورة ما طرحه ترامب على مستقبل فصائل المقاومة الفلسطينيّة وحسب، بل تتخطّاه إلى مستقبل السلطة في رام الله، ودول المنطقة ،وتمهد لضم ما تبقى من دول العالم العربي والإسلامي في عصرِ الرؤية التلموديّة «الأبراهاميّة».
فما ورد حول تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية , في خطة ترامب ومن قبل العديد من الدول الأوروبية التي اعترفت بفلسطين من اشتراطات باستبعاد المقاومة من أي دور مستقبلي , وإصلاح السلطة وعدم ضم أي شخص لا يلتزم باوسلو ( الذي انهته إسرائيل أصلا من زمان) تعتبر شروط خطيرة وغامضة وتسمح للاحتلال وامريكا بتشكيل هذه السلطة على مزاجها من خلال السماح لعناصر تابعة لها بتبؤ المناصب العليا فيها وادارتها وبالتالي تحويلها الى مجرد أداة لادارة شؤون من سيتبقى من الفلسطينيين على ارضهم المقطعة الاوصال ومقفلة ببوابات حديدية, تفصل بين تجمعاتها السكانية مستوطنات وطرق للمستوطنين.
خطة ترامب لا تنص على إقامة دولة فلسطينية تشمل الضفة والقطاع , وانما وصاية دولية على الفلسطينيين عبر «مجلس سلام» برئاسة ترامب و»رئيس الوزراء» المجرم توني بليرغير محدد بمدة.
بالرغم وجود نقاط قد تبدو إيجابية مثل وقف إطلاق النار، وانسحاب الاحتلال، وتدفق المساعدات إلى القطاع، وتبادل الأسرى، وفشل مشروع التهجير , إلا أن الخطورة تكمن في غموض حدود الانسحاب بلا سقف زمني, ما يسمح للاحتلال الفاشي بالمماطلة كما يجري في لبنان، بما يعني بقاء السيطرة الأمنية الإسرائيلية إلى إشعار آخر , وفي رسم مستقبل لغزة منفصل عن الضفة، بما يقوّض أسس الدولة الفلسطينية والحراك الدولي للاعتراف بها, كما ان قضية التهجير قد تنفذ لاحقا من خلال المجلس الذي سيشرف عليه توني بلير وترامب شخصيا من خلال المماطلة في تنفيذ إعادة الاعمار وتسهيل حياة الناس ما سيدفع بالكثير للرغبة في الهجرة.
الرد الفلسطيني على الخطة يجب أن يكون جماعيا لأنها تستهدف الشعب الفلسطيني بأسره ، غير أن المعضلة تبقى قائمة في كل الخيارات: سواء بالقبول أو الرفض. ويبقى هناك خيار ثالث يتمثل في القبول المشروط والمطالبة بتعديلها.