اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة شمس نيوز
نشر بتاريخ: ٢١ تموز ٢٠٢٥
ليست المرة الأولى التي لا يخرج فيها المقاومون إلى الضوء إلا كشهداء. ومثل رفاقه من لبنان وسوريا وفلسطين واليمن والعراق وإيران نفسها، انسحب «الحاج رمضان» من المشهد، ولكنه أيضاً انسحب شهيداً. وكما كان يعمل، فهو قُتل أيضاً على طريق القدس.
لم يكن الحاج رمضان، شخصية عادية في تاريخ حركات المقاومة الإسلامية والوطنية خلال العقود الثلاثة الماضية. قد يكون واحداً من قلة، انخرطوا في كل موجبات هذا العمل، وعاشوا سنوات طويلة جداً بعيداً من الأضواء، ناشطين في توفير كل ما يمكن توفيره لسد حاجات المقاومين.
وهو تولى مسؤولية محددة، في إدارة برنامج الدعم والرعاية للمقاومة في فلسطين. وعندما قاد هذا العمل، لم يكن يحتاج إلى دليل يقوده إلى القدس وفلسطين، بل كل ما كان يحتاجه هو فتح الطرق أمام التواصل مع أهل الأرض هناك.
وقد يكون الحاج رمضان واحداً من قلة قليلة، عملت دون تأثر بكل الانقسامات التي قامت بفعل أخطاء أو بفعل جهود الأعداء، وهو نجح خلال العشرين سنة الماضية، في عزل برنامج العمل على ملف فلسطين عن كل التداعيات الكارثية للحروب الناجمة عن الغزو الأميركي للعراق، أو الفتنة الكبرى في سوريا، وحتى عن تداعيات كوارث الغرب وعرب الخليج في شمال أفريقيا.
وسيخرج من فلسطين نفسها من يروي للناس بعضاً مما قام به هذا الرجل، الذي عاش سنواته الأخيرة وأشهره الأخيرة في ضيق نفسي، بعد خسارات كبيرة نالت من رفاق دربه، من قيادات الحرس الثوري وحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي والمقاومة العراقية، وصولاً إلى رفاق السلاح الذين سبقوه عند بدء العدوان الإسرائيلي – الأميركي على إيران.
وُلد محمد سعيد إيزدي، أو «الحاج رمضان»، عام 1964 في قرية سنقر في محافظة كرمنشاه غرب إيران، لعائلة ميسورة ومتديّنة معروفة بالتزامها الديني والاجتماعي. التحق باكراً في صفوف الحرس الثوري بعد انتصار الثورة الإسلامية عام 1979. وكان من أوائل الملتحقين بجبهات القتال خلال الحرب مع العراق.
خدم في سلاح المدفعية، وشارك في جبهات القتال حتى عام 1984، عندما انتقل إلى لبنان ضمن مجموعات الحرس الثوري التي جاءت بعد اجتياح العدو عام 1982، حيث تولّى مسؤولية «مقرّ الحرس» في مدينة الهرمل حتى عام 1985، ثم انتقل بعد إنشاء «مكتب فلسطين» إلى الانخراط الكامل في الملف الفلسطيني، لتبدأ رحلته الطويلة مع القضية الفلسطينية.
شهد الحاج رمضان البدايات الأولى للقاءات بين الحرس الثوري وفصائل المقاومة الفلسطينية، وكان شاهداً على تأسيس حركتَي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، ومشاركاً في افتتاح أول مكاتب لهما في سوريا. غير أن المنعطف المفصلي في حياته، كان في 17 كانون الأول 1992، عندما أُبعد نحو 415 مقاوماً فلسطينياً إلى منطقة مرج الزهور في جنوب لبنان.
حيث أمضى الحاج رمضان 13 شهراً مع المُبعدين، متحمّلاً مسؤولية تأمين احتياجاتهم في ظلّ تخلي كل المؤسسات والجهات العربية والدولية عنهم. وخلال تلك الفترة، بنى علاقات وطيدة مع أبرز قيادات المقاومة الفلسطينية الذين عادوا لاحقاً إلى الداخل الفلسطيني لقيادة العمل المقاوم.
في عام 1995، عاد الحاج رمضان إلى إيران لمتابعة ملف فلسطين من ضمن «قوة القدس»، وذلك بطلب من الشهيد عماد مغنية، وبموافقة قائد «قوة القدس» الشهيد قاسم سليماني.
وبعد سنة، تسلّم الحاج رمضان رسمياً مسؤولية الملف الفلسطيني في «قوة القدس»، ليبدأ فصلٌ جديدٌ من العمل الذي استمرّ بعد استشهاد مغنية.
وتميّزت علاقة الحاج رمضان بالحاج عماد ببعد أخوي فريد، انعكس في الأداء الميداني والدعم الواسع لفصائل المقاومة. وكان الثلاثي: رمضان، سليماني، ومغنية، يشكّل نواة العمل المقاوم من خلف الكواليس، واضعاً هدفاً مركزياً: «تعزيز قدرات المقاومة في فلسطين وتطويرها».
ثم جاء استشهاد مغنية، ويومها كان الحاج رمضان مجتمعاً به وكان سيغادر معه، ولكنّ اتصالاً هاتفياً أخّر نزول الحاج رمضان، ليحصل الانفجار، وكان رمضان أول من وصل إليه، وكان من الممكن - وربّما من المخطّط له - أن يُستشهد معه في تلك الليلة.
امتدّ تأثير الحاج رمضان إلى كل تفاصيل الشأن الفلسطيني. من الانتفاضة الثانية، إلى حروب غزة، مروراً بانتفاضة السكاكين عام 2015، وتأسيس خلايا المقاومة وتسليح الضفة الغربية، ووصولاً إلى معركة «سيف القدس»، ثم «طوفان الأقصى» عام 2023.
وهو كان من أبرز الذين آمنوا بوحدة الصفّ بين الفصائل الفلسطينية، ورفض أي تصنيف على أساس أيديولوجي أو تنظيمي، وكرّس جهده لمتابعة أدق التفاصيل في كل المسارات: العسكرية، الأمنية، السياسية، الإعلامية والاجتماعية.
وتجاوز تأثير الحاج رمضان حدود الملف الفلسطيني، فهو يُعدّ من أبرز المنظّرين لمفهوم «وحدة الساحات» في «محور المقاومة»، وكان له دور محوري في دعم المقاومة في لبنان، كما امتدّت علاقاته إلى قادة المقاومة في اليمن والعراق، ما جعله هدفاً متكرراً لمحاولات اغتيال إسرائيلية منذ عام 2000.
ورغم كل هذه المسؤوليات والتاريخ الزاخر بالعطاءات والمساهمات، ظلّ الحاج رمضان يؤكد دائماً أنّ الفضل الأول والأخير يعود إلى المجاهدين في فلسطين، واضعاً نفسه «في خدمتهم»، ومشدّداً على أن ما تحقق هو «ثمرة تضحياتهم وإرادتهم». وفي توصيفه لمعركة «طوفان الأقصى»، قال إنها «معجزة لم تحقّقها أي مقاومة في التاريخ»، وإن صمود غزة يمثّل «كربلاء العصر الحديث».
المصدر: الأخبار اللبنانية