اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة شمس نيوز
نشر بتاريخ: ٢١ تشرين الأول ٢٠٢٥
بعد عامين من العدوان المتواصل على قطاع غزة، لم تسلم المستشفيات من القصف، لتتحول من ملاذٍ للمرضى إلى ركامٍ وصمتٍ يروي حجم المأساة. ومن بين أكثر الفئات تضررًا، مرضى السرطان الذين فقدوا أماكن علاجهم وأدويتهم المنقذة للحياة. وفي ظل استمرار الحصار وتدهور الأوضاع الصحية، بات الحصول على جرعة علاج واحدة حلمًا بعيد المنال.
من قلب الحرب: 'أعيش بين وجعين. وجع المرض ووجع الحرب'
في غرفة صغيرة داخل مدرسة تؤوي مئات النازحين شرق مدينة غزة، جلس 'أبو احمد ' (52 عامًا) على كرسي بلاستيكي قديم، يضم ملفًا طبيًا مهترئًا وعلبة دواء فارغة. وجهه الشاحب وصوته المتعب يحكيان قصة رجل يعيش حربين في آنٍ واحد: حربًا ضد السرطان، وحربًا ضد الحصار والقصف.
قال أبو احمد عن معاناته بمرض السرطان 'أُصبت بسرطان القولون منذ ثلاث سنوات، وكنت أتلقى العلاج في مستشفى الشفاء بشكل منتظم. كنت أذهب كل أسبوع لأخذ الجرعة، لكن منذ بداية الحرب توقف كل شيء. المستشفى دُمّر، والدواء اختفى، والطبيب الذي كان يتابع حالتي نزح إلى مكان آخر'
'المرض لا ينتظر. كل يوم أشعر أن جسدي يضعف أكثر، لكن لا أستطيع فعل شيء. حتى المسكنات البسيطة غير متوفرة، وأحيانًا أتحمل الألم حتى يغلبني النوم من شدة التعب'
عن إمكانية تلقي العلاج خارج القطاع، هزّ رأسه بأسى:
'قدمت طلب تحويلة للعلاج في الخارج، لكن المعابر مغلقة، ولا يوجد رد. سمعت أن كثيرًا من المرضى ماتوا وهم ينتظرون الموافقة. نحن لا نطلب المستحيل، فقط نريد الحق في الحياة.'*
وبكلمات حسرة والم الحرب تسرق ما تبقى من صبر
يتحدث أبو احمد عن أيام القصف قائلاً:
'أكثر ما يؤلمني ليس الخوف من الموت بالقصف، بل أن أموت من المرض دون علاج. أحيانًا أسمع صوت الانفجارات وأفكر: ربما لو انتهت الحرب سأعيش لأكمل علاجي... لكن الحرب لا تنتهي، والمرض لا يرحم.'*
في أثناء حديثه، تقاطعه زوجته التي كانت تجلس قربه، تمسح دموعها وتقول:
نعيش كل يوم على أمل أن يدخل الدواء أو يفتح المعبر. ابني الصغير يسألني: بابا ليش ما يروح يتعالج؟ وماذا أقول له؟
قبل أن تنتهي المقابلة، يوجه أبو احمد رسالة قصيرة للعالم
لا أريد التعاطف، أريد علاجًا. أريد أن أعيش مثل أي إنسان. الحرب سرقت منا كل شيء، لكن لا تسمحوا لها أن تسرق حياتنا أيضًا
صمته الأخير كان أبلغ من كل الكلمات. رجلٌ يواجه الموت بصبرٍ نادر، ويمتلك شجاعة البقاء رغم أن الحياة حوله تنهار.
في غزة، حتى المرض أصبح ساحة من ساحات الحرب، والحق في العلاج بات معركة جديدة يخوضها المرضى بلا سلاح
وكانت هناك أقسام الأورام في مستشفيات القطاع، مثل مستشفى الشفاء والرنتيسي للأطفال، تشكل الأمل الأخير لمئات المرضى. اليوم، ومع تدمير هذه الأقسام بالكامل، يعيش المرضى وذووهم حالة من اليأس والخوف، فالعلاجات الكيميائية والمناعية غير متوفرة، والمعدات الطبية خرجت عن الخدمة
بين الألم والأمل، ينتظر المرضى بصيص حياة قد يأتي عبر تدخل عاجل من المنظمات الدولية لإنقاذهم قبل فوات الأوان، في مشهد يعكس واحدة من أبشع صور الكارثة الإنسانية التي يعيشها القطاع منذ بدء الحرب.
منذ أن طال القصف الإسرائيلي المستشفيات في قطاع غزة، لم يعد لمرضى السرطان ملاذ آمن أو أمل قريب في العلاج. فالأقسام التي كانت تضج بالحياة والرجاء تحولت إلى أنقاض، والأدوية التي كانت تنقذ الأرواح أصبحت حلماً بعيد المنال.
في أروقة موجعة داخل مراكز إيواء مؤقته أو مبانٍ متهالكة، تحولت إلى نقاط إسعاف بسيطة، حيث يرقد المرضى على أسرّة متهالكة، يواجهون الألم
بلا دواء ولا أمل رغم ان المرضى ينتظرون جرعة دواء قد لا تصل أبداً.
حيث قال أمجد خالد (45 عاماً) وهو أحد المرضى الذين توقفت جرعات علاجهم
وكنت أذهب أسبوعياً إلى مستشفى الرنتيسي لتلقي العلاج، الآن لا يوجد دواء، ولا مستشفى، ولا حتى طبيب يستطيع متابعتي واشعر أن الوقت ينفد.'
أما أم محمد مطيع وهي أم لطفلة صغيرة مصابة بالسرطان، فتروي بحزن عميق
وبصوت يختنق بالبكاء 'ابنتي كانت تتحسن بالعلاج، لكن بعد تدمير المستشفى توقفت الجرعات، واليوم حالتها تزداد سوءاً يوماً بعد يوم لا أستطيع أن أراها تتألم ولا أملك شيئاً أقدمه لها
اليوم، يقف هؤلاء المرضى على حافة الحياة، يناشدون العالم بصوت مبحوح أن ينقذهم قبل فوات الأوان، بينما تواصل الحرب سرقة حقهم في الحياة والعلاج، في مشهد يجسد واحدة من أبشع صور المعاناة الإنسانية في غزة.
بعد تدمير أقسام الأورام وفقدان الأدوية. مئات المرضى يواجهون الموت البطيء في صمت
في ظل الحرب المدمرة التي تعصف بقطاع غزة، لم تسلم المستشفيات من نيران القصف، لتتحول من مراكز للعلاج والرحمة إلى أطلالٍ تروي مأساة إنسانية عميقة. ومع تدمير أقسام الأورام في مستشفيات كبرى مثل مستشفى الشفاء والرنتيسي للأطفال، وجد مئات مرضى السرطان أنفسهم بلا دواء ولا مكان لتلقي العلاج.
الأطباء بدورهم يقفون عاجزين أمام واقعٍ صحيٍّ منهار. يقول أحد الأطباء العاملين في القطاع الصحي
'كل يوم أنتظر جرعتي التي لا تصل مريضة سرطان من غزة تروي معاناتها وسط الحرب
هكذا بدأت أم ياسمين حديثها وهي تفتح ملفها الطبي بعناية كأنها تمسك بذكريات حياتها
'أصبت بسرطان الثدي قبل عامين، وكنت أتعالج في مستشفى الرنتيسي. كنت أذهب كل أسبوع لأخذ الجرعة وأعود لأطفالي مبتسمة رغم التعب. لكن منذ بداية الحرب لم أتناول أي جرعة. الأطباء رحلوا، والمستشفى دُمّر، والدواء اختفى
وكل يوم أنتظر أن يفتح المعبر أو تصل دفعة أدوية جديدة، لكن الانتظار أصبح مؤلمًا أكثر من المرض نفسه
تقول الأم وهي تنظر إلي ابنتها ياسمين بعين دامعة حسرة 'أخاف أن أرحل وتبقى ابنتي وحدها. أحيانًا أحاول أن أبدو قوية أمامها، لكني أضعف كل يوم. لم يعد في جسدي طاقة، ولا في قلبي صبر
'حتى المسكنات البسيطة غير متوفرة، أحيانًا أتحمل الألم حتى الصباح. الحرب سرقت منا كل شيء، حتى الدواء الذي كان يمنحنا الحياة.'*
مع تزايد الغارات وانقطاع الكهرباء، أصبحت ظروف العلاج شبه مستحيلة. تقول أم ياسمين:
في كل مرة أسمع صوت الطائرات، أضع يدي على صدري وأخاف أن تكون النهاية لا أعرف إن كنت سأموت من القصف أم من المرض
وختاما قالت ام ياسمين 'نحن لا نريد كلمات تضامن، نريد الدواء فقط. نريد أن نعيش، أن نرى أبناءنا يكبرون. الحرب قتلت فينا الأمل، فلا تتركونا نموت ببطء
تسكت لحظة، ثم تهمس وكأنها تخاطب نفسها ربما تصل الجرعة غدًا
لكن في غزة، الغد دائمًا مؤجل، والدواء محاصر، والمرضى يعيشون بين الخوف والأمل، بانتظار معجزة تنقذهم من الموت البطيء.
في ظل هذا الواقع القاسي، يواصل المرضى وذووهم مناشدة المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية للتدخل العاجل وتوفير العلاج المنقذ للحياة، قبل أن يتحول الألم إلى حكم بالموت على مئات الأبرياء.
مشهد غزة اليوم لا يحتاج إلى مزيد من الأرقام، بل إلى ضميرٍ إنسانيٍّ يتحرك لإنقاذ حياةٍ تُزهق بصمت خلف جدران الحصار والدمار