اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة شهاب للأنباء
نشر بتاريخ: ١٧ حزيران ٢٠٢٥
خاص _ شهاب
في ظل حرب إبادة متواصلة، وقطاعٍ محاصرٍ، يضيق الخناق يومًا بعد يوم على أكثر من مليوني فلسطيني، لا تأتي المساعدات كترف، هي أمل للبقاء على قيد الحياة، ومع تآكل الأمل وغياب العدالة، فُوجئ الفلسطينيون في غزة بإعلان الولايات المتحدة إنشاء ما سُمِّي بـ'مؤسسة غزة الإنسانية' كمبادرة لتوزيع المساعدات على السكان، في خطوة وصفها البعض بـ'التاريخية'، ويراها الغالبية في القطاع بأنها مشبوهة، بل مُهينة.
الخطوة الأمريكية، التي تم تسويقها إعلاميًا كتحرك 'إنساني محايد'، جاءت خارج الأطر الدولية المعروفة، متجاوزة مؤسسات تاريخية عُرفت بدورها في إغاثة اللاجئين الفلسطينيين، مثل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين 'أونروا'، وبرنامج الغذاء العالمي، وبدلًا من دعم هذه المؤسسات القائمة، قررت واشنطن تأسيس كيان بديل، برعاية مباشرة، وبهوية جديدة، تحمل اسم 'مؤسسة غزة الإنسانية'، لكن بمضمون سياسي صارخ.
'لا نأكل من يدٍ قتلتنا'
في الأحياء المدمرة، والمخيمات التي تعج بالنازحين، لم يُقابل الإعلان الأمريكي بالترحيب، بل بالارتياب، فالغزيون الذين عانوا من القصف والتجويع والتهجير على مدى أشهر طويلة، لم ينسوا أن الطائرات التي مزّقت أجساد أطفالهم، كانت مدعومة من ذات اليد التي تمدّهم الآن بالفتات.
أسماء الزعانين، أمّ نازحة من بيت حانون، تسكن خيمة في غرب مدينة غزة، عبّرت عن رفضها الصريح قائلة خلال حديثها لوكالة 'شهاب': 'هل يُعقل أن اليد التي تموّل القنابل، تتحول فجأة إلى يد رحمة تطعم أطفالي؟ هذه إهانة لدماء أولادي، نحن لا نطلب طعامًا سياسيًا، نطلب كرامة وحرية'.
أما محمد مقداد، الطالب الجامعي من مخيم جباليا، فاعتبر المؤسسة الجديدة محاولة لتبييض وجه أمريكا، وقال لـ'شهاب': 'منذ شهور نموت جوعًا وتحت القصف، والولايات المتحدة لم تكن يومًا بعيدة عن الجريمة، لا أثق بأي مبادرة تأتي من الجاني ذاته'.
الإغاثة المشروطة
المخاوف لا تتعلق فقط بالرمزية السياسية للمؤسسة الجديدة، بل بالآلية التي ستُدار بها، فبحسب محللين، فإن توزيع المساعدات لن يكون عشوائيًا أو إنسانيًا بحتًا، بل سيكون خاضعًا لتصنيفات أمنية معقّدة، تُميّز بين 'المدني الصالح' و'الخصم المفترض'، وفقًا لمعايير الاحتلال 'الإسرائيلي'.
المحلل السياسي أحمد غنيم يرى أن هذه المؤسسة ليست سوى أداة جديدة لإعادة هندسة المجتمع الفلسطيني في غزة، قائلًا: 'ما يجري ليس مبادرة إنسانية، بل مشروع لإعادة رسم خريطة الولاء والانتماء في القطاع، الهدف ليس فقط تقديم الغذاء، بل فرض الطاعة، وإخضاع الناس عبر الجوع'.
ويُحذّر غنيم خلال حديث خاص لوكالة 'شهاب'، من أن تتحول هذه المنظومة إلى وسيلة دائمة للابتزاز، حيث تُربط المساعدات بمدى خضوع الأفراد للمعايير التي تضعها إسرائيل، وليس بالاحتياج الإنساني الحقيقي.
ويضيف: 'هذه ليست مساعدة، إنها حصارٌ ناعم، واستعباد جديد مغلف بورق الهدايا'.
تمسك بالمؤسسات الأممية
رغم الضغوط، لا يزال صوت الناس في غزة واضحًا: لا بديل عن المؤسسات الأممية المحايدة، فالأونروا وبرنامج الغذاء العالمي، رغم كل الانتقادات، حافظا على مسافة واضحة من التوظيف السياسي، وحملا عبء الإغاثة لعقود، أما المؤسسة الأمريكية الجديدة، فترمز في نظر الفلسطينيين إلى بداية مرحلة جديدة من التلاعب بالقضية، تبدأ بالإغاثة، ولا يُعرف أين تنتهي.
الحاجة شادية البيبه، التي فقدت منزلها وحفيدها خلال القصف، اختصرت الموقف بكلمات موجعة: 'منذ طفولتي وأمريكا ضدنا، والآن تريد أن تُطعمنا؟ بعد أن استشهد حفيدي بقنبلة أمريكية؟ لا والله، لا أقبل طعامًا ملوثًا بالدم'.
وأوضحت البيبه خلال حديثها لوكالة 'شهاب'، أن الاحتلال يحاول أن يحارب أهل غزة بطعامهم من خلال هذه المؤسسة، مؤكدة أن المؤسسة الأمريكية تساعدها بهذه الخطة وتوفر لها كافة المتطلبات.
وأشارت إلى أن المؤسسات الأممية كانت تؤدي الغرض كافة في قطاع غزة وتقوم بإيصال المساعدات لكافة المواطنين، مضيفة أن المجاعة تتواصل والأمريكان لم يفعلوا أي شيء من خلال مؤسساتهم المشبوهة 'حسب وصفها'.
المساعدات لا تُنقذ شعبًا يُقصف كل يوم، والغذاء لا يشفع لمن يموّل آلة الحرب، يرى كثير من أبناء غزة أن الأولوية ليست لبناء مؤسسات جديدة، بل لوقف القتل، ورفع الحصار، وإعادة تمويل المؤسسات التي وُلدت لحماية اللاجئين لا السيطرة عليهم.