اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة الأنباء
نشر بتاريخ: ٥ كانون الأول ٢٠٢٥
بيروت ـ داود رمال
على رغم استحداث آلية تفاوض مطورة بين لبنان وإسرائيل عبر لجنة مراقبة وقف اطلاق النار (الميكانيزم) وضم شخصية مدنية إلى رئاسة الوفد اللبناني للمرة الأولى، جاءت الساعات التي تلت اجتماع الناقورة لتكشف المسار الحقيقي الذي تريده تل أبيب وهو تفاوض «تحت النار»، ورسائل عسكرية لا تترك أي مساحة لالتباس النيات أو رهان على تهدئة مستدامة. فبعد أقل من يوم واحد على الجلسة الأولى التي ترأس فيها السفير سيمون كرم الوفد اللبناني، شنت إسرائيل غارات جوية على منازل في الجنوب، أحدها شمال الليطاني، بعد سلسلة من إنذارات الإخلاء، في خطوة بدت وكأنها رد مباشر على مقاربة لبنانية جديدة تحاول وضع الملف ضمن مسار سياسي وديبلوماسي متكامل.
وأوضح مصدر ديبلوماسي في بيروت لـ «الأنباء» إن التصعيد الإسرائيلي «بدا ردا مباشرا على المعلومات التي تسربت عن طبيعة المهمات التي تحملها الجلسة الأولى، والتي تطرقت إلى ملفات حساسة تشمل وقف الأعمال العدائية، واستعادة الأسرى، والانسحاب من الأراضي المحتلة، وتصحيح النقاط على الخط الأزرق».
وأضاف المصدر «إدخال شخصية مدنية لرئاسة الوفد شكل إشارة إلى توسيع إطار النقاش من المستوى التقني البحت إلى النقاش السياسي الواسع، وهذا ما تعاملت معه تل أبيب باعتباره محاولة لإعادة صياغة منهج التهدئة بطريقة قد تفضي إلى نتائج تقيد قدرتها على الاستمرار في سياسة الضغط العسكري».
وأشار المصدر إلى أن «استعراض الرئيس اللبناني لهذه الخطوة داخل مجلس الوزراء، بوصفها ثمرة مشاورات رئاسية هدفت إلى تعزيز المسار الديبلوماسي، حمل رسائل واضحة عن نية بيروت إظهار جدية في فتح نافذة تفاوضية فعلية، حتى وإن كانت الجلسة الأولى غير منتجة بشكل مباشر. هذا التوجه اللبناني ترافق مع خطوات ميدانية تتصل بتنفيذ قرار حصرية السلاح، بينها التقرير الشهري لقائد الجيش وما تبعه من معلومات عن مصادرة صواريخ في جنوب الليطاني بمؤازرة اليونيفيل، وهذا ما رأت فيه إسرائيل محاولة لبنانية لإثبات امتثال أوسع للقرار 1701 ولإزالة الذرائع الأمنية».
وقال المصدر «هذه التطورات عززت الانقسام داخل إسرائيل بين خطابين، الأول يتعاطى مع تعيين رئيس مدني للوفد اللبناني بوصفه فرصة لاختبار النيات. والثاني، وهو الغالب، يرفض الاعتراف بأي تأثير للمسار السياسي على المسار العسكري، والتحذيرات التي أصدرها الجيش الإسرائيلي لسكان قرى جنوب وشمال الليطاني، وما تبعها من غارات استهدفت منازل ومناطق سكنية بزعم أنها تضم بنى عسكرية، تعكس بوضوح رغبة تل أبيب في فرض نمط تفاوضي محكوم بقواعد ضغط شديدة لا تسمح بخفض منسوب التوتر».
وتابع المصدر «أن إسرائيل من خلال هذه الرسائل، تتعامل مع «الميكانيزم» على أنها قناة تقنية لإدارة النزاع لا منصة لتغيير مساره.
فاستمرار التحليق المكثف للمسيرات فوق بيروت، وتوجيه إنذارات جديدة في الجنوب بالتوازي مع الحديث عن أجواء إيجابية، يؤكد أن إسرائيل تريد تثبيت الواقع الميداني كما هو، ومنع أي ترجمة عملية للقاءات الناقورة على مستوى التهدئة أو تثبيت وقف النار».
وخلص المصدر إلى القول «يسعى لبنان في المقابل لاختبار إمكانات المسار الديبلوماسي من خلال إعادة تشكيل الوفد وتوسيع دائرة النقاش. إلا أن هذا المسعى يصطدم بإصرار إسرائيلي واضح على الإبقاء على فصل حاد بين الطاولة والميدان، والجولات المقبلة من «الميكانيزم» ستكون محكومة بهذا الاشتباك بين لغة التفاوض ولغة القوة، في انتظار تطورات قد تفرض تغييرا في الحسابات أو تعيد ضبط قواعد الاشتباك على نحو أكثر استقرارا».











































































