إلى طلابنا وسواهم!

انني أوثر الأسلوب الإنشائي على الأسلوب التقريري، والخواطر على الأبحاث... على الرغم من تدريسي في المعهد العالي للدكتوراه وإشرافي على الرسائل والاطروحات.

للرسالة أو الاطروحة الناجحة دعائم أهمها:

أولاً - القراءة الواسعة، فطالب الدراسات العليا أو الدكتوراه عليه ألا يدخّر وسعاً في القراءة، ويجب أن يلمّ بكل ما كُتب عن موضوعه من أبحاث هامة. يحدّد نتائجه بناء على قراءته، ولا شك ان موقفه سيكون حرجاً لو واجهه الممتحنون بمعلومات فاتته ومن شأنها أن تحدث تغييرا في ما وصل إليه من نتائج، أو واجهوه بنتائج أروع من نتائجه توصّل إليها سواه.

ثانياً - الدقّة التامة في فهم آداء الآخرين، وفي نقل عباراتهم، فكثيرا ما يقع الطالب في أخطاء جسيمة بسبب سوء الفهم أو الخطأ في النقل.

ثالثاً - ألا يأخذ آراء سواه على انها حقيقة مسلَّم بها، فكثير من الآراء بُني على أساس غير سليم; فليدرس الطالب آراء غيره ودعائمها، فيقرّ منها ما يتضح له صحته، ويردّ ما لم يكن قويَّ الدعائم.

رابعاً - أن تتمخّض الرسالة عن ابتكار وإضافة جديدة إلى ما هو معروف من العلوم; فالباحث يبدأ من حيث انتهى غيره من الباحثين ليسير بالعلم خطوة أخرى، وليسهم في النهضات العلمية بنصيب، وليس الابتكار المنشود كشف الجديد فحسب، بل هناك أشياء أخرى يشملها الابتكار، كترتيب المادة المعروفة ترتيباً جديداً مفيداً، أو الاهتداء إلى أسباب جديدة لحقائق قديمة، أو تكوين موضوعي منظَّم من مادة متناثرة أو نحو ذلك.

خامساً - إذا بلغ الطالب مرحلة كتابة الرسالة، فليبذل جهده ليتجلّى قويّ التأثير في قارئه، وليورد له من الأدلّة ما يجعله يشاركه في ما يذهب إليه، وليدرك ان مهمته أولاً أن يجذب ذهن قارئه بما يقدِّم في الرسالة من مادة طريفة جديدة، فإذا تمَّ له اجتذابه فليدرك إذاً ان مهمته أن يحافظ على انتباه القارئ، بأن يقدّم له مادة واضحة متسلسلة مركّزة، إذ إنّ الجاذبية ستضعف إذا صادف القارئ استطراداً أو إبهاماً مما قد يشغل ذهنه عن تتبّع الفكرة الأساسية التي يعالجها الطالب.

وليعرف الطالب ان القائد الذي يقصد اقتحام حصن ما عليه أن يُعِدَّ جنده إعداداً تاماً، ثم عليه أن يبرع في إدارة المعركة وأن يواصل ضغطه الى أن يبلغ هدفه.

وكذلك الطالب إذا كوّن باطّلاعه رأيا، فليحشد له من المادة ما يكفي لإبانته، وليبرع في عرض هذه المادة بأسلوب جميل وبدقّة واتقان ووضوح، من غير استطراد أو إبهام. فليست مهمة الطالب المُتَجَسْتِر أو المُتَدَكتِر أن يكشف جديدا فقط، ولكن أن يصوغ ما كشفه في قالب جميل، فيه وضوح وإغراء وقوة وتأثير، فهذا لا ريب جزء متمِّم لعمله.

وأخيرا، أنّى لطلابنا أن يقوموا بأبحاثهم في ظلّ مآسينا المتداخلة؟ كيف تراهم يجيدون كتابة أبحاثهم حتى من الوجهة اللغوية ومعظم «مسؤوليه»، وسائر المعنيين مباشرة بالإعلام المختلف وما إليه، على عداء مع الفصحى. ينصبون المرفوع ولا يربطون جواب «أَمّا» بالفاء، وهلّم جرّا من الفضائح اليومية فضلاً عن الفضائح السياسية والمصرفية...؟

يا له من زمن عاهر!!

أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه