اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٩ تشرين الأول ٢٠٢٥
أكد رئيس مجلس الوزراء نواف سلام، أن لا اقتصاد ينمو او استثمار يأتي بلا أمنٍ وأمان.
كلام سلام جاء خلال الاحتفال الرسمي في مناسبة إعادة انطلاق أسواق بيروت. وقال: يسرّني أن أكون بينكم اليوم في هذا اللقاء الذي يتجاوز المناسبة التجارية إلى حدثٍ يحمل دلالاتٍ وطنيةً وثقافيةً عميقة. فإعادة الحياة الى أسواق بيروت ليست مجرّد عودةٍ إلى النشاط الاقتصادي، بل هي استعادةٌ لنبض العاصمة، ولروحها التي قاومت عبر العقود كلّ الصعاب... وانتصرت.
أضاف: لقد عرفت هذه الأسواق، كما وسط بيروت كلّه، الكثير من المحن. كانت ساحةً للحرب، ثم رمزًا لنهضة ما بعد الحرب، قبل أن تصيبها مجددًا الأزمات والتحديات التي مرّ بها لبنان. واليوم، حين نراها تنبض بالحياة مجددا، نقرأ فيها قدرة بيروت على النهوض، وعلى تحويل الصعاب إلى طاقةٍ للتجدّد.
وتابع: وسط بيروت ليس فقط قلب العاصمة، بل هو مرآة الوطن. فكلّما ازدهر عمرانًا وثقافةً واقتصادًا، ازدهر لبنان معه. وكلّما خفتت حركته، تراجع معه نبض البلاد.
وأكد: إن نهضة لبنان، كما نكرّر دائمًا، انما تستند في الأساس على حيويّة مجتمعنا المدني. فالقطاع الخاص، برغم الصعاب، قد أثبت على الدوام أنّ لديه من المبادرة والإرادة ما يجعلنا نؤمن بأن إحياء اقتصادنا ممكن، إذا ما وُجدت له بيئةٌ آمنةٌ ومستقرةٌ وعادلة... وهذا طبعاً دور الدولة وواجبها. وفي هذا السياق، نؤكد دعمنا الكامل لريادة الأعمال والمبادرات الفردية التي تتجلّى في هذه الأسواق، من خلال أصحاب المحال والمؤسسات، كلّها، صغُرت أم كبُرت، محلية كانت أم عالمية. فهؤلاء جميعًا يشكّلون النسيج الاقتصادي المتجدد الذي يعيد إلى بيروت نبضها وإشراقها.
واستدرك: لكن الحديث عن أسواق بيروت لا يكتمل من دون التوقف عند بُعدها العمراني والثقافي الذي يجعلها نموذجًا فريدًا في المنطقة. فهذه الأسواق لم تُبنَ على أرضٍ جديدة، بل على النسيج نفسه الذي احتضن تاريخ مدينتنا لآلاف السنين. وتحتها ترقد آثار فينيقية ورومانية وبيزنطية وعربية وعثمانية وفرنسية، جرى اكتشافها وحمايتها خلال أعمال إعادة الإعمار، لتُدمج في التصميم الحديث لا كمتحفٍ صامت، بل كجزءٍ حيّ من المشهد العمراني. ولقد أُعيد بناء الأسواق على شبكة الشوارع التاريخية ذاتها التي تعود إلى العصور الرومانية، وفق محوريها الرئيسيين شمالًا وجنوبًا، شرقًا وغربًا. ومن يسير اليوم في أروقتها، إنما يسير على خطى التاريخ نفسه، فوق طرقٍ كانت تعجّ قبل قرونٍ بالتجار والحرفيين، وبأصوات الحياة اليومية في ام الشرائع كما كانت قد لقبت مدينتنا في العصور القديمة، او لبيروت المحروسة كما عرفت في العهد العثماني.
أضاف: قد حُفظت هنا الأسماء الاصليّة للأسواق، لتبقى الذاكرة حاضرة في المكان: فها نحن نمرّ اليوم في سوق الطويلة، وسوق العطارين، وسوق الفرنج، وغيرها من الأسماء التي استعادت موقعها في قلب المدينة، رابطًة بين الماضي والحاضر، بين الجغرافيا والذاكرة، بين الإنسان والمكان. وهكذا عادت أسواق بيروت نموذجًا لتكامل الذاكرة مع النهضة، تجمع بين التجارة والثقافة، بين المدينة الجامعة والمواطنة الواحدة.
وشدد الرئيس سلام على أن ما يعيد الثقة بالمدن وبالحياة فيها هو شعور الناس بالأمن والأمان، وبوجود دولةٍ قادرةٍ على بسط سلطتها على كامل أراضيها، تحفظ القانون وتطبّقه على الجميع دون تمييز. فلا تجارة بلا أمنٍ وأمان، ولا سياحة بلا أمنٍ وأمان، والحقيقة ان لا اقتصاد ينمو او استثمار يأتي بلا أمنٍ وأمان، وبديهيّ ان لا استقرار بلا دولةٍ عادلةٍ قوية، تُعامل مواطنيها سواسية أمام القانون.
وأوضح أن العدالة، تتطلب ثقة المواطن بدولته، وشعوره بأن القانون يعلو ولا يعلى عليه، وانه ما يحميه ويصون حقوقهوحرياته. وما يبعث على الفرح اليوم ليس فقط عودة المتاجر والمقاهي، بل رؤية أهلنا الطيّبين يجتمعون هنا في اسواق المدينة ومساحاتها العامة التي هي روح المدينة وجوهر الحياة المدنية.
وتابع: إننا في بيروت، كما في سائر لبنان، بحاجةٍ ماسّة إلى أماكن تجمع الناس لا تفرّقهم، وتعيد للعيش المشترك كلّ معناه. وعودة الحياة الى أسواق مدينتنا، بكل ما تحمله من رمزية، تُعيد التأكيد على أنّ بيروت ليست فقط مدينةً من مساكن ومحلات وشوارع، بل من ناسٍ وذاكرةٍ وإرادة. وهي اليوم، من خلال هذا الحدث، تقول لنا مجدّدًا: مهما اشتدّت العواصف، ستبقى بيروت، عاصمتنا الابيّة مدينة الحياة، مدينة اللقاء، مدينة المستقبل.
وختم كلامه: في هذه المناسبة، أوجّه التحية لكل من ساهم في إعادة إطلاق أسواق بيروت وفي مقدمتهم القيّمين على بلدية عاصمتنا وعلى شركة سوليدير. بيروت التي تقف اليوم على قدميها بعد كل ما مرّ بها من محن وتحديات، هي بيروت التي نريد: مدينة الحرية، والابداع، والقانون. عاشت بيروت، وعاش لبنان.