اخبار لبنان
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢ حزيران ٢٠٢٥
يطمح إلى تنشيط السياحة البينية مع دول الجوار ويستعد لصيف استثنائي في أعقاب رفع حظر السفر إليه
يتوق لبنان إلى تكرار تجربة عام 2010 الاستثنائية عندما استقبلت البلاد 2.3 مليون سائح، مستعيدة شيئاً من بريقها بعد خمسة أعوام من الركود بفعل التوتر الأهلي الذي أحدثه اغتيال الرئيس رفيق الحريري في الـ 14 من فبراير (شباط) 2005.
ومع اندلاع الثورة السورية في مارس (آذار) 2011 عاد لبنان لقلب لعبة المحاور الإقليمية، وراحت 'سويسرا الشرق' تبتعد رويداً من عمقها العربي، وأدى تصاعد الأحداث إلى برود العلاقات مع محيطها وفرض حظر سفر إلى لبنان من دول عربية وخليجية عدة.
لكن شيئاً ما تبدل مع انتخاب جوزاف عون رئيساً جديداً للجمهورية اللبنانية وسقوط نظام البعث في سوريا، وتطمح البلاد إلى تفعيل 'السياحة البينية' وجذب مئات آلاف السياح العرب والخليجيين بعد أن أثمرت سياسة الانفتاح 'النيو-عونية' رفعاً لحظر السفر بالنسبة إلى مواطني الإمارات العربية المتحدة، ويُنتظر اتخاذ قرار مشابه من السعودية.
وفي النوستالجيا العربية يشكل لبنان أرضاً جاذبة للحياة، ويجتمع فيه جمال الطبيعة والثقافة المتنوعة وأنفاس الحرية والفن الممتع، وأسهم المناخ المعتدل عبر محيط يسيطر عليه الجفاف والحر في تحويله إلى 'مصيف العرب'، حيث امتلك الأثرياء المنازل في المناطق الجبلية وأسهمت الطبقة المتوسطة في تنشيط قطاع الفنادق.
وبعد مرور 15 عاماً يقع على عاتق لبنان كثير من المهمات التي يجب القيام بها، بدءاً من منح الشعور بالأمان، وهو ما حاولت السلطات إرساءه نسبياً من خلال نزع المظاهر الحزبية عن الطريق الممتد من مطار 'رفيق الحريري' الدولي إلى قلب العاصمة في 'الداون تاون'، حيث تتعايش العمارة الحديثة مع التقليد وتظللها روح التراث اليوناني والروماني والمسيحي والعربي والإسلامي، وقد ضجت وسائل التواصل باحتفال تقديم الورد والحلوى للزوار القادمين على متن 'طيران الإمارات' بعد رفع حظر السفر إلى لبنان.
صيف واعد
يعول قطاع السياحة في لبنان على 'صيف عام 2025' في بث الحياة عبر شرايين القطاع الفندقي والمطاعم وأنشطة تأجير السيارات والسهر وأشكال التداولات كافة والتي من شأنها إدخال النقد الأجنبي إلى لبنان، ويؤكد نقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر أن 'الأولوية لتثبيت وقف إطلاق النار وإشاعة الاستقرار ومنع تجدد الأعمال الحربية وحصر السلاح بيد الدولة من أجل إشاعة الأمان في البلاد'، جازماً أن 'القطاع السياحي أعد عدته وهو قادر على استقبال السياح بأعلى مستوى من الخدمة كما كان دائماً'، ومرحباً بعودة السياح الخليجيين لأنهم 'يشكلون العامود الفقري للسياحة في لبنان، مما سيجعله أمام أفضل عام منذ أكثر من عقد، لأن هناك نية لمساعدة لبنان في تجاوز أزماته'.
ويشدد الأشقر على أهمية السياحة البينية، وسيسهم القرار السعودي الموعود في قفزة مهمة بهذا الاتجاه، مضيفاً أن 'السياحة بين الدول المتقاربة جغرافياً هي الأساس، لأن السائح يستسهل ركوب الطائرة إلى دولة لا تبعد عنه أكثر من ساعة أو ساعة ونصف الساعة'، لافتاًَ إلى جملة عوامل مشجعة كان يتردد بسببها الخليجي على لبنان لأكثر من مرة في العام، صيفاً وشتاء، وفي العطل والأعياد، بدءاً باللغة المشتركة والقدرة على الإنفاق والهوية المتشابهة والمطبخ الغني والمناخ المعتدل والخدمة الجيدة.
ويتحدث الأشقر عن 'تحسن في نسبة التشغيل ولكن ليس كما يبالغ الإعلام بأن الفنادق ممتلئة'، ويرد على الطرح القائل بـ 'عدم جاهزية لبنان الكاملة لاستقبال السياح بفعل سوء الخدمات العامة من كهرباء ومياه واتصالات وطرقات'، مؤكداً أن 'الفنادق والمؤسسات قامت بواجبها لسد الخلل في الخدمات الحكومية، وزودوا مؤسساتهم بأفضل التجهيزات المنافسة، ناهيك عن أن السائح يأتي للاستجمام وليس للاستثمار، ولا يحتاج إلى انتظار تحسين المرافق العامة، وخير دليل هو استقبال لبنان 2.3 مليون سائح عام 2010'.
جولة ميدانية
وتجولت 'اندبندنت عربية' في مناطق مختلفة في لبنان، وكانت البداية في بعلبك والهرمل حيث تحاول المنطقة طي صفحة الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، وقد فتحت قلعة 'مدينة الشمس' أبوابها أمام المستكشفين، كما استقبلت المطاعم المطلة على نهر العاصي الزائرين، وبدأ الشبان وهواة الرياضة المائية ممارسة رياضة التجديف مستغلين فيض ماء الشلالات، فتلك المنطقة الجميلة باتت أيضاً ميداناً رائعاً لصيد الأسماك النهرية وممارسة السياحة البيئية في أحضان بساتين اللوز، واكتشاف تقنيات صيد الحجل اللبنانية وقيادة السيارات الرباعية الدفع في المناطق الوعرة.
لكن العائق الأساس هو طول المسافة والافتقار إلى الفنادق، ولكن كرم أهالي المنطقة والاهتمام المفرط بالزائر وقيم الضيافة العشائرية كفيلة بتجاوز نقاط الضعف، إذ لا يتردد هؤلاء بفتح بيوتهم وإيواء الزائر الغريب.
ونزولاً نحو الضنية تواصل بعض المبادرات السياحية الخاصة تقديم المتعة والإبهار في أعالي الجبال، حيث يخوض الزائر تجربة ممتعة في الجسور المعلقة فوق الوديان السحيقة والتلفريك، إضافة إلى المطبخ التقليدي الحلال.
أما في عكار فتستمر نجاحات فرق المشي عبر الطبيعة واكتشاف التنوع البيئي والثقافي في المنطقة الممتدة من القبيات وجبال أكروم إلى سهلة القموعة التي تتوسط فنيدق وعكار العتيقة، وتفتقر المناطق الثلاثة إلى الترويج السياحي مما ينسحب على مدينة طرابلس التي تشكل متحفاً حياً، وتمتلك ثراء حضارياً وثقافياً غير مسبوق، إذ تحتضن العاصمة الثانية للبلاد مئات المواقع الأثرية بين قلعة وكنيسة وجامع وخان كحاضنة للتراث المسيحي والإسلامي على مدى العصور، كما تحظى طرابلس بسمعة جيدة على مستوى المطبخ اللبناني التقليدي والحلويات العربية والحرف التقليدية، مما يجذب كثيراً من الأوروبيين والآسيويين، وتشترك البترون وجبيل والكسليك بالترويج السياحي الجيد والعمل المنظم إضافة إلى المطاعم ذات الخدمات الجيدة، وأسهم موقعها الوسطي والقريب من بيروت في تسهيل الانتقال إليها.
أما جنوباً يحظى الشوف بسمعة فريدة على مستوى السياحة البيئية والمحمية وتوفير بيوت الضيافة والتجربة الثقافية والاجتماعية الفريدة، كما تتمتع صيدا بقطاع سياحي ذي خدمات جيدة وتنوع أثري وثقافي إسلامي وإفرنجي، وقد تمكنت من فرض نفسها على الخريطة السياحية أقله خلال رمضان.
وفي صور يجتمع الشاطئ مع الآثار المتنوعة، ويشكل 'حي الكاثوليك' وجهة ممتازة حيث يتوافر عدد لا بأس به من فنادق 'البوتيك' التي تمتلئ في نهاية الأسبوع بالأهالي العائدين من بيروت ومجموعات من السياح الأوروبيين، ويبقى كورنيش (صور) العامل الأكثر جذباً، إذ دفع الإقبال الشديد عليه إلى تذمر بعض الأهالي، وتقول إحدى السيدات 'في العام الماضي لم نتمكن من النزول إلى البحر ولو مرة واحدة بسبب كثافة الزوار والقادمين من القرى المحيطة، ففي السابق كنا نحمل أغراضنا والمأكولات ونقصد الكورنيش للاستمتاع بالليالي الصيفية، وحالياً أصبح ممتلئاً بالدراجات نارية التي يخاطر ركابها بقيادتها في منطقة مخصصة للمشاة'.
وينسحب على صور ما تواجهه مناطق أخرى، فبعد المسافة من شأنه إشعار الزائر بالتعب، وهو ما تتحمل مسؤوليته الدولة التي لم تعمل على ربط البلاد بخط نقل عام سريع خارج شبكة طرقات المدن المزدحمة.
السياحة البيئة
ويمتلك لبنان رأسمال حضارياً وبشرياً وبيئياً يمكن استثماره من أجل جذب السياح العرب، ويتحدث الخبير السياحي عبدالقادر عبدالمجيد عن مزايا لبنان الجذابة جغرافياً وبيئياً وثقافياً بفعل موقعه على البحر المتوسط وتنوع تضاريسه الجيولوجية، مشيداً باتساع نطاق رياضة الهبوط المظلي والـ 'باراغلايدنغ' في لبنان، والتي تتيح للزائر تأمل المناطق الخلابة من الأعلى، مشيراً إلى أن 'السياحة البيئية فرصة كبيرة للبلاد وهي رخيصة نسبياً مع المحيط، إذ لا يتقاضى الدليل السياحي يومياً أكثر من 50 دولاراً، فيما يقبض في بلاد أخرى ما بين 150 و200 دولاراً لقاء جولة لخمس ساعات، ناهيك عن انتشار بيوت الضيافة في مختلف المناطق اللبنانية الجبلية التي تتراوح ما بين 20 و 30 دولاراً لليلة وربما أرخص، وتلك البيوت تتيح فرصة تجربة تناول الطعام مع سيدات المنازل وفق الوصفات التقليدية'.
كما يشدد عبدالمجيد على 'المزايا الشخصية للمواطن اللبناني، فهو إنسان مرح ومضياف ومحب، ويشعر السائح بأنه من أهل البيت'، إضافة إلى الزراعات الجبلية من فواكه وخضراوات موسمية تتمتع بطعم فريد، ناهيك عن المطبخ اللبناني الذي يحظى بشهرة عالمية وتقدير مرتفع.
لكن عبدالمجيد تطرق إلى بعض العوائق، فمن جهة لا يمتلك لبنان بنى تحتية قادرة على استقبال أعداد كبيرة من السياح، سواء على مستوى الطرقات أو المطار الدولي، مع غياب مواقف السيارات في بلد يعاني زحمة السير بفعل الطرقات الضيقة، ونلاحظ أن معظم القرى التي تستقبل السياحة البيئية تعاني المشكلة ذاتها، وهي غير قادرة على استقبال الباصات الكبيرة الحجم، فيضطر المنظم إلى ركن الباصات الكبيرة في مكان معين والاستعانة بباصات أصغر للوصول إلى الوجهة الأخيرة'.