لايف ستايل
موقع كل يوم -في فن
نشر بتاريخ: ٢٠ تشرين الثاني ٢٠٢٥
لعلها من المرات القليلة التى يفرح فيها قلبى وتسعد عيناى وأنا أشاهد فيها فيلمًا يعالج أحد أمراض هذا العصر مثل 'التوحد' بكل ما يحمله من تعاطف وألم، بل وحزن على ذلك الإنسان الذى يعانى من هذا 'المرض'إن جاز هذا التعبير .
هذا ما فعله بى الفيلم الإيطالى'أشقاء' أو “La vita da grandi”بالإيطالية وبالإنجليزية “Siblings” والذى عرض أخيرًا ضمن أسبوع النقاد فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى دورته الـ 46، فكان مفاجأة مبهجة للحاضرين.
الفيلم من إخراج جريتا سكارانو، وهو مستوحى من كتاب حقيقى من تأليف الأخوين مارجريتا وداميانو تيركون، بعنوان: Mia Sorella mi rompe le balleأو'أختى تكسر أعصابى' وتدور أحداثه حول 'إيرينى'، التى تعيش حياة مستقرة فى العاصمة روما، وفجأة تضطر إلى العودة إلى مسقط رأسها فى ريمينى لتعتنى بشقيقها 'عمر'-البالغ من العمر حوالى 40 سنة- والمصاب بالتوحّد أوالـ'أوتيزم' والذى يطمح أن يكون مستقلاً، ويستطيع إقناع شقيقته بخوض دورة تدريبية مكثفة لـ'بلوغ الرشد ' لكى يتعلم كيف يعيش حياته بنفسه، وفى نفس الوقت يحلم بالمشاركة فى برنامج مواهب ليصبح مطربًا مشهورًا.
وعلى مدى ساعة ونصف، ينجح الفيلم فى تقديم العلاقة بين الأخ والأخت بروح كوميدية واقعية من خلال قصة إنسانية حساسة تُظهر التحديات النفسية والاجتماعية، دون أن يكون التوحد هو كل شىء فى حياة عمر، بل جانب من شخصيته وهو ما شكل صعوبة فى التعامل بالنسبة لإيرينى التى لم يسبق لها أن تحملت مسؤولية شقيقها الذى يكبرها فى السن.
ورغم أن الفيلم يركز بشكل خاص على 'التوحد'، لكنه لا يعرضه كـ'استثناء عبقرى'كما تعودنا فى الأعمال الفنية، بل يقدمه كشخص طبيعى كإنسان كامل الأحلام والرغبات يريد الزواج، إنجاب ثلاثة أطفال، وأن يصبح مغنى راب شهير ويحصل على استقلال حقيقى بعد رحيل الوالدين،
مع تسليط الضوء على نضج المشاعر من وجهة نظر الشقيقين..كيف ينضجان معًا، وكيف يمكن لكل واحد أن يتعلم من الآخر.
نجحت المخرجة فى تقديم عمل يمثل فرحة للقلب والعين معًا..حساس ومريح من خلال قالب كوميدى-درامى ناعم دون إستغلال لموضوع التوحد لاستجلاب تعاطف المشاهدين، فقد وضحت رسالة الفيلم بإظهار علاقة مؤثرة إنسانيًا بين الأخت وشقيقها لكنها بدون مبالغة دراميًا، مما يجعل العلاقة الأخوية مقنعة للمشاهد، فالفيلم لا يحتاج إلى أزمات كبيرة أو مفاجآت ليكون مؤثرًا، فقوته تكمن فى التفاصيل البسيطة والعواطف الصغيرة.
الموضوع جاد بإعتباره يناقش مرض التوحد وانعكاسه على عائلة بأسرها، وهو ما قد يراه البعض تقليدى إلى حد ما من الناحية السردية، فالقصة فى جوهرها ليست مغايرة بشكل كبير عما قد نراه فى أفلام عن التوحد أو العلاقة الأخوية، لكنه ينجح لأنه ينفُذ هذه القصة بطريقة ناضجة وموزونة ، الا أن التوجه الكوميدى يظل واضحًا جدًا وربما هذا قد لا يتناسب مع من يبحث عن فيلم درامى من العيار الثقيل جدًا، لكن فى النهاية يحسب للمخرجة نجاحها فى تقديم موضوع مهم وجاد فى قالب درامى- كوميدى..سلس وبسيط، لتصل رسالة الفيلم القوية لكل المشاهدين بضرورة دعم إستقلالية الشخص المتوحد والتعايش معه كجزء من الحياة، وليس كحالة عالية المعاناة.
'أشقاء'.. ليس مجرد فيلم سينمائى نستمتع بمشاهدته وننساه مع مرور الأيام، ولكنه أحد الأدوات التى يمكن للمعالجين إستغلاله وإنتاج المزيد على شاكلته لتوصيل رسائل واضحة بأسلوب بسيط لايخلو من الكوميديا، وذلك لتوضيح حقيقة التعامل مع مريض التوحد كأنسان طبيعى ينمو وينضج ويحلم بمستقبل أفضل.




























