لايف ستايل
موقع كل يوم -مجلة سيدتي
نشر بتاريخ: ٢٠ تشرين الثاني ٢٠٢٥
قد تبدو الملابسُ مجرَّد عناصرَ خارجيَّةٍ، نرتديها كلَّ صباحٍ، وترتبطُ بالموضةِ، أو العاداتِ الاجتماعيَّة، لكنْ الحقيقةُ النفسيَّةُ أعمقُ بكثيرٍ. وفي الأعوامِ الأخيرة، أصبح هناك اهتمامٌ متزايدٌ في علمِ النفسِ بدراسةِ العلاقةِ بين ما نرتديه، وبين ما نشعرُ به، وكيف نُفكِّر، وكيف نتصرَّف. هذه الظاهرة، تُعرَفُ علمياً بـ «الإدراك المرتبطِ بالملابس»، وهي تعني ببساطةٍ، أن ملابسنا لا تُؤثِّر في كيفيَّةِ رؤيةِ الآخرين لنا فقط، بل وأيضاً في كيفيَّةِ رؤيتنا لأنفسنا، بالتالي كيفيَّة تصرُّفنا تبعاً لذلك، كما توضحُ لـ «سيدتي» أزنيف بولاطيان، الاختصاصيَّةُ في علمِ النفس الاجتماعي والبرمجةِ اللغويَّةِ العصبيَّة والعلاجِ الإيحائي والعلاجِ بخطِّ الزمن.
ما هو الإدراك المرتبط بالملابس Enclothed Cognition؟
ظهرَ هذا المصطلحُ للمرَّةِ الأولى عامَ 2012 في دراسةٍ نفسيَّةٍ، أجراها العالمان آدم جالينسكي Adam Galinsky، وهين-جون كيم Hin-jun Kim، ونُشِرَت في مجلَّةِ علمِ النفس الاجتماعي والتجريبي. الدراسةُ، أظهرت أن الأشخاصَ الذين ارتدوا معاطفَ المختبرِ البيضاء التي ارتبطت في أذهانهم بالذكاءِ والانتباه، أدُّوا بشكلٍ أفضل في اختباراتِ التركيزِ من أولئك الذين لم يرتدوها، أو ارتدوها مع تفسيرٍ آخر. الاستنتاجُ كان واضحاً، وهو عندما نرتدي ملابسَ لها معنى رمزي معيَّنٌ في أذهاننا، يُؤثِّر هذا المعنى مباشرةً في تفكيرنا وسلوكنا.
لماذا الملابسُ أداةُ لتشكيلِ الهويَّة؟ الجوابُ هنا أننا عندما نختارُ ما نرتديه، نحن لا نختارُ فقط قطعةَ قماشٍ، بل وأيضاً نختارُ هويَّةً، أو حالةً ذهنيَّةً، نرغبُ في دخولها. على سبيلِ المثال، ارتداءُ بدلةٍ رسميَّةٍ قد يُشعِرُ الشخصَ بالقوَّةِ والانضباطِ والاحتراف، أمَّا الملابسُ الرياضيَّة، فتُعزِّز مشاعرَ النشاطِ والطاقةِ والحيويَّة، في حين يزيدُ ارتداءُ ملابسَ مريحةٍ في البيت إحساسَ الراحةِ النفسيَّةِ والاسترخاء. بمعنى آخر، ملابسنا، تصبحُ بمنزلةِ 'لغةٍ صامتةٍ'، نُخاطِبُ بها أنفسنا قبل أن نُخاطِبَ بها الآخرين.
الألوان والرمزية النفسية في الملابس
الألوانُ التي نرتديها، هي ذوقٌ شخصي بالتأكيد، لكنْ لها تأثيراتٌ نفسيَّةٌ مباشرةٌ أيضاً، وقد تعكسُ بشكلٍ لا واعٍ حالتنا النفسيَّة، أو ما نريدُ إيصاله. وفي علمِ النفس، يُعتَقدُ أن لكلِّ لونٍ طيفاً عاطفياً خاصاً به:
فهمُ الرمزيَّةِ النفسيَّةِ للألوان، يساعدنا في اختيارِ الملابسِ بوعي حسبَ المشاعرِ التي نريدُ أن نُغذِّيها، أو نُعزِّزها في يومنا.
تأثير الملابس في المزاج
تُؤثِّر الملابسُ بشكلٍ مباشرٍ في المزاجِ، والحالةِ النفسيَّة. كثيرٌ من الناس، يشعرون بتحسُّنٍ فوري في حالتهم النفسيَّةِ بمجرَّد ارتداءِ ملابسَ يُحبُّونها، أو يرون أنها «تُشبههم». بعض الدراساتِ، أثبتت أن ارتداءَ الألوانِ الزاهية، أو الملابسِ الأنيقة، يمكن أن يُقلِّل من أعراضِ الاكتئابِ، أو التوتُّرِ في بعض الحالات، كما أن الأشخاصَ الذين يعانون من القلقِ الاجتماعي قد يشعرون بثقةٍ أكبر عند ارتداءِ ملابسَ، يرون أنها تعكسُ أفضلَ صورةٍ عن أنفسهم، ما يُخفِّض من توتُّرهم في المواقفِ الاجتماعيَّة.
ما رأيك بالاطلاع على رحلتك نحو السلام الداخلي.. 10 خطوات صغيرة لراحة تامة
الملابس والانطباعات الذاتية
الأمرُ اللافتُ في الإدراك المرتبطِ بالملابس، هو أنه لا يحتاجُ إلى حضورِ الآخرين، ليُحدِثَ تأثيره. حتى لو كنتِ وحدكِ في غرفةٍ مغلقةٍ قد يُغيِّر ما ترتدينه من أسلوبِ حديثكِ، وحركتكِ، ومن طريقةِ تفكيركِ أيضاً. مثلاً، الأشخاصُ الذين يرتدون ملابسَ النومِ طوالَ اليوم في أيَّامِ العطلة، يميلون للشعورِ بالخمولِ، وقلَّةِ الإنتاجيَّة، في حين يسهمُ تغييرُ الملابسِ إلى نهاريَّةٍ في تحفيزِ النشاطِ حتى عند عدمِ الخروجِ من المنزل.
الملابس بوصفها أداة علاجية
في العلاجِ النفسي، بدأ بعض الاختصاصيين في استخدامِ الملابسِ بوصفها وسيلةً داعمةً في تعزيزِ ثقةِ المريضِ بنفسه. بعض الجلساتِ قد تتضمَّن حواراً حول العلاقةِ مع الجسدِ والمظهر، وكيف يمكن اختيارُ الملابسِ، لتكون وسيلةً للتعبيرِ عن الذات، وليس لإخفائها. كذلك، في علاجِ الأشخاصِ الذين مرُّوا بتجاربِ عنفٍ جسدي، أو نفسي، يتمُّ التركيزُ أحياناً على استعادةِ الإحساسِ بالتحكُّمِ من خلال اختيارِ الملابسِ بطريقةٍ واعيةٍ، تمنحُ الشخصَ شعوراً بالأمانِ والسيطرة.
الملابس والرسائل اللاواعية
غالباً ما نرتدي ما يُعبِّر عنا دون وعي. قد يرتدي شخصٌ، يعاني من ضعفِ تقديرِ الذات ملابسَ فضفاضةً، أو داكنةً للهروبِ من الأنظار، بينما يرتدي آخرُ ألواناً صارخةً لتأكيدِ وجوده. في هذا السياق، الملابسُ، تتحوَّلُ إلى رموزٍ نفسيَّةٍ، تحملُ مشاعرَ، وصراعاتٍ، وأحياناً تحملُ تجاربَ غير محلولةٍ، لذا من المفيد أن نسألَ أنفسنا من وقتٍ لآخر: لماذا اخترتُ هذه القطعةَ اليوم؟ وما الرسالةُ التي أُرسِلُها للعالم؟ وما الرسالةُ التي أُرسِلُها لنفسي؟
يمكنك أيضًا الاطلاع على إعادة برمجة الدماغ للتغلب على الألم: كيف تتم؟ إليكِ إجابة علم النفس
الملابس بين الضغوط الاجتماعية والهوية النفسية
في مجتمعاتنا، لا يتمُّ اختيارُ الملابسِ دائماً بحريَّةٍ، فكثيراً ما يكون ذلك محكوماً بأطرٍ ثقافيَّةٍ، ودينيَّةٍ، واجتماعيَّةٍ، أو طبقيَّةٍ، تفرضُ على الأفرادِ معاييرَ معيَّنةً لما «يُقبَل»، وما «يُرفَض»! هذه المعاييرُ قد تخلقُ صراعاً داخلياً بين الرغبةِ في التعبيرِ عن الذات، وبين الخوفِ من الحكمِ، أو الرفضِ الاجتماعي! على سبيلِ المثال، قد تمتنعُ بعض النساءِ عن ارتداءِ ما يُعبِّر عن شخصيَّتهن خوفاً من أن يُنظَر إليهن نظرةً دونيَّةً! وقد يشعرُ الرجالُ بأن عليهم الالتزامَ بأسلوبٍ رسمي دائماً حتى في غيابِ الرغبةِ بذلك كيلا يُنظَر إليهم بوصفهم «غير جادين»، أو «ضعفاء»!
وهذا التوتُّرُ بين الداخلِ والخارج، يمكن أن يؤدي إلى حالةٍ من الانفصالِ بين الذاتِ الحقيقيَّة، والذاتِ الظاهرة، ما يُؤثِّر في الصحَّةِ النفسيَّة، ويزيدُ مشاعرَ القلقِ والتوتُّر، وحتى الاكتئابِ في بعض الحالات.
الملابس في بيئة العمل والعلاقات
اللباسُ لا يُؤثِّر في الذات فقط، بل وأيضاً في كيفيَّةِ تفاعلِ الآخرين معنا. في بيئاتِ العملِ ارتداءُ ملابسَ رسميَّةٍ، أو أنيقةٍ، يُرسِلُ رسائلَ بالاحترافِ والثقة، أمَّا في العلاقاتِ العاطفيَّةِ فقد يكون للأسلوبِ الشخصي في اللباسِ تأثيرٌ غير مباشرٍ في الجاذبيَّة، والتواصلِ غير اللفظي. الأهمُّ من كلِّ هذا، هو أن يكون اللباسُ تعبيراً صادقاً عن الذات لا مجرَّد محاولةٍ لإرضاءِ الآخرين.
كيف نستخدم هذا المفهوم في حياتنا اليومية؟
إليكِ بعض الطرقِ العمليَّةِ لاستخدامِ الإدراك المرتبطِ بالملابسِ لتعزيزِ صحَّتكِ النفسيَّة:
في الختامِ، الملابسُ ليست مظهراً خارجياً، أو زينةً اجتماعيَّةً فحسب، إنها أيضاً امتدادٌ لهويَّتنا النفسيَّة، وأداةٌ، يمكن استخدامها بوعي لتعزيزِ التفكيرِ الإيجابي، والحالةِ النفسيَّة، والسلوكيَّاتِ الصحيَّة. إن الإدراكَ المرتبطَ بالملابس، يفتحُ لنا باباً لفهمِ الذاتِ بطريقةٍ جديدةٍ: ما نرتديه، يمكن أن يكون بدايةً لما نشعرُ به، وكيف نعيشُ يومنا. في كلِّ صباحٍ عندما تختارين ملابسكِ، لا تسألي فقط: كيف أبدو؟ بل اسألي: كيف أريدُ أن أشعر؟ لأن الجوابَ قد يبدأ من تلك القطعةِ التي ترتدينها.
يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط




























