اخبار لبنان
موقع كل يوم -صحيفة الجمهورية
نشر بتاريخ: ٢٥ نيسان ٢٠٢٥
«تحبَلُ خارج لبنان وتضَعُ مولودَها في لبنان...» هذا ما قاله الرئيس صائب سلام خلال الحرب التي داَرَتْ عندنا سنة 1975.
وهكذا كان شأنُ لبنان عبْر الزمان، ولا مرّة كان عندنا حبَلٌ بلا دنَس.
بعد حرب 1975، كما مِنْ قبلها، رحنا نبني ما هدّموه وما هدّمناه، ثمَّ نتوسّل الأيدي البيضاء لإعادةِ البناء، نقبّلُ اليد وندعو عليها بالكسر.
كلُّ ما نبنيهِ بعد الحرب ندمّره بالتقسيط يوماً بعد يوم، ندمّره بالنزاع السياسي، والنزاع المذهبي، والنزاع الوطني حول هويّة لبنان وسيادة لبنان، وها نحنُ مرّة جديدة نقفُ على الأطلال، نتباكى ونتبارز حول الركام وميادين الحطام.
وإنْ شئتُ وصفَ هذا المشهد بما هو أقرب إلى الإستيعاب، أرى من المفيد اللّجوء إلى لغة الشعر، لأنّ الشعر المقفّى يتميَّز بالوزن، والكثيرون عندنا قد فقدوا أوزانهم، ونسأل:
متى يبلغ البنيانُ يوماً تمَامَهُ إذا كنتَ تبنيهِ وغيرُكَ يهدمُ.
الإمبراطورية الرومانية الطويلة العمر في التاريخ، إنهارَتْ خلال أيام واستغْرقتْ ألف عام إعادةُ بنائها، ويُجمعُ المؤرّخون بأنَّ سبب سقوط الإمبراطورية الرومانية يعود إلى: فساد المؤسسات الدستورية والقضائية والإقتصادية والعسكرية، وسيطرة الحاشية وأقارب البلاط.
عهد الرئيس ميشال عون، كان أشبهَ بالإمبراطورية الصغرى، حين استطاع أنْ يحقّق إرساء تحالف مسيحي - شيعي مع حزب الله، وتحالف مسيحي- مسيحي مع القوات اللبنانية، وتحالف مسيحي - سنيّ مع تيار المستقبل، وتفاهم مسيحي مع القيادات الدرزية، إلّا أنّ هذه التحالفات إنقلبت إلى خصومات، فكان هناك مَنْ يتحالفون حيناً مع الرحمان، وحيناً آخر مع الشيطان، وكان ما كان من فساد في المؤسسات الدستورية والقضائية والإدارية والمالية والإقتصادية، وكان ما كان من سيطرةٍ على الحكم من الخوارج وأهل الحاشية.
وهي الأسباب نفسها التي أدّت إلى انهيار الإمبراطورية الرومانية، لأنّها لم تسارع إلى انتشال نفسها من الأسباب التي أدّتْ إلى انهيارها.
هذا يعني، أنّ بناء الإمبراطوريات كبيرةً كانت أو صغيرة لا يتوقّف حصراً على توافر الإمكانات، بقدر ما يحتاج إلى تشابك سواعد البنائين في مواجهة الهدّامين، بل أن يكون «الحجرُ الذي نبذَه البنّاؤون رأساً للزاوية»(1)، أي الحجر الذي يربُط حائطَين معاً.
هذا هو المغذى المطروح أمام الرئيس جوزاف عون كعِبرةٍ من الماضي.
بتعبير آخر: بقدر ما يتحلّى رئيس الجمهورية بالحكمة والنزاهة والتجرّد وسداد الرأي واستبعاد الحاشية، بقدر ما يكون رئيساً حكَماً، والمثال الأعلى الذي يقتدي به الصالحون ويخافه الفاسدون، فيتألّب حوله الشعب ويحقّـق الإصلاح بقوة القانون وعقاب المحاسبة.
هناك مَن يرى أنّ الرئيس جوزاف عون جديرٌ بأنْ يتشبّه بالحكم الشهابي.
الحكم الشهابي جسَّدَهُ الأمير بشير الثاني بالإصلاح الإداري والتسامح الديني، «فكان مسيحياً بالمعمودية، مسلماً بالزواج، درزياً بالتعامل»(2)، والرئيس الأمير فؤاد شهاب استكمله بالإصلاح الإداري والترفّع عن التطرّف الديني، حتى قال السفير «جوني عبده»: «إنّ هناك مَنْ كان ينصح الرئيس شهاب بأنْ يتناول القربان في قداس جامع على مرأى من الناس ليتأكّدوا أنّه ماروني»، ومارونية فؤاد شهاب المسيحية - الإسلامية هي التي أمّنت حقوق المسيحيِّين من ضمن حقوق جميع اللبنانيِّين.
يقول الرئيس جوزاف عون: «نحن في مرحلة جديدة، عانيَنْا الكثير من الويل ولا عودة إلى الماضي»، فهل يكسب الرئيس جوزاف عون الرهان، حتى لا يعود مستقبل لبنان يخجل بمَن سبق من ماضيه؟
1- مزمور: 118-22.
2- تاريخ لبنان - فيليب حتي: ص: 506.