اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ١٤ نيسان ٢٠٢٥
كتب يوسف فارس في 'الأخبار':
تجاوزت ليلة السبت ـ الأحد في قطاع غزة كل مشاهد الرعب التي عاشها الغزّيون طوال الأشهر الثمانية عشرة من الحرب، إذ بدا جيش الاحتلال وكأنه قد بلغ ذروة التوحّش، مُستخدماً أدوات الرعب والترويع لتفريغ ما تبقّى من مرافق الحياة في المدينة.
في هذه الليلة، لم يكن استهداف مستشفى «الأهلي المعمداني» مجرّد هجوم على منشأة صحية، بل كان مثالاً صارخاً على منهجية التنكيل بالكرامة الإنسانية، ورسالة واضحة بأن لا مأوى آمناً للفلسطينيين، حتى في أماكن علاج جراحهم.
عند الساعة الثانية بعد منتصف ليل السبت – الأحد، تلقّى العاملون في المستشفى إنذاراً نهائياً بإخلائه تمهيداً لقصفه. كان في المكان مئات الجرحى والمرضى، بعضهم مبتورو الأطراف، وآخرون على أجهزة التنفس والعناية المركّزة، ولم يُتح لهم سوى دقائق معدودة لمغادرة المكان، كما يروي محمد زيادة لـ«الأخبار»، قائلاً إنه «في لحظة واحدة، حمل كل مرافق مريضه وهرع إلى الشارع.
سحبنا من بُترت أطرافهم على الأسرّة، وتفقّد بعضنا بعضاً في الظلام، نبحث عن من لا مرافق لهم وسط البرد والخوف».
وبينما كان المرضى وأهاليهم في الشارع، سقطت قنبلتان على مبنى الاستقبال والطوارئ، ما أدّى إلى تدمير المستشفى بشكل شبه كامل، وخروجه عن الخدمة.
أمضى المصابون والمرافقون ليلتهم في العراء، تحت القصف والبرد، بينما تحوّلت أرصفة الشارع المحيط بالمستشفى إلى غرف عناية مركّزة بديلة.
بذل الأطباء والممرضون جهوداً خارقة لإنقاذ الأرواح، وسط ظروف لا يمكن وصفها إلا بالمأساوية، وفق ما أفاد أحد الأطباء، موضحاً أن العشرات عانوا من نزيف وانفكاك الضمّادات وسقوط المصابين أثناء نقلهم العشوائي، ما أدّى إلى استشهاد أحد الجرحى، فيما بقيت طواقم الإسعاف تعالج الجرحى الآخرين في الشارع حتى ساعات الصباح.
ومع طلوع النهار، ظهر حجم الكارثة: المستشفى الذي وصفه الدكتور منير البرش، المدير العام للمستشفيات في وزارة الصحة، بـ«العمود الفقري للمنظومة الصحية في القطاع» دُمّر كلياً، وبات رُكاماً، لتنضم خسارته إلى سجلّ الإبادة الذي يشمل 36 مستشفى ومنشأة صحية تعرّضت للتدمير منذ بداية الحرب.
وبحسب البرش، فإن خروج «المعمداني» عن الخدمة يعني انهيار المنظومة الصحية بأكملها، إذ إن ما أعيد تأهيله من مرافق خلال الشهور الماضية يفتقر للأجهزة الأساسية ويقدّم الحد الأدنى من الخدمة.
المشهد المأساوي تكرّر في مراكز الإيواء، ومنها مركز مدرسة الدحيان في حي الشيخ رضوان، الذي كان يؤوي أكثر من 700 أسرة، حيث تلقّى أحد النازحين اتصالاً من ضابط إسرائيلي فجراً يطالبه بالإخلاء الفوري.
ولم يمر وقت طويل حتى كان مشهد الطرد الجماعي يعاد في مراكز أخرى في أحياء التفاح والشعف، وسط صدمة وذعر النازحين.
وعلى الصعيد العسكري، تواصلت الغارات والمجازر، إذ استيقظ سكان غزة على مجزرة جديدة، حين قُصفت سيارة مدنية قضى فيها ستة أشقاء من عائلة أبو مهادي وصديقهم. كما استشهد ثلاثة مواطنين في قصف لطائرة مُسيّرة في منطقة المنارة في خانيونس، في حين قصفت الطائرات الحربية مركزاً لوكالة «الأونروا»، مخصّصاً لتوزيع الطحين على النازحين، ما تسبّب بخسائر بشرية ومادية.
واستُهدف أيضاً مركز الزكاة التابع لبلدية دير البلح، ما أدّى إلى ارتقاء ثلاثة مواطنين، بالإضافة إلى شهيدين في خيمة في مواصي خانيونس، وآخريْن في قصف لورشة حدادة في حي الزيتون. وبحسب وزارة الصحة، بلغ عدد الشهداء، أمس، 31 شهيداً في قصف متفرّق شمالاً وجنوباً.
في المقابل، واصلت فصائل المقاومة تصدّيها للعدوان، حيث أعلنت «كتائب القسام» عن تفجير مبنى تسلّلت إليه قوة إسرائيلية راجلة في رفح، فيما أعلنت «سرايا القدس» استهداف القوات المتوغّلة شرق غزة بقذائف الهاون، وإسقاط ثلاث طائرات مُسيّرة كانت تنفّذ مهامَّ استخبارية في المنطقة ذاتها.