الهند وباكستان: مواجهة نووية مؤجّلة تحت نار كشمير الملتهبة

تعود العلاقات بين الهند وباكستان إلى مسارها المتقلّب مجددًا، بعدما شهد شهر أيار 2025 واحدةً من أخطر جولات التصعيد العسكري بين البلديْن منذ عقود. وعلى الرغم من الإعلان عن وقفٍ لإطلاق النار في 10 أيار، فإنّ الهشاشة التي تطبع هذا الاتفاق تثير مخاوف المجتمع الدولي من اندلاع حربٍ مفتوحةٍ بين قوتين نوويتين، خصوصًا في ظلّ عدم وجود إطار زمني واضح لإنهائه.

تُعد كشمير، المنطقة الجبلية ذات الغالبية المسلمة، مركز النزاع التاريخي بين الهند وباكستان. ومنذ الاستقلال عام 1947 وتقسيم شبه القارة الهندية، خاض البلدان ثلاث حروب كبيرة، كان لكشمير دور محوري في اثنتيْن منها. تدّعي كلّ من الهند وباكستان السيادة الكاملة على كشمير، بينما يسيطر كلّ منهما على جزءٍ منها. وعلى مدار السنوات، تحوّلت المنطقة إلى برميل بارود، يُشعل أي حادثة صغيرة فيه مواجهات عنيفة.

الهجوم الذي استهدف سياحًا هنودًا في كشمير، مطلع أيار 2025، وأسفر عن مقتل 26 شخصًا، كان الشرارة الأخيرة. سارعت نيودلهي لاتهام جماعات متشدّدة تتّخذ من باكستان ملاذًا، وهو ما نفته إسلام آباد بشدة. لكن الرّد الهندي لم يتأخر، إذ شنّت طائراتها الحربية غارات داخل الأراضي الباكستانية، قوبلت بهجمات مضادّة في واحدة من أشرس الجولات القتالية منذ حرب كارجيل عام 1999.

وقف إطلاق نار بدون سقف زمني

في خضمّ هذه التطوّرات، تمّ الإعلان عن وقف إطلاق نار في 10 أيار بوساطة دبلوماسية أميركية، وأكد المسؤولون في البلديْن لاحقًا أنه غير مرتبطٍ بإطار زمني. هذا الإعلان جاء بعد تكهّنات واسعةٍ بخصوص انتهاء التهدئة أمس في 18 أيار، إثر تصريحات نائب رئيس الوزراء الباكستاني إسحاق دار. لكنّ مسؤولين عسكريين من الجانبيْن نفوا وجود أي محادثات في هذا اليوم، مؤكدين أن الاتفاق لا يحمل تاريخ انتهاء.

وقال مسؤول هندي رفيع: 'لا يوجد تاريخ محدد لانتهاء وقف الأعمال العدائية، كما تمّ التأكيد عليه في اتصال مديري العمليات العسكرية يوم 12 أيار'.

ومن جهته، أوضح دبلوماسي باكستاني أن المناقشات بين القيادات العسكرية كانت تهدف إلى جعل وقف إطلاق النار مستدامًا.

باكستان 'المنتصر المفاجئ'؟

في خضمّ محاولات تقييم نتائج الجولة الأخيرة من القتال، نشرت صحيفة 'ذا هيل' الأميركية مقال رأي للكاتبة رافيا زكريا، خلصت فيه إلى أنّ باكستان خرجت منتصرةً من هذه المواجهة، لأربعة أسبابٍ رئيسية:

1 – النجاح العسكري: تمكّنت باكستان، بحسب الكاتبة، من إسقاط خمس طائرات هندية، بعضها من طراز 'رافال' الفرنسي الحديث، والذي كلف الهند 7.4 مليارات دولار. كما شنّت غاراتٍ مضادةَ ناجحةَ دمرت فيها أنظمة دفاع جوي ومواقع عسكرية هندية.

2 – التوقيت السياسي: حقّقت باكستان مكاسب في التوقيت، إذ نفذت ضربات فعّالة قبل إعلان وقف إطلاق النار، ما منحها اليد العليا.

3 – إعادة تسليط الضوء على كشمير: عادت قضية كشمير إلى الواجهة الدولية بقوّة بعد سنوات من التهميش، لا سيما بعد إلغاء الهند الحكم الذاتي للمنطقة عام 2019.

4 – تراجع الدعم الأميركي للهند: التدخل الأميركي، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، لإعلان وقف إطلاق النار أثار استياء نيودلهي التي كانت تراهن على دعم واشنطن غير المشروط، بينما احتفلت باكستان بالتدخّل واعتبرته انتصارًا دبلوماسيًا.

من جهة أخرى، واجهت حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي انتقاداتٍ داخليةً حادةً، لا سيما من المعارضة المتمثلة بحزب المؤتمر الذي وصف العملية بأنها 'كارثة دبلوماسية'، مشيرًا إلى أن نتائجها عزّزت التحالف بين باكستان والصين، العدو التقليدي للهند في آسيا.

وعلى الرَّغم من التفوّق العددي والتكنولوجي للهند من حيث القدرات العسكرية، فإنّ الكاتبة الأميركية شبّهت المواجهة بـ'مبارزة بين داود وجالوت'، حيث تفوقت باكستان، داود، على منافس أقوى، وهو جالوت، في إشارة إلى الهند.

على الصعيد الداخلي، انعكس الصراع على الوضع السياسي والعسكري في باكستان. فالجيش، الذي كان يعاني من تراجعٍ في شعبيته بسبب تدخلاته في السياسة والاقتصاد، استعاد الدعم الشعبي بعد نجاحه في التصدّي للهجوم الهندي وتحقيق نتائج ميدانية ملموسة.

ويُلاحظ أن الجيش الباكستاني استخدم في هذه المواجهة تكنولوجيا صينية حديثة، مثل صواريخ 'PL-15' الموجّهة بالذّكاء الاصطناعي، في إطار التنسيق العسكري المتنامي بين إسلام آباد وبكين.

كشمير: القضية العالقة

أعادت هذه الجولة من الصراع تأكيد حقيقة ثابتة في العلاقات بين الهند وباكستان: لا يمكن لأي تقارب أو تهدئة أن يصمد طويلًا من دون حل جذري لقضية كشمير. فطالما بقيت كشمير ساحةً مفتوحةً للتدخلات والتحريض، ستظلّ الحدود بين الجاريْن مهددةً بالاشتعال في أي لحظة.

ويرى مراقبون أنّ أي تصعيد مقبل سيكون أكثر خطورةً، في ظلّ التقدم التكنولوجي العسكري المتسارع، والانقسام السياسي الداخلي في كلا البلديْن، والفراغ الدولي في ظل انشغال القوى الكبرى بأزماتها.

على الرغم من توقف القتال، لا يبدو أن هناك نية حقيقية من الطرفيْن لفتح حوارٍ جادٍ حول القضايا العالقة، خصوصًا كشمير. وما يزيد الوضع تعقيدًا هو التوظيف السياسي الداخلي للأزمة من قبل قادة البلديْن، حيث تسعى حكومتهما إلى تحقيق مكاسب شعبوية عبر التصعيد بدلًا من التسوية.

ويُجمع المحلّلون على أنّ بقاء وقف إطلاق النار من دون جدول زمني لا يعني بالضرورة أنّ الحرب انتهت. فالمواجهة مؤجّلة، لا مُلغاة. والمطلوب اليوم، هو تحرّك دولي فاعل، يضمن آلية مراقبة دائمة للتهدئة، ويفتح المجال لحلّ جذري لقضية كشمير.