اخبار لبنان
موقع كل يوم -هنا لبنان
نشر بتاريخ: ١٩ أيار ٢٠٢٥
غاب رئيس الجمهورية جوزاف عون، أمس الأحد، عن الجولة الثالثة من الانتخابات البلدية والاختيارية، ليكون حاضرًا في محطة تاريخية لا تشهدها الكنيسة الكاثوليكية سوى مرةٍ كل عقود: قداس التنصيب البابوي في الفاتيكان، الذي أُقيم في ساحة القديس بطرس لمناسبة جلوس البابا لاون الرابع عشر على الكرسي الرسولي.
عون، الذي رافقته السيدة الأولى نعمت عون، كان ضمن وفد رؤساء الدول المدعوين للمشاركة في هذا الحدث الديني والسياسي العالمي، والذي غاب الحضور اللبناني الرسمي عنه لفترة ليست بالقصيرة.
روما… عاصمة العالم من جديد
للمرة الثانية في أقلّ من شهر، ترفع روما شعارها التاريخي «Roma, Caput Mundi» (روما، عاصمة العالم)، إذ احتشد عشرات القادة العالميين، وممثلو نحو 200 دولة، وشخصيات كنسية وملكية، لحضور القداس الحبري الذي شكّل الانطلاقة الرسمية لحبرية البابا لاون الرابع عشر، أول بابا أميركي في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية.
من شيكاغو إلى ساحة القديس بطرس… قداس استثنائي
ولد البابا لاون في شيكاغو، وعاش لسنوات طويلة في البيرو، قبل أن ينتخبه مجمع الكرادلة في الثامن من أيار (مايو) بعد مداولات استمرت 24 ساعة.
وشكّل انتخابه، في خضمّ أزمات عالمية وحروب مشتعلة، علامة استفهام في عواصم القرار حول الوجهة المقبلة للكنيسة. لكن لاون الرابع عشر بدّد بعض الغموض، وأكّد أنه 'يتمسّك بروح البابا فرنسيس، لكنه يتمايز عنه في بعض النقاط الشائكة'.
بين السياسة والدين: رسالة سلام قوية
خلال خطابه أمام السلك الدبلوماسي الجمعة، شدد البابا الجديد على أن 'السلام ليس هدنةً بين حربين، بل هو خيار جذري يقوم على العدالة الاجتماعية والحوار'، داعيًا إلى تفكيك أسباب النزاع لا الاكتفاء بتهدئة نتائجه.
واستعاد لاون مواقف سلفه حول المهاجرين، وقال بتأثر: 'هذه قصتي أنا… قصة المهاجر ابن المهاجرين'.
الرؤساء والملوك في الصفوف الأولى
تقدّم صفوف الحضور رؤساء دول عدة بينهم رؤساء بيرو، نيجيريا، أوكرانيا، وممثلون عن الولايات المتحدة يتقدمهم نائب الرئيس جي دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو. كما حضرت شخصيات ملكية أوروبية أبرزها ملك إسبانيا فيليبي وزوجته الملكة ليتيثيا.
وحضر عون ممثلًا لبنان في مناسبة جمعت بين الروحانية والسياسة، وسط مشاركة فاعلة من أبناء الجاليات اللبنانية المنتشرة في إيطاليا وأوروبا.
الوشاح والخاتم… رمزان على كتفي التاريخ
في لحظةٍ رمزيةٍ مؤثرةٍ، تسلم البابا لاون الرابع عشر الباليوم، وهو وشاح أبيض مصنوع من صوف الخراف، يوضع على كتفيه دلالةً على حمله 'نعجة الرب'، كما تسلّم خاتم الصياد الذي يقدّم لكلّ بابا جديد، ويرمز إلى القديس بطرس، أول حواريي المسيح، والذي كان صيادًا.
البابا يدعو إلى إصلاح الكنيسة ومواجهة السلطة المركزية
في كلمة العرش البابوي، وعد لاون الرابع عشر بمواجهة مركزية السلطة في الفاتيكان، وبأن 'يحكم من دون استسلام لإغراء الاستبداد'، معتبرًا أن الكنيسة يجب أن تبقى منفتحة من دون أن تتخلى عن هويتها.
وانتقد بعنف النظام الاقتصادي العالمي قائلًا إنه 'يستغل الأرض ويهمّش الفقراء'، في خطاب اجتماعي يستكمل خط مسيرة البابا فرنسيس.
أبعاد سياسية للمناسبة: أوكرانيا وغزة ووساطات محتملة
لم تخلُ المناسبة من إشارات سياسية واضحة؛ فالفاتيكان، عبر وزير خارجيته بييترو بارولين، أعرب عن خيبته من فشل مفاوضات إسطنبول بين روسيا وأوكرانيا، كاشفًا عن استعداد البابا لاستضافة لقاء مباشر بين الطرفين.
كما أعلن حضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للقداس، وعبّر عن استعداده للقاء قادة عالميين على هامش المناسبة، ما يعكس دور الفاتيكان كمنبر دبلوماسي فريد.
وحول النزاع في غزة، أعاد البابا التذكير بأهمية وقف النار والعودة إلى الحوار، إلّا أن بارولين أوضح أن الظروف بعد لم تنضج لاستضافة وساطة فلسطينية – إسرائيلية.
عون في الفاتيكان… حضور يحمل دلالات
تواجُد الرئيس عون في هذه اللحظة العالمية، حمل دلالات رمزية، ليس فقط في كونها مناسبة دينية، بل أيضًا من حيث إعادة إبراز الحضور اللبناني في المنتديات الدولية الكبرى.
وأشار رئيس الجمهورية، خلال لقائه البابا لاون الرابع عشر في الفاتيكان، إلى 'أننا ننتظر زيارتكم إلى لبنان، ونثمّن عاليًا إعلانكم القيام بكل ما يلزم للسلام في لبنان'.
بدوره، أكّد البابا لاون للرئيس عون 'إنني أصلي دائمًا لأمن لبنان واستقراره وسعادة شعبه، وسأستمر في العمل من اجل السلام في لبنان والمنطقة'.
وكان رئيس الجمهورية والسيدة الأولى نعمت عون قدما التهاني للبابا لاون الرابع عشر بحضور عدد من الشخصيات الدبلوماسية والروحية، من بينهم ممثلو الفاتيكان، وعدد من الرؤساء العرب والفرنسيين، كما حظي بلقاء خاص داخل أروقة الكاتدرائية، مع شخصيات كنسية بارزة.
الفاتيكان بعيون العالم… أكثر من مليار شاهدوا الحدث
بحسب تقديرات مكتب الإعلام التابع للفاتيكان، تابع أكثر من 250 ألف شخص القداس من ساحة القديس بطرس، فيما وصل عدد مشاهدي الحدث عبر الشاشات حول العالم إلى أكثر من 1.5 مليار شخص.
وقد انتشر في العاصمة الإيطالية أكثر من 10 آلاف عنصر من قوات الأمن والجيش والدفاع المدني لتأمين المناسبة، وسط إجراءات غير مسبوقة.