اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ١٧ أيار ٢٠٢٥
في 11 أيار الحالي كشفت إسرائيل عن استعادة جثّة تسفي فيلدمان من سوريا، وهو أحد جنودها الثلاثة الذين فُقدوا في معركة السلطان يعقوب، في البقاع الغربي في لبنان، في 10 حزيران 1982. وفي 3 أيار أوقفت السلطات السورية الجديدة أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة طلال ناجي، ثم أطلقت سراحه في اليوم التالي بعد التحقيق معه. فهل كان للمعلومات التي أدلى بها علاقة باستعادة رفات فيلدمان باعتبار أن الجبهة كانت احتجزت الجنود الثلاثة ودفنتهم؟ أم أنّها عملية جاسوسية بامتياز تريد إسرائيل أن تضيفها إلى سجلات إنجازات أجهزتها الأمنية الناشطة في كل دول العالم؟
إسرائيل لا تنسى أسراها ولا جثث جنودها الذين يتمّ أسرهم أو قتلهم في المعارك أو في العمليات الأمنية والعسكرية. هذه قاعدة مسلّم بها وهي نقطة قوة لإسرائيل، وفي الوقت نفسه نقطة ضعف، حيث يمكن أن يمسكها أعداؤها باليد التي توجعها مدركين أنّها مستعدة دائماً لدفع ثمن كبير مقابل أشلاء وبقايا جنود أو عملاء، فكيف بالأحرى في موضوع أسرى أحياء أو جثث؟
من خلال هذه المسلمات يمكن فهم أبعاد ما يحصل في غزّة بعد عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول 2023، وكيف أنّ احتفاظ حركة 'حماس' بالأسرى الأحياء، وبجثث القتلى، يمنع عمليات الحسم العسكري الإسرائيلي. ويمكن أيضاً فهم ما حصل بعد عملية أنصارية الفاشلة في 5 أيلول عام 1997 التي أدّت إلى فرض شروط 'حزب الله' في عملية التبادل التي حصلت. ويمكن أيضاً فهم شنّ إسرائيل حرب تموز 2006 بعد العملية التي نفّذها 'الحزب' جنوب الخط الأزرق في 12 تموز 2006 وأسر خلالها جنديين إسرائيليين ظهر لاحقاً أنّهما مقتولان، وقد نجح 'الحزب' أيضاً في فرض شروطه على إسرائيل في عملية التبادل بعدما فشلت في تحرير الأسيرين في الحرب التي استمرت شهراً كاملاً، وانتهت باتفاق وقف العمليات العسكرية وصدور القرار 1701 عن مجلس الأمن الدولي، الذي ينصّ على نزع سلاح 'الحزب' وبسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها. حركة حماس أيضاً اختبرت هذا الضعف الإسرائيلي مع عملية أسر الجندي جلعاد شاليط في 25 حزيران 2006 عند شريط رفح وفرضها شروط التبادل في صفقة كبيرة.
من السلطان يعقوب إلى مخيم اليرموك
منذ معركة السلطان يعقوب وفقدان جنودها الثلاثة لم تهدأ إسرائيل في البحث عنهم ومحاولة استعادتهم. في تلك المواجهة التي تكبّدت فيها إسرائيل خسارة كبيرة خلال الاجتياح الذي وصل إلى بيروت، كان لمقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، التابعة لأحمد جبريل، دور أساسي إلى جانب جيش النظام السوري. وقد تمّ نقل جثث الأسرى الثلاثة الى داخل سوريا حيث دفنوا في المقابر التابعة لمخيم اليرموك قرب دمشق، والتي كانت تعتبر المقابر الرسمية لمنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، على رغم العلاقات المتقلبة بينها وبين النظام السوري. ولكن منذ ذلك التاريخ بقي البتّ بأمر الجنود الثلاثة ملك النظام السوري، الذي كان يخضع له تنظيم أحمد جبريل، ولم تشمل أي عملية تبادل مع إسرائيل منذ ذلك التاريخ هؤلاء الجنود، وفي الوقت نفسه لم تتخلّ إسرائيل عن البحث عنهم وقد جنّدت الكثير من العملاء من أجل هذه المهمة. ومن بين هؤلاء لبنانيون وفلسطينيون اعتُقلوا وحوكموا وخرجوا من السجن.
من إيلي كوهين إلى رون أراد
لا يقتصر بحث إسرائيل عن هؤلاء الجنود الثلاثة فقط. تعود المشكلة الإسرائيلية في البحث عن الأسرى والقتلى إلى إيلي كوهين أحد أبرز الجواسيس الإسرائيليين والعالميين، الذي تحوّلت قصته إلى سلسلة من الأفلام السينمائية والوثائقية، بعد تجنيده وزرعه داخل سوريا قبل أن يُعتقل ويُعدم في 18 أيار 1965. على رغم مرور 60 عاماً لا تزال إسرائيل تبحث عن جثته وتستخدم كل الوسائل لاستعادتها وهناك أكثر من محاولة حصلت وأكثر من فشل أصابها.
إسرائيل فشلت أيضاً في الحصول على أي معلومات عن طيارها رون أراد الذي أُسقطت طائرته في 16 تشرين الأول 1986 خلال تنفيذ غارات جوية في جنوب لبنان، وقد أسرته قوة من 'حركة أمل' ولكن آثاره ضاعت بعد الصراع بين 'أمل' و'حزب الله' الذي سيطر على الجنوب والبقاع الغربي. وفي هذه القضية لا تزال إسرائيل تجنّد العملاء وتفعل المستحيل ليس بحثاً عنه، بل حتى عن أي معلومة تتعلّق به، خصوصاً بعدما كان أعلن الأمين العام لـ 'حزب الله' السيد حسن نصرالله في عام 2006 أنّه قُتل وفُقدت آثاره ولم يعد موجوداً. وكثيراً ما يتمّ الربط بين هذه القضية وبين اختفاء الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة في لبنان عام 1982، الذين تعتقد إيران أنّهم في إسرائيل وتعتقد إسرائيل في المقابل أن إيران تحتجز أراد حياً أو جثة لمبادلته بهم.
الروس أيضاً يبحثون بين المقابر
منذ بدأت الحرب في سوريا في 15 آذار 2011 جدّدت إسرائيل محاولات البحث عن جنودها الثلاثة المفقودين وعن مكان دفنهم ودفن كوهين وعن الطيار أراد. وتركز البحث على المقابر الفلسطينية في مخيم اليرموك. ولذلك كانت المعارك التي دارت في المخيم وعليه محطّ اهتمام إسرائيلي بالغ. ومنذ بدأ التدخّل الروسي في الحرب السورية في آخر أيلول 2015، بدأت إسرائيل أيضاً تحاول الحصول على معلومات من خلال الروس، خصوصاً أن هذا الأمر سهّل عليها إرسال عملاء إلى داخل سوريا بتغطيات مختلفة لعل أهمّها غطاء الجيش الروسي، سواء أكان ذلك بعلم السلطات الروسية المتعاونة معها في هذا الملف أو من دون علمها.
أقيم مخيم اليرموك قرب العاصمة السورية دمشق بعد النكبة الفلسطينية في أيار 1945. وقبل اندلاع الحرب في سوريا كان يضمّ أكثر من مئة ألف فلسطيني اندمج كثيرون منهم في المجتمع السوري. وكان النظام في دمشق قد أنشأ 'جيش التحرير الفلسطيني' من الفلسطينيين وقد بدأ تدخّله العسكري في لبنان عام 1975 تحت غطاء هذا الجيش. ولكن مع بدء الحرب السورية وقع المخيم تحت سيطرة فصائل معارضة للنظام الذي حاصره منذ العام 2013. ولكنّ هذا الحصار لم يمنع تنظيم 'داعش' والحركات الإصولية الإسلامية المعارضة من السيطرة عليه بشكل كامل عام 2015، خصوصاً أن حركة 'حماس' التي كان لها وجود فيه دعمت المعارضة ضد النظام من منطلقات مذهبية. ولكن النظام بعد الدعم الروسي وبعد تمكّنه من قلب الموازين العسكرية لمصلحته في حمص وريف دمشق وحلب استعاد السيطرة على المخيم عام 2018، الأمر الذي أدى إلى تهجير عدد كبير من المقيمين فيه إلى لبنان، وأدى أيضاً إلى استعادة الجبهة الشعبية القيادة العامة السيطرة على المخيم وتنظيفه من المعارضين للنظام. ولكن كل ذلك لم يحل دون أن تنجح إسرائيل بمساعدة الروس في نبش المقابر في المخيم بحثاً عن جنودها المفقودين الثلاثة بناء على المعلومات التي كانت متوفرة لديها من مصادر متفرقة عن دفنهم في مقابر المخيم. وعلى رغم الدمار الذي أصابه في المعارك وتبادل السيطرة عليه فقد نجحت المحاولة الأولى في نيسان عام 2019، عندما أمّن الروس استعادة جثة الجندي زخريا باومل. ويبدو أن المحاولة الثانية حقّقت النجاح مع استعادة جثة فيلدمن في 12 أيار الحالي.
لغز الجندي الثالث
صحيح أن لغز الجندي الثالث يهودا كاتس لم يُحل بعد، خصوصاً أن البحث في المقابر بعد 43 عاماً على عملية الدفن يبقى مسألة معقدة وتحتاج إلى الكثير من التدقيق، لأنّ جثثاً استخرجت منها ونُقلت إلى إسرائيل ولم تثبت فحوصات الـ 'DNA' التي أجريت عليها أنها لهؤلاء الجنود. عام 2019، مع النجاح في نقل جثة باومل كان أحمد جبريل القائد التاريخي للجبهة الشعبية القيادة العامة الموالي للنظام السوري، لا يزال حيّاً. بعد وفاته في 7 تموز عام 2021 انتخب خلفاً له مساعده طلال ناجي،أحد قيادات الجبهة التاريخيين، الذي اعتقل في 4 أيار قبل الكشف عن العثور على جثة فيلدمان ونقلها إلى إسرائيل. ولكن هل هو الذي أدلى بمعلومات عن مكان الجثة حتى تم إطلاق سراحه سريعاً؟ لأنه من الطبيعي أنه يعرف. وهل كانت هذه خدمة قدمها النظام الجديد قبل لقاء رئيسه أحمد الشرع مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في السعودية، وبعد المعلومات التي تحدثت عن اتصالات مباشرة وسرية بين النظام الجديد وإسرائيل؟
في أي حال لم تكن تلك المرة الأولى التي تبحث فيها إسرائيل عن مفقوديها في المقابر وبين الجثث.
يتبع الأربعاء 21 أيار 2025:
أربعة رجال في المقبرة اليهودية في دمشق
محاولة خطف جثة إيلي كوهين
انتبه الكلب فتركوا الكفن وفروا إلى لبنان