اخبار لبنان
موقع كل يوم -درج
نشر بتاريخ: ٢٨ أذار ٢٠٢٥
فوز كريم سعيد بحاكمية مصرف لبنان ، وبما يمثل من رؤية مصرفية، وتقاطع سياسي مصرفي، مؤشر وازن عن الخصومات السياسية المتهافتة بين أطراف السلطة كما عن مدى ارتباط الأخيرة بالقطاع المصرفي ، ارتباط تشي به العلاقات الوطيدة بين مجالس إدارات الأخير مع زعماء الأحزاب.
يكفي أن يتقاطع الرئيسان جوزاف عون ونبيه بري على كريم سعيد لمباشرة سوء الظن بالحاكم الجديد لمصرف لبنان.
ويكفي أن تتقاطع الإدارة الأميركية معهما لتذكير الكثيرين بدروس تقاطع المصالح، آخرها التقاطع بين 'الممانعة'، وقد مثلها نبيه بري، وبين خصمها المفترض، أي الولايات المتحدة الأميركية، وتقاطع كهذا يفضي في ما يفضي إلى أن ناظر بيت مال اللبنانيين الجديد يأتي إلى موقعه مُحصِّناً غايات ثلاث.
إذ صار معلوماً أن سعيد مستعدّ للمسّ باحتياطي الذهب في سياق طلب أميركي، وعارض متحفز، وفي ظل إدارة جمهورية مفتوحة الشهية على لعبة المال، ودلالاتها في رجلها الجشع دونالد ترامب.
ومن سوء الظن، أن يزكي رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري مرشح رئيس الجمهورية لاعتبارات وشت بأن الحاكم الجديد لا يتقاطع مع صندوق النقد الدولي، ومع شروط الإصلاح المالي ، والتي في صلبها التحقيق في الأسباب المفضية إلى الانهيار الاقتصادي، وبري يمثل أحد أبرز مصادره منذ أكثر من ثلاثين عاماً.
وسوء الظن إذ يباشر، فهو يباشر من تبني رئيس الجمهورية سعيد، بل وإصراره عليه كفرض لم يلبث أن تلقفته غالبية القوى السياسية، والمسيحية تحديداً.
مثّل القطاع المصرفي (منذ تأسيسه) في الوعي المسيحي ما يمثله السلاح حاضراً في وعي 'حزب الله'وبيئته. نحن إذاً أمام حالتي 'قداسة' لا تمسان. والحالتان كانتا في العقد الأخير من أبرز الاعتلالات المفضية إلى المأساة الراهنة التي يعيشها اللبنانيون.
وإذ صار معلوماً الدور الخبيث الذي لعبته المصارف اللبنانية في أسباب الانهيار، وتحديداً في حجز أموال أكثر من نصف مودعيها، وما يرشح عن تواطؤ ضمني أتى بالحاكم الجديد لتبديد قيمة هذه الودائع كديون على دولة قاربت إفلاساً مالياً، يصير هذا التواطؤ، آخر فصول المأساة المالية التي وعد رئيس الجمهورية في قسم انتخابه بعلاجها.
بكريم سعيد حاكماً على مصرف لبنان، تتباعد المسافة بين واقعين، والرئيس عون ليس إلا رجلهما.
فالآتي من مؤسسة عسكرية تفترض بالضرورة من عديدها تجاوز المظاهر الطائفية، وهو كان على رأسها، لم يلبث ، ومن موقع سياسي راهن يمثل رأس السلطة، أن تماهى مع القدسية الآنفة الذكر، وبدا منحازاً إلى نزعة تقتضي عدم المس بقطاع مصرفي يقيم في وعي جمعي مسيحي كآخر دلالات ما كان عليه لبنان في زمن 'المارونية السياسية'.
مثله فعل سمير جعجع، 'الحكيم' الذي ما انفكت 'حكمته' عند جمهوره، تتأتى من القطع مع الممانعة، كان اليوم شريكاً معلناً لها، وإن بعلتين مختلفتين، لكنهما بالمحصلة تتقاطعان على تهشيم أولى بوادر الإصلاح ومساءلة الفاسدين. ظلالة سمير جعجع والحال كانت ناجزة، وبدت مشهدية وزيره يوسف رجي المتلازمة مع تصويت وزراء القوات اللبنانية لكريم سعيد، ليست إلا ظلاً إصلاحياً صوتياً، ومتهافتاً، أمام مقصلة موعودة لأموال المودعين اللبنانيين، والتي شارك جعجع ووزراؤه في نصبها.
وليس ترفاً ما أفضت إليه أسباب تحفظ رئيس الحكومة نواف سلام على الحاكم الجديد. سلام أفشى سببين بدلالات عميقة عن مصير أموال المودعين، وعن خزينة الدولة، ومكثفاً من موقعه السياسي ، ما شاع عن تواطؤ سياسي ومصرفي للإتيان بكريم سعيد، وأيضاً، مبدداً مضمون مواجهة مفتعلة من المصارف وإعلامها مع منصات وثقت سرقة أموال المودعين.
فوز كريم سعيد بحاكمية مصرف لبنان ، وبما يمثل من رؤية مصرفية، وتقاطع سياسي مصرفي، مؤشر وازن عن الخصومات السياسية المتهافتة بين أطراف السلطة كما عن مدى ارتباط الأخيرة بالقطاع المصرفي ، ارتباط تشي به العلاقات الوطيدة بين مجالس إدارات الأخير مع زعماء الأحزاب.
هي والحال جلسة حكومية تكفلت بأمرين. الأول أن رئيس حزب 'القوات اللبنانية' سمير جعجع ، كما النائب سامي الجميل، أرادا فقط وراثة 'سلطوية' جبران باسيل، وبكل موبقاتها. فيما تكثيفهما للخصومة مع 'حزب الله'، وحصرها بسلاحه، يتبديان في أحسن الأحوال استثماراً في وعي مسيحي عارم ورافض له.
هي إذاً لعبة السلطة، وقد مارسها باسيل بتكاذب معلن لا يرتقي إلى تكاذب مستتر من الوارثَين.
عودٌ على بدء إلى تقاطع الرئيسين جوزاف عون ونبيه بري على تعيين كريم سعيد حاكماً لمصرف لبنان، وعودة إلى ما سبقها من تعيينات عسكرية وإدارية. عودتان يفترض أن يباشر المرء منهما فعل التصديق لكل ما وشت به خلوة الساعتين بين الرئيس عون، وبين النائبين محمد رعد وعلي حسن خليل، والتي سبقت انتخابه رئيساً للجمهورية.