اخبار لبنان
موقع كل يوم -جنوبية
نشر بتاريخ: ١٥ أذار ٢٠٢٥
بعد نقد الشيخ عباس حايك الاول لمقال السيد احمد النجفي الذي اشاد فيه بنظرية 'وحدة الامة' وادراجها كمقصد شرعي سادس ابتدعه الاستاذ الاصولي الجعفري السيد علي الامين، ننشر في موقعنا اليوم الرد الثاني على السيد النجفي، الذي كان قد ارسل قبل يومين رده الاول على النقد المذكور، على امل ان تثري هذه الردود المتبادلة النقاش العقلي المفيد.
من المفترض في أي رد علمي أن يكون امتداداً للنقاش، لا قفزاً عليه أو التفافاً حوله، لكن حين يُترك السؤال الأساسي بلا إجابة، ويُجاب عن غيره، فهذا يدل على عجز عن المواجهة العلمية، وإما على محاولة توجيه النقاش إلى مسار آخر، هروباً من المأزق الحقيقي. هذا تماماً ما فعله السيد أحمد النجفي في مقاله الذي أراد أن يكون رداً علينا، فجاء بعيداً كل البعد عن جوهر النقد الذي قدمناه لمبنى الفقيه السيد علي الأمين حول اعتبار 'وحدة الأمة' مقصداً شرعياً مستقلاً ضمن ما أسماه بـ'المقاصد الشرعية السياسية'.
عن النقد الأصلي: ماذا قلنا؟
عندما ناقشنا طرح السيد علي الأمين، لم يكن اعتراضنا على فكرة وحدة الأمة من حيث هي مبدأ عام، بل كان نقداً لتأصيلها كمقصد شرعي مستقل. تساءلنا حينها:
ما الدليل الأصولي على اعتبار 'وحدة الأمة' مقصداً شرعياً مستقلاً؟ وهل يمكن إدراج هذا المفهوم ضمن المقاصد بناءً على القواعد الأصولية، أم أنه تأويل توسعي حيث يخدم رؤية سياسية معينة؟ وإذا كانت وحدة الأمة مقصداً شرعياً، فلماذا لم يُذكر هذا الأمر في التراث الأصولي المعروف للمقاصديين الكبار كالشاطبي وابن عاشور وغيرهم؟
عندما ناقشنا طرح السيد علي الأمين، لم يكن اعتراضنا على فكرة وحدة الأمة من حيث هي مبدأ عام، بل كان نقداً لتأصيلها كمقصد شرعي مستقل.
هذه كانت إشكالياتنا الجوهرية، وهي أسئلة مشروعة تحتاج إلى إجابات علمية، لا إلى تجشمات ولا إلى خطابات وعظية عن أهمية تقبل الرأي الآخر!
عن رد أحمد النجفي: ماذا قال؟
بدلاً من مناقشة هذه التساؤلات، جاء رد النجفي متجاهلاً لها تماماً، واكتفى بتوجيه الحديث نحو قضية أخرى، وهي ضرورة احترام الرأي الآخر ورفض العنف في مواجهة المخالفين. حسناً، ومن قال إننا دعونا إلى قمع المخالفين أصلاً؟!
بل على العكس، نقدُنا هو ممارسة طبيعية للاختلاف العلمي، وهو أبعد ما يكون عن القمع أو المصادرة. لكن يبدو أن النجفي، أراد أن يُظهر المسألة وكأنها صراع بين 'إصلاحيين منفتحيين' و'تقليديين متشددين' في محاولة لإغفاء الطرح من المساءلة النقدية الجادة.
إشكالية التوظيف السياسي للمقاصد
من الواضح أن إدراج 'وحدة الأمة' ضمن المقاصد الشرعية السُداسية ليس اجتهاداً مقاصدياً بالمعنى العلمي الدقيق، بل هو توظيف سياسي للمفاهيم الشرعية في سياق معاصر. فبدلاً من الاستناد إلى أصول البحث المقاصدي، يتم استدعاء مفاهيم حديثة وإدراجها في منظومة التراث الفقهي دون ضوابط واضحة، مما يؤدي إلى خلط بين التأصيل الفقهي والمواقف السياسية.
إن كنا سنعتمد هذا الأسلوب 'السردابي' فلماذا لا نضيف ' الديمقراطية' و'التعددية' و'الحرية' و'التسامح' بل أضيفك، كل ما هو جائز أن تجعله مقصداً، حتى تعتبر أن احترام الوالدين مقصداً؟ الا نستطيع ان نجعلها كلها مقاصد شرعية جديدة أيضاً؟ لا أحد ينكر أهمية هذه المفاهيم في بناء المجتمعات الحديثة، لكن تحويلها إلى 'مقاصد شرعية' دون ضوابط علمية يجعل باب الاجتهاد المقاصدي مفتوحاً لكل التأويلات السياسية، بعيداً عن المنهجية الأصولية الرصينة.
بدلاً من الاستناد إلى أصول البحث المقاصدي، يتم استدعاء مفاهيم حديثة وإدراجها في منظومة التراث الفقهي دون ضوابط واضحة، مما يؤدي إلى خلط بين التأصيل الفقهي والمواقف السياسية
الخلاصة: فلنعد إلى أصل النقاش
الرد الحقيقي لا يكون بالهروب إلى عناوين فرعية، بل بمواجهة الأسئلة المطروحة والإجابة عليها علمياً. فإن كان لديكم او لدى السيد علي الأمين دليل أصولي مقنع على اعتبار 'وحدة الأمة' مقصداً شرعياً مستقلاً، فليقدمه. أما أن يتحول النقاش إلى محاضرات عن ضرورة احترام الرأي الآخر، فهذا ليس رداً، بل مراوغة وفذلكات كلامية وعبث بالألفاظ لا تليق بمقام البحث العلمي الجاد.
نحن هنا نناقش بناءًا فكرياً وفقهياً، ولسنا في جلسة شعرية ووعظية عن أهمية 'وحدة الأمة'. فهل من رد حقيقي هذه المرة؟