اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٢١ أيار ٢٠٢٥
كتب ناصر قنديل في 'البناء'
– بينما يهلّل ويطبّل جمع من الإعلاميين والسياسيين في لبنان والبلاد العربية لقدرة إسرائيليّة استثنائيّة على الفوز بالحروب، مستندين إلى حجم الدماء والدمار الناجمين عن الحروب الإسرائيلية، وما في هذا الاستنتاج من سذاجة وسطحية، أو انخراط في منح هذه الحروب فرص تحقيق نجاحات، عبر الاشتراك في خلق مناخات من الانهزام في ساحات الاشتباك مع “إسرائيل”، بعدما صار هذا هو الطريق الوحيد كي تنتصر “إسرائيل، فكل من يقرأ تاريخ الحروب سوف يجد أنه في غالب الحروب فاز الطرف الذي تكبّد الخسائر الأعلى، كحال روسيا القيصريّة في مواجهة حرب نابليون، والاتحاد السوفياتي في مواجهة حرب هتلر، وقد خسر الاتحاد السوفياتي إضافة لتدمير مدنه الكبرى أكثر من عشرين مليون جنديّ ومدنيّ، بينما لم تصل خسارة ألمانيا الى مليوني جنديّ ومدنيّ، لكن الاتحاد السوفياتي انتصر وهُزمت ألمانيا النازية.
– محرّكات الدفع في الحروب الإسرائيلية ليست الطائرات والدبابات والأساطيل البحريّة ولا الأموال والأسلحة، ورغم أهميّة هذه العناصر فإن “إسرائيل” تكتشف حديثاً محدودية دورها في صناعة النصر، وتدرك أن مؤشرات يحملها استطلاع للرأي العام يقول إن نسبة مؤيّدي الحرب تراجعت الى ما دون الـ 20% تعادل خسارة جيش الاحتلال عدداً من مصادر قوته مثل تدمير سلاح الجو أو وقوع آلاف الجنود في الأسر، ذلك أن محرك الدفع الأول في حروب “إسرائيل”، هو التماسك في الجبهة الداخلية حول الحكومة والجيش، وعلى هذا الصعيد من الواضح أن الحرب على طوفان الأقصى، وبعد الانهيار الذي أصاب الكيان، قد حازت في الأيام الأولى دعماً خيالياً كان يتجسّد عبر استطلاعات الرأي، بأرقام تراوحت بين 94% و97% من التأييد، منها 70% من الغضب و50% من روح الانتقام، وقد بدأت بالتراجع تدريجياً مع ظهور طول أمد الحرب وتعقيدات الانتصار فيها، حيث بلغت 58% في تموز 2024، وعادت وصعدت مع تحقيق إنجازات في الحرب، خصوصاً على جبهة لبنان، لكنها لم تعد إلى ما كانت عليه وبلغت 66% لتنخفض مع الأنباء السيئة التي حملتها مواجهات الحافة الأماميّة لجبهة لبنان، وتساقط الصواريخ على عمق الكيان، لتبلغ 38% عشية وقف إطلاق النار مع لبنان، لكن مؤيّدي الحرب اليوم عند حافة الـ 20% فقط، وهم معرّضون للتناقص مع كل صاروخ يمنيّ يتسبّب بنزول الإسرائيليين إلى الملاجئ يومياً، ومع كل جثة ضابط أو جندي تعود من غزة.
– محرك الدفع الثاني هو تماسك الجيش وروحه القتالية وتماهي رؤيته مع رؤية الحكومة لمفهوم الأمن القوميّ وعلاقته بالحرب، وكان هذا هو الحال في بداية الحرب مع استدعاء الاحتياط، ومع تقدّم الحرب بدأت ترتفع الأصوات التي تقول إن الحرب فقدت موقعها من أيّ مفهوم للأمن القومي، وأنها أنجزت ما تستطيع إنجازه ومواصلتها تتم لأسباب سياسية لا علاقة لها بالأمن القومي، وتصاعدت درجة الافتراق بين المؤسسة العسكرية والحكومة في النظر للحرب، وبدأ الجنود يشعرون بأن مشاركتهم بالحرب مخاطرة عبثية، حيث ينتظرهم الموت دون قدرتهم على التأثير بوجهة الحرب. وحملت أنباء الأسابيع الأخيرة، تقارير إسرائيلية تشير إلى توقيع عشرات آلاف الضباط والجنود على عرائض ترفض الحرب، وأنباء رفض ثلثي جنود وضباط الاحتياط الالتحاق بالجيش والحرب، وكثيرة هي التعليقات التي يبديها كبار الجنرالات السابقين حول فقدان ألوية النخبة للكثير من طواقهما وبقاء الفراغات الهيكليّة البشرية دون ترميم أو تعويض، مع الكثير من التفاصيل حول تراجع الروح القتالية إلى درجات غير مسبوقة تسجلها أرقام الهاربين من جبهات القتال.
– محرك الدفع الثالث كان دائماً علاقات “إسرائيل” بالغرب، حيث ينظر الشارع الغربي لـ”إسرائيل” كقوة مثالية متمدّنة وحضارية تشبه الغرب وتمثله في شرق متخلّف وجاهل ومتوحش، وفي خلفية الموقف حضور قويّ لعقدة الذنب تجاه كون المحرقة التي تعرّض لها اليهود في ظل النازية جرت في بلاد الغرب وبأيد غربية، ولذلك كان سهلاً أن يتبنى الغرب دائماً الرواية الإسرائيلية لكل الحروب، كما كان سهلاً الحصول على الأسلحة الغربية والأموال الغربية. وبالنيابة عن هذا الموقف الشعبي كانت الحكومات الغربية وكلها مؤيدة لكيان الاحتلال، تقدّم كل ما يحتاجه الاحتلال مالاً وسلاحاً وإعلاماً، وصولاً إلى الضغط على المؤسسات الدولية من مجلس الأمن إلى آخر مستويات التمثيل في منظمات الأمم المتحدة، مروراً بمحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، والهدف واضح حماية “إسرائيل” من المساءلة والمحاكمة، بينما رأينا في هذه الحرب كيف بدأ انقلاب الشارع الغربي، وكيف حلت المظلومية الفلسطينية مكان رواية المظلومية الإسرائيلية، وكيف بدأ الحديث عن قادة الكيان كمجرمي حرب وتجميع التواقيع لمحاكمتهم، وها نحن نشهد تعاظم ظاهرة المقاطعة الاقتصادية، ونشهد تعاظم التظاهرات المندّدة بالحرب، لكن التحوّل الأهم كان ما بدأ خلال يومين من محاولة لتشكيل حلف غربيّ فرنسيّ ألمانيّ كنديّ، يدعو لفرض العقوبات على “إسرائيل”.
– بمن وبماذا سوف تقاتل “إسرائيل” لفرض الموضوعات التي بات مصير حكومة بنيامين نتنياهو مرتبطاً بها، إذا كان المجتمع والجيش والغرب، لم يعودوا يرون أن حروب نتنياهو هي حروبهم؟