اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ١١ نيسان ٢٠٢٥
تعقيباً على استقالة إعلامية من تلفزيون لبنان بسبب منعها من الظهور على الشاشة المذكورة بسبب حجابها، وعلى الجدل المثار حول هذه المسألة المهمّة بأبعادها ومفاعيلها العميقة، يتحتّم التذكير، والتشديد، بأنّ الجمهورية اللبنانية ليست الجمهورية الفرنسية الخامسة! والنظام اللبنانيّ لا يتبنّى، بأيِّ شكلٍ من الأشكال، العلمانية الفرنسيّة الهجينة المسخة والزائفة المنافقة التي تحارب الحرية والدين كأن تقمع المرأة المسلمة المحجّبة وحجابها وتضيّق الخناق عليها ثمّ تزعم، زوراً وبهتاناً، الدفاع عن «قِيَم العلمانية» متذرّعةً، ذرّاً للرماد في العيون، بالحقوق الطبيعية وحقوق الإنسان، والمرأة تحديداً، وبمناصرة الحريات الأساسية والخاصة والعامة، تحت حجج لا تنطلي على العاقل.
عطفاً على وقاحة واعتباطية وتعسّف وعدم موضوعية وعدم أخلاقية وعدم ملاءمة وعدم أحقية وعدم قانونية وعدم دستورية قرار تلفزيون لبنان التمييزيّ والظالِم ذات الصلة، يقتضي أن تُساءَل، وتُسأَل استطراداً، كافة الجهات العديدة والمتنوّعة المعنيّة، إن بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، بهذا الموضوع: ماذا يكون موقفها مثلاً في ما لو أصيبت إحدى مذيعات أو مراسلات تلفزيون لبنان بمرض السرطان (لا سمح لله. فلقد حدث ذلك سابقاً، أقلّه مع مؤسسات إعلامية أخرى، وحديثاً أيضاً) وشاءت واستطاعت مواصلة عملها خلال فترة علاجها؟ هل تُمنَع من الظهور الإعلامي لمجرّد كونها مغطّاة الرأس بسبب مقتضيات العلاج الصحّيّ؟ في واقع الحال، إنّ الأمر سيّان ما بين الواجب الطبي الإستشفائي والواجب الديني الشرعي والحشمة (وهي نسبيّة، ويقتضي احترام التنوّع ومراعاة التعدّديّة والإنفتاح حتّى بهذا الشأن). ويشير هذا المثل البسيط على مدى عبثيّة وسطحيّة القرار أعلاه المشكو منه.
لا بل ان الأمر يُفترَض أن يعود مطلقاً إلى إرادة ومشيئة وحرية الإعلامية، أياً تكن الأسباب والدوافع الكامنة وراء قرارها الذاتيّ بتغطية رأسها: فهذا شأن وقرار شخصيّ بحت قائم على مشيئتها ورضاها الحرّ، لا علاقة لتلفزيون لبنان به أو بولوج حيثياته وخلفياته وتقييمها استنسابياً أو وفق اعتبارات ومعتقدات وطائفة كل إعلامية على حدة.
حرصاً على تلفزيون لبنان وعلى دولة الحقّ والقانون والمؤسسات والديمقراطية ومبادئ فصل السلطات وتدرّج القواعد القانونية في لبنان، ندعو كافة المرجعيات المختصة إلى إجراء كل ما يلزم لاستدراك هذا الأمر المستعجل في أسرع وقت ممكن. نخصّ بالذكر وزير الإعلام المحامي د. بول مرقص ورئيس مجلس الوزراء القاضي نواف سلام، وكلاهما ذات التخصّص الحقوقي والدستوري (وليس فقط القانوني) مهنياً (من كفّتَي جناحَي العدالة) وأكاديمياً. فالخطورة داهمة على الإعلام ورسالته ومنظومة ومفاهيم الحقوق والحريات والدستور نصاً وروحاً في لبنان والنظام العام اللبناني ونظام الجمهورية اللبنانية وهويّة لبنان والتزاماته الدستورية والحقوقية والقانونية الإقليمية والدولية وفلسفته القائم عليها برمّتها.
وهذا النداء الأساسيّ موصول إلى مرافق عامة وخاصة وجهاتٍ أخرى في لبنان تحظر المرأة المحجّبة، أقلّه عرفاً مخالفاً وتطبيقاً شاذّاً بالفعل والواقع، من الإنتساب المهنيّ أو من ممارسة العمل لديها... ومنها السلك والجسم القضائيّ، ويا لأسف العدالة والحقّ والحرية والمساواة والإنصاف والنظام والقانون والدستور والشعب اللبناني الذي تصدر الأحكام والقرارات القضائية باسمه!
المحامي د. غدير العلايلي