النقد والنقّاد

إتّفقت كل المدارس الأدبية والفنية على اختلاف إنتماءتها: «أن لا فن بلا نقد، ولا نقداً بلا ناقد يشبه إلى حدٍّ ما الصائغ الذي يُميّز المعدن الثمين من المزيّف...». والناقد عندما يدرس أي عمل لمبدع ما، إنما يوجّه بحثه نحو دراسة الواقع الذي نشأ من خلاله والظرف الذي أحاطه، ومن ثم يحلل العناصر الفنية التي قام عليها العمل، وبعد ذلك يعطي رأيه العلمي والموضوعي، البعيد كل البُعد عن الأهواء الخاصة، وبذلك نكون أمام نقد حقيقي وناقد صادق، وضع نصب عينيه القيم الجمالية والإبداعية فقط، ومن ثمَّ يُبدي رأيه، وعن هذا قال الأديب عباس محمود العقّاد: «إن هذه السُّنة، نشأت في تقدير كل كلام، فليس عندي أشدّ خطأ من القائلين: أُنظر الى ما قيل، لا إلى من قال.. ولا أستطيع أن أفهم كلاماً حق فهمه، إلّا إذا عرفت صاحبه، ووقفت على كل شيء من تاريخه وصفاته». هذا الكلام يُبرز الترابط بين الكلمة وصاحبها أو اللوحة والمنحوتة.. ونحن لا نستطيع دراسة الأدب الجاهلي أو الأندلسي دون الدراية بالقيم والظروف الإجتماعية والثقافية والسياسية التي رافقت هذه الحقبة أو تلك، ذلك لأن الأديب ابن بيئته.

ومن هنا ننطلق لنسأل: هل هذا المقياس ينطبق على النقد والنقّاد في زمننا؟ ولو ألقينا نظرة على واقعنا النقدي لوجدنا أننا أمام الإيجابي والسلبي على حدّ سواء وان المؤمنين بأن الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، كُثر والحمد للّه.. والناقد يشبه الطبيب حين يُشخّص المرضى، إنما يهدف الى علاجه والقضاء عليه لذلك يجب أن يتمسّك الناقد بالمقاييس والمعايير العلمية وأن لا تلعب السياسة دوراً في طرحه وأن لا يطال النقد الإنسان وعزله عن الكلمة التي قالها، لأن في هذا ظلم يتعرّض له الكثير من المبدعين بسبب أنانية البعض!