اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٢ تموز ٢٠٢٥
في عالمٍ تصدحُ فيه أصواتُ المدافع أكثر مما تتردّدُ فيه أنغامُ السلام، تشتاقُ الشعوب إلى راياتٍ بيضاء، وتشتاقُ الأرض والنفوسُ إلى القليلِ من الهدوء، فالتاريخُ لا يُكتبُ فقط بالدم، بل أحياناً يُكتب بالتنازلات، بالحكمة، وبشجاعةِ من يمتلكون جرأة السلام.
لا يأتي السلامُ إلا بعد إزهاقِ الكثير من الدماء، وهذا ما وثّقه التاريخ، مرّاتٍ كثيرة، حيث يتصافحُ ألدّ الأعداء من أجل خيرِ شعوبهم، والامثلة على ذلك كثيرة.نبدأ من العدوّين التاريخيّين، ألمانيا وفرنسا، اللذين خاضا حربَين عالميّتين، حصدتا أكثر من 80 مليون ضحية وخسائر بمئات مليارات الدولارات مع دمارٍ كبيرللمدن خصوصًا في شمال وشرق فرنسا، وانهيارٍ كاملٍ للاقتصاد الالماني. ومع ذلك، وبعد أن لفظت المدافعُ أنفاسها، قرّر المستشارُ الألماني كونراد أديناور والرئيس الفرنسي شارل ديغول أن يجلسا معاً، ويُعلنا انطلاقةَ ما يُعرف اليوم بالاتحاد الأوروبي ويبنيا سويًّا علاقاتٍ سياسيّة واقتصادية قوية. سلامٌ لم يكن فقط وثيقة، بل مشروعًا حضاريّا استراتيجيًّا.كثيرة هي المخاضات التي عاشتها القارة العجوز، فالحروبُ الطائفية والسياسية بين إيرلندا الشمالية والمملكة المتحدة، أي بين الكاثوليك والبروتستانت، أزهقت على مدى عقودٍ الكثيرَ من الارواح، وقدّرت خسائرها بمليارات الجنيهات الاسترلينية مع ركودٍ اقتصادي طويلِ الامد، إلى أن وجدت نهايةً لها عام 1998 مع توقيعِ اتفاق الجمعة العظيمة.
من أوروبا إلى إفريقيا... معاهدات عدّة غيرّت المسار، أبرزها المعاهدة بين قبائل الهوتو والتوتسي في رواندا، والتي تُعتبر درسًا للبشرية، بعدما أنهت مجازرَ دمويّة راح ضحيتها مئات الآلاف. أضف إليها، المصالحة الوطنية التي قادها نيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا وذلك بعد عقودٍ من نظامِ الفصل العنصريّ.من الجهة الاخرى من العالم، وتحديدا إلى الولايات المتحدة التي عرفت حروبًا استثنائية، بطليعتها حربها الباردة مع فييتنام التي كانت من أطول الحروب وأعنفها، اذ استمرت 20 عاما، قُتل فيها مئات الآلاف، وكلّفت اميركا أكثر من 168 مليار دولار أي ما يعادل اكثر من تريليون دولار اليوم، وكلّفت فييتنام دمارا شاملا للبنية التحتية وأرضا ملوّثة بالمواد الكيميائية. الطريقُ إلى السلام كان متعثرا، وسلكَ مسارًا دبلوماسيّا معقّدا، قبل الوصول إلى تعاونٍ سياسي واقتصادي وتبادلٍ تجاريّ في التسعينات.
أما تجربةُ اليابان فكانت مختلفة، فالحربُ فيها لم تقتصر على ضحايا تعدّى عددهم المليونين، ولا على الدمار الذي كان شبه كامل في عشرات المدن، إنما تعدّاه إلى السلاح النووي الذي استُعمل للمرة الاولى في التاريخ، حينما قصفت أميركا هيروشيما وناغازاكي. ورغم فظاعةِ الحرب هناك، إلا أن اليابان وجدت في السلام سبيلها للحلّ، والانتقال حتى تكون دولة سلميّة ومتطوّرة اقتصاديّا، لا بل باتت حليفًا استراتيجيًا قويّا لأميركا.