اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ١ تشرين الأول ٢٠٢٥
سافري.. سافري كما النسيم بداية كل صيف.. أنيري ظلمة القعر.. أزرق هواكِ.. أزرق مداكِ.. طوفي البحار.. حدثينا عن الأسماك الكبيرة وما تفعله بالأسماك الصغيرة! حدثينا عن ثلّة الحيتان التي تنقضّ على الجميع لتفترسهم.. حدثينا عى سمك القرش «لصوص البحر».. عانقي يا قناديل البحر طيور النورس.. حدّثيها عن عرائس البحر، لمّا بعينيها ترسم أحلى سراب ، يفتن الرجال وزوارقهم!!
حدّثيها عن الصياد الذي عاد بسمكة لم يبقَ منها سوى هيكلها العظمي، لكنه رغم ذلك ظل يحلم بسمكة أكبر وبلؤلؤ يجعله ملكاً متوّجاً.. ألم يقلْ له البحر يوماً: «أنا البحر في أعماقي الدرّ كامن»، فصدّقه ولا يزال!!
يا قناديل البحر يا أضواء آلهة اليونان، ذاك الرجل لا يزال يرى في عينيكِ وعداً بسنابل قمح، ولكن حين أصغت إليه الأصداف أطبقت أجفانها بانتظار بحّار ماهر، يعرف ما يخبّئه البحر وكيف يُخرج اللآلىء والمرجان، دون أن تُبهره أو تفتنه، وهو يدري أن السرّ والوعد أمرأة من نار، ترتفع مع بركان من متاهات اللامكان.. امرأة مثل الخيالات الفاتنات في الليالي الحالكات..
يا قناديل البحر، يا رائعة الحسن والجمال.. سحرٌ غريب يدعونا للإبحار.. ربما عالمك أفضل من عالمنا.. وأنت في حلّك وترحالك تشبهين النجوم.. ولكن ما أبعد النجوم.. التي وعدتنا وصدقناها.. ففي الليل تتعانق الأحلام وتبتسم في وجه ذاك المستوحد وتعده؟! وفي الليل تتّسع المسافات ويسيطر الانبهار على مدى وزمن لا حدود له.. من أجلنا يا قناديل البحر، أنيري دروبنا، فنحن منذ عام لا زلنا فوق الصليب.. مزقتنا الحروب من الشمال الى الجنوب.. الحزن برى القلوب.. مئة عام رمادية تجسم فوق صدورنا كالمدية ونحن نردّد مثل الببغاء: «ان الفرج قريب»، أغثنا يا رب السماء واغسلينا يا شمس الحرية، ففي الدنيا، بعيداً عن السادة، أطفال وزوارق وأحلام وعشاق وناس فقراء هم الضياء، هم القضية..