اخبار لبنان
موقع كل يوم -أي أم ليبانون
نشر بتاريخ: ٢٥ نيسان ٢٠٢٥
كتب سامر زريق في 'نداء الوطن':
لو كان لبنان بلداً مكتمل السيادة، لكان التصرّف الطبيعي هو طرد السفير الإيراني في بيروت، مجبتى أماني، ليس رداً على خرقه قواعد العمل الدبلوماسي، بتدخله الوقح في الشؤون الداخلية، بل لتعمّده التأخّر في تلبية استدعاء الخارجية إلى «اليوم التالي» بسبب انشغاله بالإعداد لظهوره على شاشة تلفزيونية محلية.
والحال أننا لا نزال في بدايات مرحلة انتقالية تطوي صفحة طويلة من الوصايات والاحتلالات، حيث يقود أركان الحكم الجديد مشروع «عودة الدولة» بتوازن دقيق ما بين مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وتفكيك البنية الاحتلالية لدويلة «حزب الله» داخل هرمية الدولة. واحدة من هذه البُنى الاحتلالية تكمن في الخارجية، التي يشكل وزيرها مع رئيسي الجمهورية والحكومة أركان الثالوث المنوط به دستورياً وقانونياً التعبير عن الموقف الرسمي للبلاد.
لذلك يسلّط «حزب الله» آلته الإعلامية وجيشه الإلكتروني على وزير الخارجية يوسف رجّي منذ تسلّمه الوزارة، محاولاً تصويره بأنه ينفذ أجندة حزب «القوات» على حساب الموقف الرسمي للدولة، ضمن سياسته الرامية إلى وضع الحكومة، التي بالكاد ينوف عمرها على شهرين، ومعها «العهد»، تحت وطأة ضغط عالٍ يهدف إلى عرقلة المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها البلاد وإفشالها. فيما أن المواقف التي يطلقها رجّي والقرارات التي يتّخذها تنسجم مع خارطة الطريق المُعبّر عنها بـ «خطاب القسم» و»البيان الوزاري» للحكومة لإعادة ترتيب علاقات لبنان الخارجية، وخصوصاً العربية منها، واستكمال مسار الانفتاح الذي يقوده رئيس الجمهورية عبر جولاته الخارجية. في حضور رئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف، ووزير الخارجية عباس عراقجي، ونائب قائد الحرس الثوري علي فدوي، ضمن وفد إيراني قدم للمشاركة بتشييع حسن نصر الله، قال الرئيس جوزاف عون بوضوح «لبنان تعب من حروب الآخرين على أرضه»، وأعرب عن موافقة ضيوفه الرأي «بعدم تدخّل الدول في الشؤون الداخلية للدول الأخرى» حسب البيان الرسمي للرئاسة. وبالتالي، فإن استدعاء السفير الإيراني إلى الخارجية يعد امتداداً لهذا الموقف، وواحداً من عناصر خارطة طريق «عودة الدولة».
بيد أن «حزب الله» لا يزال غير قابل ولا قادر على التكيّف مع هذه التحولات التي تطيح ببنية احتلالية عميقة في وزارة لعبت عقب اتفاق الطائف وحتى الأمس القريب دور الناطق باسم «وحدة المسار والمصير» مع نظام البعث إبان وصاية الأسدين، ثم استحالت منصّة متقدمة للمشروع التوسعي الإيراني في العمق اللبناني والعربي، في ترجمة عملانية لطبيعة المعادلات السياسية السائدة.
منذ أواخر عام 2000 حتى 2014، تولى الرئيس نبيه بري دور «الوصيّ» على الخارجية لحساب «حزب الله»، ثم حمل جبران باسيل المشعل عنه، أصيلاً ووصياً، وبتفوّق لا يحسد عليه. 12 حكومة، 23 عاماً ونصف العام، كانت مهمة «ناظر» الخارجية فيها عرقلة الإجماع العربي حول أي قضية فيها طرف إيراني، والانتقاص في المحافل الدولية من سيادة الدولة التي يمثلها من أجل الدفاع عن هيمنة «حزب الله»، وتحويل السلك الدبلوماسي إلى مرتع لمكافأة الأقارب والأزلام، فتوالت الفضائح التي أسهمت في تشويه سمعة لبنان أكثر فأكثر.
طوال تلك الفترة كانت أهم إنجازات الخارجية امتناع باسيل عن تأييد الإجماع العربي لإدانة الهجوم الغوغائي على السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد، خريف عام 2016، كسلفة على حساب ترشيح عمه للرئاسة. ومن المفيد تذكير المتباكين على حال الجيش بأن ثمن هذا الموقف كان تجميد المملكة هبة بقيمة 3 مليارات دولار لتسليحه، وأخرى بمليار دولار لتطوير الأجهزة الأمنية، وأثماناً لا نزال ندفع ثمنها حتى اليوم. أتبعها باسيل بإنجاز آخر برفضه إدانة هجوم «الحوثيين» الإرهابي على «آرامكو» عام 2019. ناهيكم عن فضيحة الوزير بالوكالة شربل وهبي، واعتداء مرافقي خلفه الوزيرة زينة عكر على الأمين العام للخارجية هاني شميطلي.
هذه لمحة موجزة كفيلة بإعطاء صورة عن صعوبة وتعقيد المهمة التي يواجهها يوسف رجّي إزاء الإرث الثقيل الذي آل إليه، والضريبة المتمثلة بتعاظم الحملات عليه أكثر مع كل خطوة سيادية جديدة لتخليص «الركن الثالث» من «رُهاب» الاحتلال، واستثمار الكفاءات اللبنانية، وخصوصاً الشبابية، لإعادة تشكيل السلك الدبلوماسي، فلا يعقل أن تستفيد منها أهم معاقل الدبلوماسية الدولية فيما وطنها محروم منها.