اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٧ تشرين الأول ٢٠٢٥
بعدما نفضوا عنهم غبار أكثر من خمسة عقود من الديكتاتورية الأسدية المقيتة في 8 كانون الأوّل عام 2024، سلك السوريون أوّل من أمس درب الديمقراطية الطويلة، وإن المجتزأة حتى الآن، والمشوبة بالكثير من المطبّات الطائفية والمذهبية والإثنية والتعرّجات السياسية. فالسوريون شهدوا الأحد أوّل انتخابات غير مباشرة لمجلس الشعب لاختيار نوابهم الجدد، ليحلّوا محلّ النواب السابقين الذين حُلّ مجلسهم، بعد فرار أسدهم، مخلفًا وراءه تاريخًا طويلًا من الاستفتاءات الشعبية الصُوَرية، التي كان يحظى فيها آل الأسد على 99.99 في المئة من أصوات السوريين المغلوب على أمرهم.
لا ريب في أن انتخابات الأحد، لم ترقَ إلى حدّ الانتخابات المباشرة الكاملة الأوصاف، فالرئيس السوري أحمد الشرع الذي خلع عنه بزة المقاتل الإسلامي، في الظاهر على الأقل حتى الآن، واستبدلها بربطة العنق، محاكيًا النمط الغربي، عيّن في وقت سابق لجنة عليا شكّلت هيئات مناطقية ناخبة، وهذه الهيئات البالغ عدد ناخبيها 6000، اقترعت لـ 140 نائبًا في مجلس الشعب، وتركت للرئيس السوري تعيين ثلث نواب المجلس المتبقي.
لا شك أيضًا في أن العديد من شرائح المجتمع السوري لحق به غبن، فعملية الاقتراع لم تشمل كافة المحافظات السورية، بل استثنت محافظات السويداء والرقة والحسكة. وبينما عزت سلطات دمشق هذا الاستثناء لأسباب أمنية ولافتقارها إلى بيانات موثوقة للسكان، بعد نزوح الملايين منهم داخل البلاد المترامية الأطراف، ولجوء ملايين آخرين إلى خارجها بسبب الحرب، وفقدانهم أوراقهم الثبوتية، ردّ المستَثنون الأمر إلى أسباب سياسية بحتة. وفي هذا الإطار، علت أصوات كردية، مندّدة بعدم تمثيلها في المجلس الجديد، ومعتبرة نفسها بحِلّ من قرارات مجلس الشعب الوليد، وحملت بشدة على تعيين الرئيس ثلث أعضائه، كونهم سيدورون حتمًا في فلكه التشريعي، وسيغضّون الطرف عن أي مشاريع قوانين قد تلحق الغبن بطوائف معيّنة، ولا يمثّلون الإرادة السياسية المتنوّعة لـ فسيفساء المجتمع السوري.
لذلك، يرى المراقبون المتشائمون، أن الانتخابات غير المباشرة التي يتغنى بها صنّاع القرار الجدد في دمشق، بعيدة سنين ضوئية عن المشاركة الديمقراطية الحَقّة لأي شعب ديمقراطي ومتطوّر، ويعتبرون أنها عُلّبت وفُصّلت على قياس إسلامي واحد، بغرض تشكيل برلمان جديد بمقياس النظام الوليد، الذي يجهد إلى تعزيز قبضته السياسية والسلطوية والأمنية، ليحل محل النظام الأسدي البائد.
كذلك، يعتبر بعض السوريين، أن هناك ظلمًا لحق بالنساء السوريات في هذه الانتخابات، بحكم أن المجتمع السوري هو مجتمع ذكوري، شأنه شأن المجتمعات العربية الذكورية المحيطة، لذلك يأملون من رئيس البلاد تعويض هذا الخلل ومعالجة هذه الثغرات، وتصحيح الغبن اللاحق بالنساء، كما بسائر مكونات المجتمع العرقية والطائفية، خلال تعيينه الثلث المتبقي من مجلس الشعب.
وإذا كان الرئيس السوري الشاب الذي نال إعجاب قادة غربيين وعلى رأسهم قاطن البيت البيض، أكد في يوم الانتخاب أثناء زيارته مركز الاقتراع الرئيسي في العاصمة دمشق، أن مسؤولية بناء سوريا تقع على كاهل جميع السوريين، فإن على رئيس البلاد نفسه أن يمنح جميع السوريين الحقوق عينها، وأن يكون المواطنون السوريون سواسية أمام القانون في الحقوق والواجبات، وأن تكون فرصهم متساوية، بعد أن يطمئنوا جميعًا إلى البندقية السورية الموحدة، وأن يُزال قلق حوادث العنف الطائفي التي عصفت بالساحل السوري قبل أشهر، وكذلك في السويداء، حيث النفوس مشحونة بوقود طائفي، في محافظة لا تزال شبه محاصرة حتى الآن، وخارجة عن كنف الدولة المركزية، وتدور في فلك دولة جارة لدودة.
في المقابل، يعتبر المراقبون المتفائلون، أن الانتخابات الأولى في حقبة سوريا الجديدة، أرست المدماك الأوّل في رحلة الألف ميل الديمقراطية، رغم بعض الشوائب التي اعترت الآلية الانتخابية، وقارن المراقبون بين الاستفتاءات الشكلية والإجبارية التي كان السوريون يبايعون فيها عائلة الأسد الديكتاتورية، مرغَمين طائعين، وبين انتخابات غير مباشرة في زمن الشرع، حملت الحدّ الأدنى من النَفَس الديمقراطي، لشعب سوري عانى الأمرّين، ويتعطّش لتنشّق عَبق الحرّية، في زمن التحوّلات الإقليمية، بعد سنين طويلة تجرّع خلالها مرارة القمع والذل.