اخبار لبنان
موقع كل يوم -الكتائب
نشر بتاريخ: ١٧ أيار ٢٠٢٥
وفق كل المعايير؛ لا يمكن التقليل من تأثيرات الزيارة 'التاريخية' للرئيس الأميركي دونالد ترامب الى المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة والى قواعد عسكرية. فاعتبار البعض أنها بهدف جني المغانم الاستثمارية والمالية، لا يُقلِّل من أهميتها السياسية والأمنية، وقد شكَّلت حدثاً كبيراً جداً في المنطقة برمتها، وليس في البلدان التي زارها فقط.
زيارة الرئيس الجمهوري 'الاستثنائي'؛ ألغت مفاعيل المقاربات الديمقراطية التي أسس لها الرؤساء بيل كلينتون وباراك أوباما وجو بايدن، ويمكن القول إن نظرية الفوضى البناءة التي اعتمدها الديمقراطيون من خلال تشجيع التطرُّف ثُمَّ العودة لمحاربته في آنٍ واحد، وعبر توتير الصراعات الدينية والمذهبية (لا سيما منها السنية – الشيعية) قد ولَّت، والجفاء الذي كان قائماً مع العروبيين ومع السنة بشكلٍ عام؛ تلاشى، وتبدَّلت الأولويات الأميركية، وعاد الخليج العربي محور الاستقطاب، ولا يمكن الاستخفاف بما يمكن أن يؤثر ذلك على المستقبل.
المفاعيل السياسية والأمنية للزيارة
والبارز في سياق المفاعيل السياسية والأمنية للزيارة التاريخية؛ تجاهل الرئيس ترامب لإسرائيل، وعادةً ما كان الرؤساء الأميركيون - خصوصاً الديمقراطيون – يبدأون زياراتهم الى المنطقة من تل أبيب، وقد تجاهل ترامب هذه الأولوية، برغم مطالبة الحكومة الإسرائيلية بها. فهل يحمل هذا التجاهل تبدلاً جوهرياً في السياسة الأميركية الداعمة على الدوام للإعتدءات الإسرائيلية؟ أم أن هدفه حرمان رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو من استثمار الزيارة لغايات انتخابية. علماً أن ترامب لم يكُن مُنصفاً للفلسطينيين في تصريحاته على الإطلاق، ولم يتحدث عن الدولة الفلسطينية كما كان مُنتظراً، وإصراره على تحويل قطاع غزة إلى 'محمية أميركية' غير مفهوم على الاطلاق، رغم أنه لم يتحدث عن تهجير سكان القطاع الى الخارج كما حصل في مرات سابقة.
تجاهل زيارة القاهرة
وتجاهل زيارة القاهرة ليست أمراً عادياً ايضاً، فالعادة درجت أن يزور رؤساء الولايات المتحدة مصر عند قدومهم غلى المنطقة، والرئيس الأسبق باراك أوباما حدَّد سياسة واشنطن بمجملها بخطابه في جامعة القاهرة في 4 حزيران/يونيو 2009 والتزمت الإدارات الديمقراطية بعناوينه كاملةً في ما بعد. والمعلومات أكدت أن المسؤولين المصريين رغبوا في أن تشملهم زيارة ترامب هذه المرَّة، لكن الفتور بين الجهتين كان واضحاً، وتأجيل زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى واشنطن؛ لم يكن أمراً عادياً، فهو تجنَّب أن يوضع في موقف مُحرج مشابه للموقف الذي وُضع فيه الملك الأردني عبد الله بن الحسين مطلع شباط/فبراير الماضي، ومشاركة السيسي شخصياً، ومعه فرقة عسكرية مصرية في عيد النصر الروسي على الفاشية بموسكو في 9 أيار/مايو؛ ليس بعيداً عن سياق التطورات المرتبطة بالعلاقة بينه وبين ترامب، رغم صداقتهما القديمة.
وأبرزت النتائج السورية للزيارة الأميركية أهمية الجانب السياسي والأمني فيها، واستقبال ترامب للرئيس احمد الشرع في الرياض؛ ليس تفصيلاً على الاطلاق، كما أنه ليس مجرَّد مجاملة طلبها الأمير محمد بن سلمان، كذلك إعلانه عن رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، برغم أن بعضها يحتاج إلى قانون، ولا يرفع بقرار رئاسي فقط – كقانون ماغنيتسكي - فالأوضاع في سوريا انقلبت رأساً على عقب بعد اللقاء، وانفرجت الحالة الاقتصادية نسبياً، ومخاطر تقسيم سوريا وتفتيتها تلاشت بعض الشيء، والمجموعات غير المنضبطة التي كانت ترتكب موبقات وتجاوزات في السويداء جنوب سوريا وفي العاصمة وفي حلب؛ انكفأت بعض الشيء، والترتيبات التي يحكى عنها في الشمال؛ ستؤدي الى ذات النتيجة من الاسترخاء عند 'قسد' وفي الساحل، وأوهام قيام نظام مُتشدِّد دينياً، كما إقامة كانتونات طائفية تشجِّع عليها إسرائيل؛ أصبحت غير ممكنة التحقيق في ظل الاحتضان الأميركي والعربي للنظام، ووسط تأكيدات الرئيس الشرع أمام ترامب بأن 'سوريا ستكون بلد حريات وتحفظ أمن كل المكونات، ومُنفتحة على الاستثمارات الخارجية'.
أكبر صفقات من نوعها
بطبيعة الحال؛ فإن الأهمية السياسية المتقدِّمة للزيارة الأميركية؛ لا تقلل من تأثيراتها المالية والاستثمارية، وترامب ذاته قال إن الاتفاقيات التجارية والمالية والتسليحية والنفطية التي وُقِعَت أثناء الزيارة، تعتبر أكبر صفقات من نوعها في التاريخ (قيمتها حوالي 4 ترليونات دولار) والواضح أن ترامب كان يبعث رسائل إلى الداخل الأميركي من الواحات العربية، تساعده في تجاوز بعض الركود الذي أصاب الأسواق الأميركية من جراء رفع منسوب الرسوم الجمركية على السلع الخارجية، ويرد التحية لكُبرى الشركات والمؤسسات الأميركية التي وقفت معه في حملته الانتخابية. وهو يعرف أن الأسواق العربية الواعدة لديها قدرة على احتمال أعباء التقديمات المالية.
لم يشفِ ترامب غليل المُتحمسين لدعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ووقف العدوان الإسرائيلي عليه، ولا الذين كانوا يتطلعون الى اعلان هدنة في العلاقة مع ايران. أما اللبنانيون فحصلوا على تحذيرات بدل المعونات، وتأجلت الوعود لهم بالمساعدة الى ما بعد جمع السلاح، حتى أن الرئيس أحمد الشرع نسيَ شكر لبنان الذي يحتضن مليوني نازح سوري، بينما أغدق بالثناء والشكر على كل الآخرين.
Like our kataeb.org Facebook Page