اخبار لبنان
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١٧ أيار ٢٠٢٥
جاء ليل الثامن من ديسمبر 2024 ليقلب المعادلات مع تمكن المعارضة من إسقاط نظام الأسد
كلمات قليلة من الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الرياض كانت كافية لطي صفحة نصف قرن من العقوبات الأميركية على سوريا، فاتحاً أمامها أبواب التجارة العالمية، والعودة للنظام المصرفي الدولي، وتحويل الأموال بصورة مباشرة ومشروعة، ناهيك باستيراد مستلزمات إعادة الإعمار. ولاقى لبنان هذا القرار بالترحاب لما يمثله من فرصة محتملة ستفتح آفاقاً جديدة أمام حركة الاستثمارات الاقتصادية وإعادة الإعمار والتطوير، كما أنها قد تريح لبنان على المستويين السياسي والأمني، في وقت استغل نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد حال عدم الاستقرار والتباينات الداخلية لجعل لبنان متنفساً للهرب من رزم العقوبات المتتالية، والرعاية المباشرة لأعمال التهريب والتجارة غير النظامية.
أعوام من الحصار
وتعود العقوبات الأميركية ضد سوريا لعام 1979، عندما أدرجت على قائمة الدول الراعية للإرهاب، وجرى بموجبها حظر تصدير الأسلحة والمساعدات الأميركية إليها. وفي عام 2003 دخل سلاح العقوبات على خط العلاقة بين لبنان والنظام السوري، عندما أقر الكونغرس 'قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان'. وفي عام 2004 فرضت الولايات المتحدة الأميركية مزيداً من العقوبات، معلنة حالة الطوارئ الوطنية في العلاقات مع سوريا. وفي أعقاب اغتيال رئيس الحكومة اللبناني السابق رفيق الحريري، صدرت حزمة عقوبات إضافية ضد النظام السوري المشتبه به في ارتكاب تلك الجريمة. ومع اندلاع الثورة السورية تشددت العقوبات ضد نظام الأسد وداعميه في إيران، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان وتصعيد أعمال العنف في عام 2011.
وشكل 'قانون قيصر' في عام 2019، قفزة نوعية في العقوبات الأميركية ضد نظام الأسد، إذ فرض عقوبات على من يقدم دعماً مالياً أو تقنياً لدمشق وقطاعاتها العسكرية والنفطية ومشاريع إعادة الإعمار لصالح النظام.
وضيقت حزم العقوبات هامش المناورة أمام النظام السوري، فاستثمر في حالة عدم الاستقرار في لبنان، ووجود تحالف سياسي متعاطف معه في بيروت، إذ لجأ إلى عمليات التهريب المنظمة، مستغلاً مئات المعابر غير النظامية بين البلدين في محافظات البقاع (شرق) وعكار (شمال).
وجاء ليل الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024، ليقلب المعادلات مع تمكن المعارضة السورية من إسقاط نظام الأسد في دمشق، وتحولت العقوبات من أداة لمحاصرة النظام، إلى إجراءات تخنق المواطن السوري، إلى أن صدر إعلان رفع العقوبات على لسان ترمب من الرياض. وفي السياق أعلنت وزارة الخزانة الأميركية العمل مع وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي لتطبيق توجيهات الرئيس دونالد ترمب حيال سوريا، التي من شأنها فتح الباب أمام الاستثمارات الجديدة وإعادة بناء الاقتصاد في سوريا، وتنشيط القطاع المالي والبنية التحتية، وصولاً إلى فتح الباب أمام 'مستقبل مشرق ومزدهر ومستقر'.
فرصة أمام لبنان
يعيش لبنان حالاً من الارتياح السياسي والاقتصادي وحتى الشعبي بفعل رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، باعتبارها مقدمة لحل عدد من الملفات العالقة.
واستعرض النائب رازي الحاج عضو تكتل 'الجمهورية القوية' أبرز المكاسب التي قد يحصدها لبنان من قرار رفع العقوبات الأميركية ضد سوريا، 'مما سيشكل مقدمة لعودة نحو مليوني لاجئ سوري لبلادهم بعد تحسن الأوضاع المالية والاقتصادية في دمشق، كما سيؤدي رفع العقوبات إلى انتعاش الاقتصاد السوري، وإطلاق عملية إعادة الإعمار ورفع الدمار'. وتابع الحاج 'سيتراجع الضغط على الاقتصاد اللبناني بفعل تراجع نزف الاستيراد وأعمال التهريب، لأن لبنان كان الرئة التي تتنفس منها سوريا اقتصادياً'، وأضاف 'قد يستفيد لبنان إيجاباً على مستوى استجرار الطاقة الكهربائية من الأردن وتركيا عبر سوريا، إضافة إلى تفعيل حركة الترانزيت من لبنان إلى العالم العربي'. وشدد الحاج على ضرورة الاستفادة من الأجواء الإيجابية لترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، منوهاً بتسليم السفير الفرنسي في بيروت هيرفيه ماغرو خرائط الحدود من أرشيف الجمهورية إلى وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي، 'وهو ما يجب أن يترافق مع خطوات حصر السلاح وضبط الحدود وانتشار الجيش اللبناني في المناطق اللبنانية كافة، والقيام بالإصلاحات الضرورية لبدء مسار التعافي'.
من جهته رأى 'التيار الوطني الحر' برئاسة النائب جبران باسيل في قرار الرئيس ترمب 'خطوة إيجابية على صعيد استعادة سوريا استقرارها وتوفير القدرات لنهوضها مجدداً'، مؤكداً في بيان أن قرار رفع العقوبات 'يفتح الباب واسعاً لعودة النازحين السوريين لبلادهم، فيساهموا بإعادة بناء وطنهم'. وطلب 'التيار' من الحكومة اللبنانية اعتماد 'الإجراءات اللازمة لتسهيل العودة بأسرع وقت، والاستحصال على قرار من القمة العربية في بغداد بدعم وتمويل العودة'.
المنصة الشمالية
يشعر أبناء شمال لبنان بدنو الفرصة لإطلاق مشاريع استثمارية، انطلاقاً من خطط إعادة الإعمار مع سوريا، بعد أعوام من الأعباء التي فرضها الوجود السوري على الاقتصاد اللبناني.
وأبدى سوريون التقتهم 'اندبندت عربية' رغبتهم في العودة لسوريا، مع بدء ملامح التعافي في أعقاب رفع العقوبات.
ويقول عصام 'في أعقاب سقوط النظام، زرنا الأهل في سوريا، واتضح أن البلاد منهكة وغير مؤهلة للاستثمار أو العودة بغية الاستقرار الدائم، إلا أن هناك أملاً حالياً بفتح الباب أمام إعادة الإعمار، وتسهيل عمليات الاستثمار الأجنبية'.
كما لفت عدد من التجار اللبنانيين إلى أن 'المؤسسات التي كانت مغلقة سنوات بفعل القطيعة مع سوريا، باتت تشكل فرصة للاستثمار المربح في مجالات التجارة والصناعة والنفط والمصارف'.
وجزم رئيس غرفة التجارة والصناعة في طرابلس وشمال لبنان توفيق دبوسي بأن 'البلاد والمنطقة أمام فرصة لن تتكرر من أجل مسيرة التنمية والاستثمار'، و'شمال لبنان يمكن أن يشكل منصة لإطلاق عملية إعادة الإعمار في سوريا، وتنشيط المرافق الاقتصادية المختلفة'، مشدداً على أنه 'لا يمكن أن يبقى لبنان خارج التسويات الدولية'.
ويمتلك شمال لبنان مجموعة من المنصات التي قد تنشط بفعل رفع العقوبات من مرفأ طرابلس، إلى مطار الرئيس رينيه معوض، أو مطار القليعات (شمال)، مروراً بالأسواق التجارية والمناطق الاقتصادية الحرة من عكار إلى طرابلس والبترون.
أبعد من الحدود المحلية
تتخطى خطوة رفع العقوبات الأميركية ضد سوريا المستوى المحلي، إلى رسم المشهد السياسي الدولي.
وفي السياق قال المتخصص في الفلسفة السياسية خالد كموني في خطوة ترمب، 'إننا أمام خطوة كبرى على مستوى السياسة الدولية وإعادة تشكيل خريطة العالم، ولا بد من أن نمتلك القدرة للمشاركة في صناعة التغيير، وتعزيز البنية الاجتماعية والعلمية والسياسية، والقدرة على التحديث المخطط، لئلا نبقى على هامش ما يجري'، ولفت إلى أن 'لبنان وسوريا هما جزء من استقطاب القوى العالمية، ولا بد أن تكون بيروت ودمشق مؤهلتين لاستقبال خطوة رفع العقوبات، والاستفادة من الفرصة المتاحة، وأن نكون شركاء'، وختم 'ثمة حاجة لدى القوى الكبرى إلى بلادنا في إطار سياساتها الاقتصادية إن على مستوى الموارد أو الموقع الجغرافي - الجيوبوليتيكي'.