اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ١٧ أيار ٢٠٢٥
نوال أبو حيدر
في خطوة تحمل أبعاداً تتجاوز حسابات اللحظة السياسية، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات المفروضة على سوريا. يُعتبر رفع هذه العقوبات المفروضة على سوريا تحوّلاً مفصلياً في المشهد الإقليمي، لا سيّما بعد أكثر من عقد من العزلة السياسية والاقتصادية التي فرضتها العقوبات الغربية والعربية على النظام السوري. هذا الحدث سينعكس بشكلٍ مباشر على دول الجوار، وعلى رأسها لبنان، الذي يشترك مع سوريا في حدود جغرافية طويلة، وعلاقات اقتصادية تاريخية، وتشابك في المصالح السياسية والأمنية.
وعلى الرغم من الترحيب المحتمل بهذا الانفتاح لما قد يحمله من فرص اقتصادية وإعادة إحياء للروابط التجارية بين البلدين، فإن له أيضا تداعيات سلبية قد تُفاقم التحديات التي يواجهها لبنان، خاصة في ظل أزمته الاقتصادية والسياسية المستمرة. وبين هذه الآمال والمخاوف، يبرز النقاش حول مدى استفادة لبنان من هذا التحوّل، وما إذا كان قادراً على توظيفه في إطار يخدم مصالحه الوطنية دون التورّط في تبعات إقليمية أو صراعات سياسية.
من هذا المنطلق، يقول الخبير الاقتصادي وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي، أنيس أبو دياب، في حديثٍ خاص لـ«اللواء» إنه «بدون أدنى شك رفع العقوبات عن سوريا يفتح الباب أمام الكثير من الإيجابيات على الاقتصاد اللبناني. أولاً، لناحية سوق العمل، فحتماً سيكون هناك استثمارات في سوريا، أي أنه سيكون هناك طلب على العمالة وبطبيعة الحال سيعود جزء كبير من النازحين السوريين إلى سوريا، ما سيخفف الضغط عن البنى التحتية اللبنانية وعن الاقتصاد اللبناني وعن الإنفاق اللبناني. والجميع يعلم أن الكثير من السلع تستهلك لصالح النازح السوري، فتلقائياً سيخفّ حجم الاستيراد في الميزان التجاري اللبناني، ما يشكّل عبئاً كبيراً على ميزان المدفوعات وضغط على العملة الوطنية».
في ضوء هذا الواقع، يتابع: «من جهة ثانية، وبعد رفع العقوبات عن سوريا، وفي حال استقرّ الأمن في المنطقة وأُعيد بناء الدولة ضمن مؤسسات، فيتمكن لبنان من تشكيل منصة لإعاة الاستثمار ولإعادة إعمار سوريا، وأعني بذلك أنه هناك شركات لبنانية للإعمار وغيرها قادرة على الاستثمار في سوريا لإعادة إعمارها، وبالتالي يمكن الإستفادة من التجارب اللبنانية الكثيرة منذ العام 2006، أي الحروب اللبنانية الكثيرة التي تمكّنت المؤسسات اللبنانية في القطاع الخاص أن تسيطر عليها وتعيد البناء من جديد، وبالتالي نتمتع بالخبرات والإمكانيات والكفاءات اللازمة لتحقيق هذا الأمر».
وفي سياق النقاط السابقة، يعتبر أبو دياب أنه «إذا تم مكافحة التهرّب الضريبي والتهريب على الحدود وفي حال إمكانية خلق اقتصاد منفتح في سوريا سنشهد أيضاً تحوّل في الاقتصاد السوري، من اقتصاد النظام السابق الموّجه إلى اقتصاد ليبرالي حرّ، وهذا يعني أن سوريا ستكون قادرة على الاستيراد والتصدير بطريقة مباشرة وبالتالي لبنان يمتلك القدرة على أن يكون نقطة ترانزيت هامة بفضل موقعه الاستراتيجي وبنيته التحتية المناسبة، ذلك لأن المسافة بين مرفأ بيروت ودمشق أقصر بكثير مقارنة بمسافة المرافئ في طرطوس واللاذقية إلى دمشق، مما يجعل لبنان قادراً على أن يكون نقطة وصل استراتيجية أيضاً لاستيراد وتصدير السلع السورية في المستقبل».
فوق كل ذلك، يشرح أبو دياب أنه «كان للبنان تجربة كبيرة منذ العام 2004 في القطاع المصرفي السوري، أي أكثر من 80% من المصارف الأجنبية هي مصارف لبنانية وبالتالي يمكن أن يعيد لبنان إمكانية إعادة الاستثمار في القطاع المصرفي لأن ما زالت البنى التحتية للقطاع المصرفي في سوريا موجودة وحجمها يساوي حوال الميليار دولار. وكل ذلك يساهم في تقليل الضغط على القطاع النقدي اللبناني، حيث أصبح من الممكن الآن استخدام الدولار في سوريا بعد رفع العقوبات عنها».
ويضيف: «هناك إمكانية لاستيراد الكهرباء والغاز عبر سوريا من الأردن أو مصر، حيث أن هذا المشروع جاهز بالكامل وموّل من البنك الدولي، لكن العقوبات المفروضة على سوريا كانت قد حالت دون تنفيذ الاستيراد والعمل بالمشروع».
عليه، يرى أبو دياب أنه «هناك العديد من الفرص متاحة للبنان التي يمكن الاستفادة منها في عملية الإصلاح، حيث نمتلك القدرة على مواكبة هذه المرحلة. ومع ذلك، يتطلب ذلك إصلاح القطاع المصرفي في لبنان ليكون قادراً على الاستثمار في سوريا».
ويختم: «من الضروري أن نأخذ في الحسبان أن سوريا قد تصبح منافساً للبنان في قطاع السياحة، حيث يمكن أن تشكّل في مرحلة معينة نقطة تنافس سلبية. لذلك، يجب أن نتعاون في هذا المجال المهم بين البلدين من خلال شركات سياحية ووفود مشتركة تمرّ بين لبنان وسوريا، بالإضافة إلى توقيع اتفاقيات مع سوريا لتنظيم هذا الأمر بشكل واضح وسليم».