اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٩ تموز ٢٠٢٥
في ظل التحولات العميقة التي شهدتها المنطقة، من سقوط نظام الأسد، إلى ضمور محور إيران وتفكك محور المقاومة، يجد بعض الشخصيات السنية أنفسهم أمام لحظة مراجعة قسرية. هؤلاء الذين إستقووا بالمحور لفرض حضورهم في بيئتهم السنية وصولًا إلى مقاعد الندوة البرلمانية، يعودون اليوم بخطاب جديد وملامح متجددة، في محاولةٍ لإعادة التموضع داخل بيئتهم الأصلية.
بعد سنوات من التماهي الكامل مع محور الممانعة واستخدامه جسر عبور للسلطة والبرلمان والمناصب والشاشات، نشهد اليوم موجة من التحولات السياسية في البيئة السنية عنوانها: العودة إلى الجلدة، لكنها ليست عودةً صافية أو نابعة من مراجعة فكرية أو نقد ذاتي، بل من واقع تغيّر موازين القوى، وسقوط أوراق المحور، وبدء انكشاف الغطاء الذي لطالما وفّر لهم الدعم والسلطة والمال.
ما بين الوطنية والواقعية السياسية، يقف المكوعون الجدد في محاولة لإعادة رسم ملامحهم، بعد أن اهتزّ الكرسي الذي جلسوا عليه طويلًا، كانوا مدعومين خلال الفترة تلك بماكينة سياسية وإعلامية صبغتهم بلون الممانعة. لكن البيئة التي لفظتهم سابقًا، لا تفتح ذراعيها بسهولة، بل تراقب خطابهم بنفور، وتفكك تصريحاتهم بروح من الشك، ومهما حاولوا كسب شرعية جديدة عبر غطاءٍ ديني وحضور عمامةٍ من هنا، ورجل دولة من هناك، تبقى أساليبهم مكشوفةً للعموم، وسط نفاذ فعالية المخدرّ الذي استخدموه لسنوات.
العودة من المحور ليست مجرد خطاب أو تبديل مواقف، بل هي انتقال مكشوف من موقع الولاء إلى موقع الانتهازية السياسية. هم ذاتهم الذين صمتوا عن الاجتياحات، وغضوا الطرف عن الهيمنة، وباركوا السلاح، واعتبروا خصومهم من أبناء جلدتهم خونة وعملاء أو أدوات خارجية. هؤلاء الذين بنوا مجدهم الشخصي على شعارات التحالف مع المقاومة، و وحدة الساحات، و مواجهة المشروع الأميركي، باتوا اليوم يبدلون جلدتهم، ويعيدون رسم مواقفهم تحت عناوين جديدة كـ لبنان أولاً و الوطن النهائي لجميع أبنائه، و استعادة القرار الوطني المستقل، وكأنهم استيقظوا فجأةً من غيبوبة طويلة، ليكتشفوا أن هناك شعبًا وبيئة، وهوية وطنية كانوا قد غادروها طوعًا في لحظة حسابات ضيقة.
لم يكن بعض رجال الدين خارج هذا المسار، فأحدهم الذي كان رأس حربة دعوية في الدفاع عن المقاومة والسلاح وخيارات المحور، وتمتع حينها بموكبٍ ومرافقين وموازنة شهرية، وقبل رحيل السيد نصرالله كان يطالب برفع الموازنة إلى مبلغٍ كبير، انقلب ولاءه فجأةً، وبدأ بمهاجمة الحزب وتذكية نار الفتنة الطائفية، وهو ما يضعه البعض في خانة الانقلاب المأجور لا صحوة ضمير، مدفوعًا من طرفٍ يرى في اللعب على التوتر الطائفي وسيلة لخلق دور جديد له.
لا يبدو هذا التحول الذي لفحت رياحه أفكار ومواقف نواب وسياسيين وإعلاميين وليد قناعة، بقدر ما هو انعكاس لانهيار منظومة كانوا جزءًا منها. هو ارتداد اضطراري يبحثون عبره عن موقع وزعامة ضمن الطائفة من بوابة إطلاق مشاريع، فالعودة لا للتكفير عن الماضي، بل من باب فتح الباب أمام طريق جديد لحظوا أنه يمر عبر دمشق، يتحدثون عن مظلومية الطائفة وضرورة استعادة التوازن، وكانوا حتى الأمس القريب يشنون الهجمات على من رفع هذه الشعارات، ويتهمونه بالخيانة والتآمر على البلد.
في المحصلة، ليست المشكلة في تغيير الموقف، فالسياسة فن التحول، بل في غياب المصداقية. من كان بالأمس في حضن المشروع الإقليمي، لا يصبح فجأة وطنيًا بالخطابات، ومن مارس الصمت عن كل التجاوزات، لا تمحى أفعاله بتصريح أو تغريدة. العودة إلى الجلدة لا تقاس بالشعارات، بل بالفعل الحقيقي والانخراط في مشروع بناء الدولة، لا التلطي وراء الوطن النهائي حين تضيق الخيارات.