لايف ستايل
موقع كل يوم -ال عربية
نشر بتاريخ: ١٠ تموز ٢٠٢٥
نصحَتني شيرين أن أُرجئ موعَدي عند طبيب الأسنان إلى يوم لا يستطيع باسم ترك عمَله فيه، لكنّ الأمر لَم يكن سهلًا. فخِفتُ ألّا يعود زوجي يرى أيّ ضرورة لأذهب إلى الطبيب ما دمتُ قادِرة على التأجيل، وخفتُ أيضًا ألّا أستطيع الاستمرار بالتمثيل لوقت أطوَل. فالحقيقة أنّني صرتُ أخاف مِن الذي تزوّجتُه، وبتُّ أُلبّي طلباته بسرعة وبإتقان كَي لا أجلِب لنفسي غضبه أو، مَن يدري، عنفه. فمَن يضربُ أمّه لن يتأخّر عن ضرب زوجته.
أكثر ما شغَلَ بالي، هو ما قالَه لي باسم:
ـ عليكِ أن تُعطيني ولَدًا.
ـ طبعًا حبيبي، حالما أرتاح مِن ألَم أسناني... فذلك الطبيب أرجأ موعدي في آخِر لحظة، وأنتظِر مِن مُساعدته اتّصالًا في غضون أيّام ليتحدَّد موعدي الجديد.
ـ سئمتُ مِن هذا الموضوع! لدَينا أمور أهمّ مِن ألمَكِ! إنّكِ تتصرّفين كالطفلة المُدلّلة، وكأنّ لا أحَد غيركِ تألَّم مِن أسنانه! أريدُ زوجة قويّة وليس جبانة!
بعد يومَين، قلتُ له إنّ الموعد تحدَّدَ، وأمام انزعاجه لمُرافقتي وتعطيل عمَله، إقترَحتُ عليه أن تُرافقَني أمّي. تردَّدَ قليلًا ثمّ قبِلَ، لكن بشرط ألّا أُهمِل واجباتي المنزليّة. أخفَيتُ فرَحتي وركضتُ لأزفّ الخبر لشيرين.
قد تسألوني لماذا لَم تكن أمّي أو أيًّا مِن أهلي على علِم بالذي يجري بزواجي، والجواب هو أنّني لَم أرِد أن أبدو أمامهم أنّني لا أُحسِن اختيار الأزواج، أو أنّني زوجة غير صالِحة، فلا تنسوا ما فعلَه بي زوجي الأوّل. كنتُ أعلَم مُسبقًا ما كانوا سيقولونه لي، وكنتُ مُتأكِّدة مِن أنّني لن أحظى بدَعمهم، بل سيُحاولون حتمًا إرغامي على البقاء مع باسم حتّى لو عنى ذلك أن أتعذّب معه. فعائلاتنا الشرقيّة تخافُ كثيرًا مِن كلام الناس، الذي هو في العديد مِن الأحيان أهمّ مِن أيّ شيء آخَر.
جاءَ اليوم المُنتظَر وذهَبَ زوجي إلى عمَله في الصباح، وحاولتُ التصرّف بشكل طبيعيّ مع أنّني لَم أنَم قط في الليلة التي سبقَت، ولأنّ قلبي كان يخبطُ داخل صدري لِدرجة أنّني خفتُ أن يُسمَع صوته! وبعد حوالي الساعة على مُغادرة باسم البيت، مشيتُ أمتارًا إلى الحَيّ الموازي حيث كانت شيرين وسيّارتها بانتظاري.
قادَت شيرين سيّارتها بي وهي تمسك بِيَدي، فكنتُ بحالة مِن الصعب وصفها، مزيج مِن الخوف والهمّ والراحة. وصَلنا بيتها حيث أعطَتني بعض الملابس والحاجيات الخاصّة، لأنّني تركتُ بيتي مِن دون أن آخذ شيئًا سوى أوراقي الثبوتيّة وبعض الحلى التي اشتراها لي باسم عندما كان مُجبرًا على ذلك. أمّا المال الذي حصلتُ عليه لدى بَيع سيّارتي آنذاك، فأعطَيتُه لزوجي لأنّه هو 'الرجُل'. أعلَم ما تقولونه، أجل، أنا غبيّة.
أكَلنا وجلَسنا نتحدّث عمّا سيحصل لاحقًا، ونمتُ قليلًا لأنّني كنتُ مُرهقة بسبب تشنّجي وعدَم النوم ليلًا. ولمّا عادَ باسم مِن عمَله ولَم يجِدني، بدأ يتّصل بي على هاتفي كالمجنون، ليس لأنّ باله انشغَلَ عليّ، بل لأنّني لَم أكن حاضِرة وكذلك طعامه. في البدء لَم أجِب، لكن كان عليّ أن أقولَ له إنّني تركتُه والبيت نهائيًّا وأُريدُ الطلاق. بدأ يصرخُ في وجهي كالمجنون مُردِّدًا: 'لا أحَد يفعَل ذلك بي! لا أحَد يُفلِتُ منّي! سأجرُّكِ بشعركِ إلى بيتي، سترَين أيّتها الفاسِقة!'. هو لَم يسأل لماذا غادَرتُ وما بإمكانه فعله لإعادتي، فهذا لَم يهمّه على الاطلاق.
عادَ زوج شيرين بدوره إلى البيت، وتفاجأ بي لأنّه نسيَ موضوع الخطّة أو أنّه لَم يأخذ زوجته على محمَل الجَد، وتباحَثنا بأمر زواجي ومُستقبلي. أطفأتُ هاتفي لأتمكّن مِن النوم، لكن مِن دون جدوى، فكنتُ خائفة مِن أن يجِدَني باسم ويُعيدني إلى بيته. وكنتُ أدركُ أنّ مصيري سيكون رهيبًا لو هو نجَحَ بذلك.
في تلك الأثناء، إتّصَلَ زوجي بكلّ افراد عائلتي ومعارفي ليعرف أين أنا، لكن ما مِن أحَد كان على عِلم بمكاني. جاء دور شيرين، فردَّت عليه بكلّ بساطة، وادّعَت المُفاجأة وأنكَرت طبعًا معرفتها بأيّ شيء. وفي الصباح، عندما فتَحتُ هاتفي، وجَدتُ عددًا لا يُحصى مِن الاتّصالات والرسائل مِن ذويّ ومِن زوجي. طمأنتُ عائلتي بأنّني بخير مِن دون أن أفصِح عن مكاني أو أُعطيهم تفاصيل إضافيّة، لكنّني لَم أجِب باسم، فليذهب إلى الجحيم!
قضيتُ اليوم وشيرين في البحث عن محامٍ بعد أن أخذَت إجازة مِن عمَلها مُدّعية المرَض، ووجَدنا بعض المحامين المُختصّين بأمور الطلاق، فأخذنا المواعيد. لَم أكن مُرتاحة على الإطلاق، لكنّني تمالَكتُ نفسي مِن أجل صديقتي، فالمسكينة فعلَت جهدها لتعوّض لي عن المأزق الذي زجَّتني فيه عن غير قصد.
جاء المساء، وعادَ زوج شيرين... مع باسم!!!
وعندما رأيتُه واقفًا أمامي، إختبأتُ وراء شيرين التي بدأَت تصرخ على زوجها الذي خانَ ثقتها وجلَبَ إليّ جلّادي.
بدا باسم هادئًا وتكلَّم َعلى مهل، قائلًا إنّه يتفهّم ما فعلتُه وهو مُستعِّد لمُسامحتي شرط أن أعودَ معه إلى البيت، ومُضيفًا أنّ الأزواج تختلِف مع بعضها وأنّه قد يكون قد أخطأ بطريقة تعامله معي، لأنّه اعتادَ على العَيش مع عجوز وليس مع زوجة. لَم أصدِّقه أوّلًا لأنّ هكذا تغيير سريع وجذريّ لَم يكن منطقيًّا، وثانيًا لأنّ عَينَيه كانتا مليئتَين بالغضب بالرغم مِن نبرة صوته الهادئة. فكنتُ أعرِفه جيّدًا وأعرِف ما تعني تلك النظرات. رفضتُ العودة بطريقة قطعيّة، واضطُرَّ باسم أن يُغادر بيت صديقتي، لكنّني كنتُ على ثقة مِن أنّه سيعود.
بدأَت شيرين بالصراخ على زوجها الذي شعَرَ بالخجَل لكنّه قال: 'إنّني أيضًا رجُل ولن أقبَل أن تفعل زوجي بي ذلك'، يا لهذا المنطق السخيف للغاية! فهل يُسلّمُني إلى إنسان سيّئ وعنيف فقط لأنّه رجُل؟!؟
إكتشَفنا أنّ باسم لَم يرحَل، بل بقيَ في سيّارته تحت المبنى لساعات طويلة ثم غادَرَ ليعود في الصباح. كان يقولُ لي بطريقة غير مُباشرة إنّه لن يتركُني أبدًا. أردتُ ترك بيت صديقتي، لأنّ زوجها كان ضدّ بقائي، لكن كيف أرحَل بينما باسم ينتظرُني في الطريق؟!؟ نامَت شيرين في تلك الليلة في الغرفة التي أنا فيها لكثرة امتعاضها مِن زوجها.
في الصباح، دارَ شجار كبير بين شيرين وزوجها، وشعَرتُ بالذنب، إلّا أنّ صديقتي قالَت إن السبب هو خيانة زوجها لثقتها وليس أنا. فكان بإمكانه إطلاعها على ما ينوي فعله، أو عدَم رغبته في المُشاركة بإخفائي، إلّا أنّه تصرّفَ بشكل غير مقبول على الاطلاق. ثمّ قالَت لي: 'سأُخابر الشركة وأقول لهم إنّ مرَضي تفاقَمَ... وسننتظر حتّى يسأم باسم أو يضطّر إلى مغادرة مكانه لنرحَل مِن هنا... أجل، أنا آتية معكِ، فأنا مُستاءة مِن الذي فعلَه زوجي... نحن زوجان وعلينا أن نتكاتَف وأن يكون بيننا حوار دائم وثقة. ولستُ أفهَم كيف أنّه جلَبَ باسم إلى هنا عالِمًا كَم هو طاغٍ وعنيف... ألَم يخَف أن يضَعكِ تحت الخطَر؟ شيء غريب للغاية! خلتُ أنّني أعرفُ زوجي تمام المعرفة، لكن مِن جهة أخرى، نحن مُتزوّجان منذ أقلّ مِن سنتَين وقد أجهَل بعض جوانب شخصيّته. على كلّ الأحوال، إتّصلتُ بجدّتي التي تعيشُ في قرية بعيدة كلّ البعُد عن العاصِمة. لا تخافي، زوجي لا يعرفُ أين هي تسكن، فلَم يتعرّف عليها وأنا لا أتكلّم عنها إلّا نادِرًا... بسبب أمور عائليّة ومشاكل قديمة. لكنّها بقيَت تُحبُّني وكانت مسرورة لرؤيتي مُجدّدًا واستقبالنا'.
بقيَ باسم يُراقِب بيت شيرين مدّة ثلاثة أيّام وليال قَبل أن يستسلِم. وعند أوّل فرصة لنا، أخَذنا بعض الأمتعة وركِبنا السيّارة وتوجّهنا إلى تلك القرية البعيدة. لكن قَبل ذلك، قصَدنا مكتب مُحامٍ لتقديم دعوى طلاق ضدّ باسم. إستقبَلتنا الجدّة بفرَح وقبلات عديدة، وبدأَت شيرين مفاوضات التصالح مع زوجها مِن دون أن تقولَ له أين نحن طبعًا. حزنتُ مِن أجلها، فهي بدَت لي سعيدة معه لولا ما حصَلَ لي، هل كنتُ السبب؟ لكنّ صديقتي شرحَت لي أنّ مِن الأفضل أن تعرفَ مَن هو زوجها حقًّا قَبل أن يُؤسِّسا عائلة، فهي لا تُريد العَيش مع مَن يخون ثقتها مِن أجل إنسان كباسم الذي يُعَدّ غريب عنهما.
إصطلحَت الأمور أخيرًا بين شيرين وزوجها، شرط أن يُقنِع هذا الأخير باسم بأنّ مِن الأفضل أن يُطلّقَني هو، حفاظًا على رجوليّته. فإقامتي للدعوى كانت ستُكلّفُني الكثير مِن المال، مال لَم أكن أملكه. فعَلَ زوج شيرين المُستحيل لإقناع زوجي بتطليقي، عالِمًا أنّها فرصته الوحيدة لاسترجاع صديقتي... ونجَحَ بذلك! فغرور باسم الكبير حمَلَه على تفضيل سمعته على رغبته بالانتقام منّي وتعذيبي. رجُل سخيف ومريض بالفعل! بقيتُ عند الجدّة التي سمَحَت لي أن أمكُثَ عندها قدر ما أشاء، وأعترفُ أنّني أحبَبتُ العَيش في ذلك البيت الصغير المليء بالذكريات، وفي تلك القرية اللطيفة حيث الكلّ يعرف الكلّ ويُحِبّ الكلّ.
شيء غريب بالفعل، فمنذ ما علِمَ أهلي بأنّني ترَكتُ المنزل الزوجيّ، لَم يسأل أيّ منهم عنّي، عن مكاني، عمّا إذا كنتُ بحاجة إلى المال أو أي شيء آخَر. كان الأمر وكأنّهم أرادوا نسياني، أنا التي تزوّجتُ مرّتَين وفي المرّتين وقَعتُ على رجُل فاسِد. أرادوا نسياني، وكأنّني لستُ موجودة قط. حسنًا، أنا الأخرى سأنساهم وأتصرّف وكأنّني يتيمة وابنة وحيدة!
حصَلتُ أخيرًا على طلاقي وارتاحَ بالي، وعلِمتُ بفرَح أنّ شيرين حامِل! أمّا بالنسبة لي، فأعمَل صيفًا في القرية كمُربّية أطفال لدى عائلة تُعَدّ ثريّة، بعد أن جاءَ أفرادها مِن المهجر، وأرافقُهم إلى المدينة باقي السنة. أحِبّ عمَلي وأحبُّ تلك العائلة التي تُعاملُني جيّدًا، وألتقي بشيرين مرّة في الأسبوع لأُلاعِب ابنها الذي أحبُّه وكأنّه ابن أختي. فبالفعل شيرين هي بمثابة أخت لي، لا بَل أفضَل، فمِن النادِر أن تلتقي بأناس مثلها، فهم استثنائيّون. أمّا بالنسبة لباسم، علِمتُ أنّه جلَبَ مُدبِّرة منزل، بعد أن فهِمَ أنّ لا لزوم لأن يتزوّج ليجِد مَن يخدِمه.
حاورتها بولا جهشان