اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة الديار
نشر بتاريخ: ٨ أيار ٢٠٢٥
تصاعد الدخان الأبيض بعد يومين فقط من انعقاد المجمع السرّي لانتخاب البابا، وحرق أوراق الإقتراع للمرة الثالثة، من مدخنة كنيسة «سيستينا» في الفاتيكان، وذلك عند السادسة والربع من مساء أمس الخميس، إيذاناً بانتخاب البابا الجديد. وكانت جرت خمس دورات إقتراع متتالية خلال اليومين الأول والثاني من بدء المجمع السرّي للكرادلة لانتخاب البابا 267 للكنيسة الكاثوليكية خلفاً للبابا فرنسيس. ولم تمض مزحة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنّه «لدينا مرشّح من نيويورك» سدى، لدى سؤاله عن إسم البابا الجديد، وإن لم يصل الكاردينال تيموثي دولان الذي أشار اليه.
وكان تصاعد الدخان الأسود مرتين قبل الإنتخاب، في إشارة الى أنّ الكرادلة الـ 133 ممن هم دون سنّ الثمانين لم يتفقوا على انتخاب البابا الجديد. ولم ينتخب المجمع المقدّس بابا في اليوم
الأول منذ قرون، غير أنّ انتخاب البابا الذي انتظره آلاف المؤمنين في ساحة القديّس بطرس، حصل مساء أمس الخميس في 8 أيّار 2025 في اليوم الثاني من انعقاد المجمع. ومنذ عام 1900، هذا هو البابا الخامس الذي يتم انتخابه بعد يومين من بدء المجمع. وهو أول بابا من الولايات المتحدة الأميركية.
وبعد انتخاب البابا الأميركي لاوون 14 ، وقبل إعلان إسمه أمام الحضور والعالم، انعزل قداسته في ما يُسمّى بـ «غرفة الدموع»، ليشكر الله على هذه المهمة الملقاة على عاتقه، كرأس للكنيسة الكاثوليكية، ليفرغ كلّ دموعه بمفرده أمام خالقه، في ما الشعب المسيحي في الخارج، لا سيما 1.4 مليار يتبعون الكنيسة الكاثوليكية، تلقّى بشرى انتخاب البابا الجديد بفرح وسرور عارمين. ثمّ دخلت الفرقة الموسيقية الى ساحة القديس بطرس، التي جرى تجهيزها ليعقد فيها البابا الجديد قدّاسه الإحتفالي الأول، تبعها الحرس الفاتيكاني السويسري، في الوقت الذي كان فيه البابا الجديد يرتدي زيّه الأبيض، بعد انتخابه من قبل الكرادلة في الدورة الخامسة بثلثي أصوات الكرادلة وهي 89 صوتاً على الأقلّ. ثمّ أطلّ الكاردينال دومينيك مومبرتي عند السابعة والربع بتوقيت روما على «شرفة البركات» في الفاتيكان مُعلناً: «إني أبشرّكم بفرح عظيم أصبح لدينا بابا. البابا الجديد إسمه الأصلي روبرت فرنسيس بريفوست (69 عاماً من أميركا الشمالية- عميد دائرة الكرادلة) الذي اختار إسم «لاوون أو ليو الرابع عشر» لحبريته». ومن ثمّ أطلّ البابا الجديد وألقى كلمة حارّة صفّق لها الحاضرون في ساحة القدّيس بطرس، مشيراً الى «أنّنا تلامذة المسيح، ونحن بحاجة الى نوره»، داعياً الى «بناء الجسور والى الإتحاد من أجل السلام». وقال بأنّه «تلميذ القديس أغسطينوس»، واضعاً حبريته بيد الأم العذراء سيدة بمباي. ومنح مدينة روما والعالم البركة الأولى. أمّا التحدّي الأول الذي سيُواجه البابا الجديد فهو وحدة الكنيسة الكاثوليكية والحفاظ عليها كجسم متماسك.
وكانت التوقّعات، على ما تقول مصادر كنسية، قد أكّدت أنّ انتخاب خليفة القدّيس بطرس سيحصل خلال يومين من انعقاد المجمع السرّي، وهو من بين أربعة أسماء تُعتبر الأكثر حظّاً من سواها، لم يكن بريفوست من ضمنها. فكان انتخابه مفاجئاً للجميع. مع الإشارة الى أنّه لا يوجد مرشّحون رسميون لمنصب البابوية، ولكن بعض الكرادلة «بابابيل» أي أنّهم يمتلكون الصفات اللازمة لتولّي هذا المنصب. وتلفت المصادر الى أنّ غربلة أسماء الكرادلة تمّت بشكل سريع خلال دورات الإقتراع التي حصلت خمس مرّات، الأولى بعد ظهر الأربعاء، والأربع دورات الأخرى يوم الخميس، الأمر الذي جعل غالبية الأصوات تصبّ لصالح الكاردينال الذي حاز على المرتبة الأولى منها خلال أولى الدورات.
أمّا برنامج الكرادلة ليوم الخميس فقط، ولم يتكرّر بسبب صعود الدخان الأبيض في نهايته، على ما تشرح المصادر، فكان على الشكل الآتي: في الصباح، اجتمع الكرادلة الناخبون قبل الثامنة في القصر الرسولي للإحتفال بالقدّاس والتسبيح في كنيسة القديّسة بولين، ثمّ توجّهوا عند التاسعة والربع الى كنيسة «سيستينا» لتلاوة صلاة الساعة الوسطى، ثمّ انتقلوا الى الإقتراعَين الأولَين. وتصاعد الدخان الأسود بعد حرق أوراق الإنتخاب، لعدم حصول أي من الكرادلة على أغلبية ثلثي الأصوات. بعد ذلك عادوا الى «سانتا مارتا» للغداء عند الثانية عشرة والنصف. وانطلقوا عند الرابعة إلّا ربعاً من بعد الظهر مجدّداً نحو القصر الرسولي، ليعقدوا الخلوة في كنيسة «سيستينا» ويقوموا باقتراعَين آخرَين. وقبل أداء صلاة الغروب عند السابعة والنصف، كما كان يُفترض، تصاعد الدخان الأبيض مُعلناً انتخاب البابا الجديد للكاثوليك في العالم. وقد غطّى هذا الحدث التاريخي 5300 صحافي معتمد من جميع أنحاء العالم.
وخلال البحث عن خليفة البابا فرنسيس، وعمّن سيكون البابا الجديد للكنيسة الكاثوليكية، تلفت المصادر الكنسية الى أنّ أحد الكرادلة عندما سئل: من ستنتخبون؟ (وذلك قبل انعقاد المجمع السرّي إذ ليس من تصريحات للكرادلة خلاله)، أجاب: «نحن لا ننتخب البابا الجديد، إنّما نصلّي لكي يكشف لنا الله (عبر الروح القدس)، أي بابا يريد لكنيسته». وقد كشف لهم الروح القدس إسم البابا الجديد سريعاً. علماً بأنّ غالبية الناخبين اليوم أصبحوا كرادلة على يدّ البابا فرنسيس.
فمن هو البابا الجديد خليفة القدّيس بطرس الذي اختار إسم «لاوون الرابع عشر»؟
ولد روبرت بريفوست في شيكاغو في 14 أيلول 1955، من أب فرنسي وأم إيطالية. بدأ بدراسة الرياضيات، لكنه انضم سريعاً إلى رهبنة القديس أغسطينوس، ورُسم كاهناً عام 1982. أرسلته الرهبنة إلى بيرو في مهمة، ثم عاد لفترة وجيزة إلى شيكاغو لنيل دكتوراه في القانون الكنسي، ثم عاد مُجدّداً إلى بيرو لعقد من الزمن، حيث ترأس معهداً لتكوين الكهنة. تركت تجربته في أميركا اللاتينية أثراً عميقاً في رؤيته الراعوية.
في عام 2001، انتُخب رئيساً عاماً للرهبنة الأوغسطينية لمدة 12 عاماً حتى عام 2013. وفي العام التالي، عينه البابا فرنسيس أسقفاً على مدينة تشيكلايو في شمال بيرو، حيث بقي حتى عام 2023، وكان أيضاً عضواً في مؤتمر الأساقفة في البلاد.
في كانون الثاني 2023، استدعاه البابا فرنسيس إلى روما ليكلفه برئاسة دائرة الأساقفة (التي كانت تُعرف سابقاً باسم مجمع الأساقفة)، وهي من أبرز وأقوى مؤسسات الكوريا الرومانية. هذه الهيئة مسؤولة عن اقتراح التعيينات الأسقفية في مناطق عديدة من العالم. وبعد فترة قصيرة، تم تعيينه كاردينالاً، ما يجعله مؤهلاً للمشاركة في المجمع المغلق (الكونكلاف). وعلى الرغم من حداثته في مجمع الكرادلة، فإن موقعه الاستراتيجي يمنحه حضوراً بارزاً بين نظرائه.
يتميّز الكاردينال بريفوست بأسلوب غير تصادمي، وقدرة كبيرة على الاستماع، وحسّ عالي بالحوار بين الثقافات، وخبرة عالمية. يتحدث خمس لغات: الإنجليزية، الإسبانية، الفرنسية، الإيطالية، والبرتغالية. يُنظر إلى نهجه على أنه قريب من نهج البابا فرنسيس، خصوصاً في ما يتعلق بإصلاح الكوريا، والحكم الجماعي، والدعوة إلى كنيسة أكثر بساطة وأقل تمركزًا على السلطة.
من نقاط قوّته: خبرة دولية (أوروبا، أمريكا اللاتينية، الكوريا الرومانية)- كفاءة إدارية وقانونية- ولاء لرؤية البابا فرنسيس- قدرة على بناء التوافق- متعدّد اللغات وقابل للتأقلم الثقافي.
ومن خلال إنتخابه، أظهر إعلان انتخاب الكاردينال بريفوست بابا، أنّه مرشّح توافقي يمكنه الجمع بين الثقافات والتيّارات الكنسية المختلفة. فقد اختاره المحافظون والتقدميون، واجتمعوا على ما يتمتّع به من صفات تحتاجها الكنيسة الكاثوليكية في المرحلة المقبلة من تاريخها.