اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة الديار
نشر بتاريخ: ٨ أيار ٢٠٢٥
في العام 1843 كتب الفيلسوف والاقتصادي الألماني اليهودي الأصل كارل ماركس في أحد كتبه ما معناه 'أن الدين والطائفية هما مخدر للشعوب'. وفي عام 1853 كتب الفيلسوف والكاتب الفرنسي فيكتور هوغو في كتابه 'آدم و حوا': 'البشر يتشاجرون ويحاربون منذ 6000 سنة، بينما الله ينثر الزهور بيديه في الظل'. لم ينكر كارل ماركس وجود الخالق أو وجود الله، بل كان يريد أن يحرر الطبقة الفقيرة من عبودية رأس المال، الذي كان بيد الكنيسة والإكليروس في القرن الثامن عشر خاصة المسيحيين، وفي يد أعلى سلطات في الديانة اليهودية. وكان رجال الدين أو الكنيسة الغربية والكنيسة الشرقية ورجال الدين 'اليهود' يملكون أغلبية الثروات، وكانت العائلات المتوسطة الدخل والفقيرة، تعمل مع أولادها في مؤسساتهم كالعبيد دون أي معاملة إنسانية. أما فيكتور هوغو فأراد أن يقول إنه منذ نشأت 'الطائفة اليهودية' على يد النبي إبراهيم منذ 6000 سنة، ومن ثم المسيحية وأخيرًا الإسلام، والرجال يخوضون الحروب فيما بينهم باسم الله واحد وعدة أنبياء، ويختم هوغو بما معناه أن الله الواحد يتفرج.
وكان كارل ماركس ملهم الشيوعية، الذي كان قائدها وأول رئيس للاتحاد السوفييتي فلاديمير لنين، التي تؤمن بالمساوات بين جميع شرائح المجتمع، لكن تبين لاحقآ أن الشيوعية كانت مشروعا اقتصاديا فاشلا جدًا، بخاصة أنها تزامنت مع رؤساء دكتاتوريين وسفاحين لا سيما في الاتحاد السوفياتي مثل جوزيف ستالين، والصين مثل ماو تسي تونغ.
في العام 1905 قررت فرنسا، التي كانت تضم أغلبية ساحقة من المسيحيين إضافة إلى أقليات من المسلمين و'اليهود'، قررت اعتماد العلمنة، ولاحقًا لحقت بها أغلبية الدول الأؤروبية. فأصبحت فرنسا دولة علمانية تحترم كل الأديان، ويحق لأي فرنسي ممارسة شعائره الدينية الخاصة بحرية، وتبوؤ أي منصب في الجمهورية ضمن دولة نظامها الدستوري علماني. لكن لتصل فرنسا إلى العلمنة الكاملة، طبقت إجراءات قاسية وصارمة في البداية.
لبنان المؤلف من طائفتين أساسيتين، وهما المسيحية والإسلام مع عدة مذاهب، لم يفكر حتى الآن أو ربما لا يريد أن يفكر أحد جديًا في كيفية الخروج من الطائفية والذهاب نحو العلمنة، أو ربما بعض الدول الإقليمية والدولية عملت على أن يبقى لبنان بلدا طائفيا منقسما على نفسه، وأغلبية أحزابه الفاعلة طائفية وحتى بعضها مذهبية. وبالعودة إلى كارل ماركس تحولت الكنيسة إلى أحزاب مسيحية تعامل أغلبية المسيحيين كأتباع لديها.
وتحول الجامع إلى أحزاب مسلمة تعامل أغلبية المسلمين كأتباع لها أيضًا. فهنالك الآن 7 أو 8 زعماء أحزاب من الإقطاعيين الطائفيين، وأمراء حرب أيضًا طائفيين يملكون المال والسلطة ووسائل الإعلام والعلاقات، ويتحكمون بأغلبية الـ 5 مليون لبناني.
وعند أي استحقاق دستوري وبخاصة الانتخابات النيابية، تبدأ هذه الأحزاب بإثارة الغرائز الطائفية كل على طريقته، وترفع شعارات تثير مشاعر المواطن بدل طرح مشاريع سياسية اقتصادية وإنمائية جدية لمصلحة كل لبنان، وبما أن الشعب اللبناني شعب عاطفي جدًا يتأثر بسرعة، وينتخب حسب غريزته الطائفية وحسب مشاعره.
من الواضح جدًا أن أغلبية الزعماء لا تريد تطبيق العلمنة في لبنان، حفاظًا على مكتسباتهم الطائفية.
يقول مرجع سياسي مسيحي مطلع إن العلمنة على المدى المتوسط والطويل تحافظ على الوجود وحقوق المسيحيين، شرط أن يكون الشريك المسلم صادقا في تطبيق العلمنة على أؤصولها، وأن يتم إنشاء هيئة مؤلفة من دكاترة في التاريخ وفي علم المجتمع وفي التعليم المدرسي والجامعي، وعلماء نفس ورجال دين وسياسيين معتدلين... لدراسة ما هي أفضل طريقة لتطبيق العلمنة في لبنان، لكن الأهم أن تطبق العلمنة في النفوس قبل النصوص، وهنا يأتي دور الأهل والمدرسة ووسائل التواصل الاجتماعي، وبرامج تثقيفية خاصة للأولاد والكبار تبث على شاشات التلفزة وفي وسائل الإعلام والجامعات، كما أن السياحة الداخلية مهمة جدًا، وإقامة مهرجانات في جميع المناطق اللبنانية، واختلاط الشعب اللبناني ببعضه في السياحة الداخلية، التي تساعد أي مواطن لبناني على التعرف الى تقاليد أخيه اللبناني من غير منطقة ومن غير ديانة. فهذا الاندماج يكسر إلى حد كبير الحواجز النفسية، ونبدأ نشعر جميعا أننا سواسية، وما يجمعنا أكثر بكثير مما يفرقنا، بخاصة إذا كان يجمعنا وطن واحد اسمه لبنان ومصير واحد.
فالثورة في تشرين 2019 جمعت كل الطوائف، وحجز الأموال في المصارف شمل كل الطوائف، والأزمات المتتالية تصيب كل الطوائف... وهذا يعني مصيرا واحدا.
من حق أي لبناني أن ينتمي إلى طائفة معينة وإلى حزب طائفي معين، لكن من المعروف أن حرية الفرد تنتهي عندما يتعدى على حرية الآخر.
ويقول مصدر سياسي علماني إن اللامركزية الإدارية الموسعة، قد تساهم في إرساء العلمنة لأنها قد تخفف من التشنجات بين بعض الأفرقاء، ونتمنى على الرئيس عون وعلى دولة الرئيس سلام أن يعملا بسرعة على تنفيذ اللامركزية الإدارية الموسعة، كخطوة أولى نحو إرثاء العلمنة الشاملة.