اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة الديار
نشر بتاريخ: ٢٥ أيار ٢٠٢٥
في زمنٍ تتكاثر فيه الأزمات، وتُخنق فيه العدالة داخل زنازين البيروقراطية، تعود إلى الواجهة قضية محاكمات الإرهاب في سجن رومية، ليست كملف قضائي فحسب، بل كمرآة تعكس عورات النظام القضائي، ومكامن الخلل العميق في التعاطي مع العدالة وحقوق الإنسان. فبين قاعات مغلقة وممرات مُذلّة، وبين وعود مطمئِنة لا تجد طريقها إلى التنفيذ، يرتفع صوت المحامين مجددا رفضا لتحويل السجون إلى محاكم، والحقوق إلى امتيازات.
في هذا السياق، تحدثت المحامية مريانا برو عن ملفّ 'محكمة رومية' لـ 'الديار'، ووضعت النقاط على الحروف، وكشفت خفايا ما يجري في الكواليس من مخالفات قانونية، إلى انتهاك لكرامة المحامي، لتؤكد أن المشكلة أعمق من قاعة، وأخطر من أزمة عابرة.
وأوضحت أن القاعة التي أُنشئت في سجن رومية، خُصصت حصرًا للنظر في قضايا الإرهاب الإسلامي. ولكن بعد مرور فترة طويلة، اتُّخذ قرار بنقل جميع الجلسات التي تُعقد عادةً في قصر عدل بعبدا إلى رومية، الأمر الذي أثار اعتراضا واسعا من قبل المحامين، لأسباب عديدة أبرزها أن هذا القرار يخالف القانون.
فبحسب برو ان 'المبدأ القانوني العام هو علنيّة الجلسات، بينما في رومية ليس بإمكان أي شخص حضور الجلسة، ولا مجال أيضا لاستدعاء شهود، ما يجعل هذه الإجراءات مخالفة صريحة لمبدأ الشفافية المنصوص عليه في القانون'.
وتابعت: 'الأمر لا يتوقف عند الخلل القانوني فقط، بل يصل إلى حدود الإذلال المهني للمحامي. فأنا شخصيا، وبعد 13 سنة من الممارسة، لم أكن أذهب إلى سجن رومية، لأن الدخول إليه يتطلب السير لمسافة طويلة جداً، ناهيك بالانتظار لساعات طويلة، ومنع إدخال الحقائب والهواتف وحتى المال. فإذا شعرت بالعطش، لا يمكنكِ شراء قنينة ماء'.
وتُشير إلى أن هناك تعاونًا حاليا بين وزارة العدل ونقابة المحامين، مع تطمينات تُعطى للمحامين بأنهم سيتمكنون من الدخول بسياراتهم وهواتفهم إلى سجن رومية، لكنها تستدرك بالقول: 'كل هذه التطمينات سبق ورأيناها عند بدء عمل المحكمة العسكرية، والتي قيل إنها ستكون استثنائية ولمهام محددة، لكنها تحوّلت إلى واقع دائم. اليوم، قلة قليلة فقط من المحامين يقبلون الترافع أمام المحكمة العسكرية، وهناك خوف حقيقي من أن يصبح موضوع رومية واقعا أيضا، ويكون المحامي هو أول من يدفع الثمن'.
وأكدت أن 'دورنا كمحامين هو الدفاع عن المظلومين والوقوف في وجه الظلم، والحل لا يكون بترقيعات بل بتطبيق القانون، وبخاصة المادة 108 من أصول المحاكمات الجزائية، التي تُحدد مدة التوقيف الاحتياطي. ففي قضايا الجنح، يجب ألا تتجاوز فترة التوقيف الشهرين في بعض الحالات. وإذا طُبقت هذه المادة بصرامة، سنشهد خروج عدد كبير من الموقوفين من السجون'.
وتساءلت: 'لماذا لا يتم اقتراح قانون العفو العام بشكل جدي، بدل أن يتم استغلاله من قبل السياسيين فقط في المواسم الانتخابية؟ ولماذا لا يتم إنشاء سجون جديدة؟ فالتكاليف التي صُرفت سابقا والحالية، كانت كفيلة ببناء سجن ضمن منطقة بعبدا أو في مكان قريب ومتاح للجميع'.
وشددت على أن 'رومية ليست محكمة ولن تكون محكمة. نحن نعلم نيات من اقترح إعادة المحاكمات فيها، وربما كانت نياتهم طيبة، ولكن النية وحدها لا تكفي لحل أزمة، بل قد تُدخلنا في أزمات جديدة. لقد جُرّبت هذه التجربة سابقاً وفشلت فشلا ذريعا، وقامت انتفاضة من المحامين وغيرهم لإيقاف هذه المهزلة'.
وأضافت: 'في عهد نقيب المحامين ناضر كسبار، بذلنا جهودا كبيرة لإعادة الجلسات إلى المحاكم، لأن المحامي مكانه في المحكمة وليس في السجن'.
كما لفتت إلى أن 'ليس كل الموقوفين موجودين في سجن رومية، فهناك ملفات تحتوي على عدد من الموقوفين، بعضهم في رومية وآخرون في سجون مختلفة كطرابلس مثلًا. ومن النادر جدا أن نجد ملفًا يضم موقوفًا واحدًا. وبالتالي، لا تُعقد الجلسات باستمرار، ولا يمكن اختزال أزمة العدالة بهذا الشكل'.
واعتبرت أن 'من يقولون إنهم وجدوا حلًا للأزمة عبر قاعة رومية، فهم لا يعرفون أنهم يدخلون بأزمة جديدة'. وشددت على أن 'تسريع المحاكمات يحتاج إلى سلسلة من الإجراءات والترتيبات، وليس مجرد قاعة في رومية. الحل يبدأ بإنشاء آليات لسوق الموقوفين، وبناء سجون جديدة تراعي حقوق الإنسان، وتسريع المحاكمات، وتطبيق قانون العفو العام، ومحاربة الفساد في بعض الأجهزة، وقبل كل شيء، باحترام القاضي والموظف والمحامي، لا سيما في ظل تدني رواتب الموظفين بشكل كبير'.
وبالنسبة للموظفين ومعاناتهم قالت: 'الموظفون معترضون لأنهم سيعانون بنقل الملفات من محكمة الى محكمة، وهذا الموضوع يؤدي الى اذلال للموظف بخاصة أن معاشاتهم متدنية، وبالنسية للقضاة فهنالك قضاة جنايات وهم قضاة تحقيق في الوقت نفسه، وعندما يكونون في بعبدا باستطاعتهم تسهيل أمور المواطنين ولا يكونون محجوزين طول النهار بسبب جلسة واحدة'.
وختمت بالقول: 'أين هو الحل عندما تفتح الدولة قاعة محاكمة مخصصة لقضايا الإرهاب فقط، بحجة تسهيل المحاكمات؟ في حين أن المشكلة الحقيقية تكمن في مكان آخر. هذه القاعة يجب أن تبقى مخصصة حصريا لهذا النوع من الملفات، وإذا تحوّلت إلى أمر واقع كما حصل مع المحكمة العسكرية، ستكون الكارثة أكبر. ونحن كمحامين، نعلم جيدًا ما الذي يحدث، ونقابتنا تسعى دائمًا للحفاظ على كرامة المحامي'.