اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ١٨ حزيران ٢٠٢٥
بينما تتسارع التطورات في المنطقة، يترقب لبنان النتائج بصمت ثقيل، ولكن الانعكاسات لم تنتظر طويلاً. فمع كل تصعيد عسكري جديد، يتسرّب القلق إلى الشارع اللبناني، وتبدأ الحركة الاقتصادية بالانكماش خطوة تلو الأخرى.
في الأسواق، المشهد يتغير سريعاً. المحال التجارية التي كانت تترقّب موسماً صيفياً نشطاً، باتت تواجه ركوداً غير متوقّع. وبحسب ما أكد رئيس تجمع الشركات اللبنانية باسم البواب، فإن الحركة التجارية تراجعت بصورة لافتة، وبدأت تظهر مؤشرات واضحة على ضعف الإنفاق لدى اللبنانيين والمغتربين على حد سواء، مشيراً الى أن هناك شركات سجلت انخفاضاً في المبيعات وصل إلى 50% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
القلق لا يقتصر على الداخل فقط، فانعكاسات التوتر دفعت العديد من السياح والمغتربين إلى إعادة النظر في خططهم الصيفية. وفق المعطيات، فإن نسبة إلغاء الحجوزات إلى لبنان تجاوزت 40%، مع تسجيل انسحابات متتالية من شركات طيران أجنبية أوقفت رحلاتها إلى بيروت.
الأثر المباشر بدا واضحاً في القطاع السياحي، الذي كان يعوّل عليه لبنان لإنعاش اقتصاده خلال فصل الصيف. “هذا الموسم كان من المفترض أن يكون نقطة تحول، خصوصاً بعد انطلاقة واعدة أواخر أيار”، بحسب ما أوضح البواب، لافتاً إلى أن التحويلات المتوقعة من المغتربين والإنفاق السياحي كان من المقدر أن يُدخلا أكثر من 20 مليار دولار إلى الاقتصاد اللبناني.
ولكن، في ظل المشهد الاقليمي الضبابي، لا يبدو أن هذه التوقعات في طريقها الى التحقق. ويُجمع أصحاب المؤسسات على أن استمرار التوتر سيقود إلى مزيد من الخسائر، ويضع علامات استفهام حول قدرة لبنان على تجاوز صيفٍ آخر بلا عائدات.
حتى اللحظة، لا مؤشرات على تدخل مباشر للبنان في الصراع القائم، لكن مجرد القرب الجغرافي والاضطراب السياسي المستمر يضعان البلد في موقع هشّ، اقتصادياً وسياحياً، وهذا وحده كفيل بأن يعيد الأسواق إلى نقطة الصفر.
في هذا السياق، كان لموقع “لبنان الكبير” جولة ميدانية في عدد من الأسواق الشعبية في بيروت، شملت منطقتي مار الياس وسوق البربير، حيث بدا واضحاً أثر التراجع الاقتصادي على الحركة التجارية. وعبّر عدد من أصحاب المحال والتجّار عن خيبة أمله من تبدّد الآمال بموسم صيفي منتعش.
نزيه، صاحب محل للألبسة الرجالية في مار الياس، أعرب عن خيبته قائلاً: “من أول السنة، كنا نشتغل على تجهيزات الصيف. جبت موديلات جديدة، وعملت عروض خاصة للمغتربين. بأواخر أيار، بلّشت الحركة تبشّر بالخير، وصار في ناس عم ترجع من الخارج وتشتري. فجأة، كل شي توقّف، والشارع صار فاضي. الأحداث خربت كل حساباتنا.”
سهى، صاحبة محل عطور وإكسسوارات في سوق البربير، رأت أن التراجع أكبر من المتوقع: “أنا دايما بعتمد على المغتربين بهيك موسم. بيحبوا يجيبوا هدايا، بيشتروا بكميات. ببداية الشهر، حسّيت الحركة عم تتحسن، بس مع التصعيد الأخير، الناس بطلت تفوت. حتى الزباين المحليين صاروا يمرقوا بلا ما يشتروا، بيسألوا عن الأسعار وبيروحوا.”
أبو محمد، يدير سوبرماركت صغيراً في المنطقة، أشار إلى أن الخوف انعكس حتى على شراء الأساسيات: “نحنا عادة وقت الصيف منشتغل أكتر، خصوصاً مع وجود الزوار. حتى اللبناني بيصرف شوي زيادة. بس هالمرة، ما في شي. الناس عم تشتري أقل من حاجتها. بيحسبوا الحساب لآخر الشهر. في سلع أساسية ما عم تتحرّك من البراد. الوضع مش طبيعي.”
هذه الجولة سلطت الضوء على واقع اقتصادي مأزوم يعيشه الشارع اللبناني، وعكست نبض الأسواق الشعبية التي غالباً ما تكون أول من يشعر بارتدادات الأزمات. وعلى الرغم من محاولات بعض التجار التمسّك بالأمل في تحسّن قريب، يبقى الواقع أكثر قسوة، وسط مشهد سياسي وأمني غير مستقر، يجعل من أي موسم واعد حلماً مؤجّلاً.