اخبار لبنان
موقع كل يوم -جنوبية
نشر بتاريخ: ٢٣ كانون الثاني ٢٠٢٥
قال الرئيس الاميركي جو بايدن في إحدى مقابلاته ' لقد حضرت كثيراً من الاجتماعات الدولية، اكثر مما يحضره معظم الرؤساء خلال ثلاث سنوات ونصف السنة، ولا يوجد اجتماع دولي كبير حضرته إلا وتحدّث معي خلاله زعيم عالمي وانا أغادر، وقال لي : لا يمكن لترامب الفوز، لا يمكنك السماح له بالفوز'.
لا خلاف، بأن شخصية دونالد ترامب تلعب دوراً في زيادة مخاوف زعماء العالم، فهو شخصية تفكر خارج الصندوق، ولديه رؤيته الخاصة لدور الولايات المتحدة
مرّ الخبر حينها من دون ضجة تذكر، حيث نقلته وسائل الاعلام العلمية، فقط لكونه صادر عن رئيس أكبر دولة في العالم، من دون التركيز على مضمونه اللافت، الذي كان من المفترض أن تقام على خلفيته الحلقات التحليلية والاستشرافية للوصول الى خلاصة سياسية واضحة التي تجيب على السؤال التالي: لماذا يخافون من دونالد ترامب؟
بعيداً عن الكيفية التي ستتيح لجو لبايدن عدم السماح بفوز ترامب، فإنه مطلب مستغرب في مضمونه، ويعتبر تدخلاً في أمر انتخابي مهم يقرره الشعب الاميركي، ويعتبر مساً مباشراً بالديمقراطية التي تقرر وحدها آلية فوز المرشح او خسارته بعد ظهور نتائج التصويت.
لقد أثبتت التجارب أن هذا الرجل، وبخلاف ما تم تصويره واتهامه، بما هو صحيح، وبما هو تجنٍ وتشويه سمعة. أنه رجل قيادة بامتياز، متماسك القرار والتصميم
لا خلاف، بأن شخصية دونالد ترامب تلعب دوراً في زيادة مخاوف زعماء العالم، فهو شخصية تفكر خارج الصندوق، ولديه رؤيته الخاصة لدور الولايات المتحدة وكلفة تحملها قيادة العالم، بحيث يرى أنها تكلفة مجحفة بحق الشعب الاميركي الذي يتحمل الثقل الاكبر في اكثر من قضية من قضايا العالم، كدعم منظمة دولية كالأمم المتحدة بكافة فروعها، او حلف شمال الاطلسي ( الناتو) حيث ما إن تم انتخابه، حتى بدأ بمطالبة دول ذلك الحلف، بزيادة انفاقها العسكري الى حدود 5% من اجمالي الناتج المحلي، وسط مخاوف من تقليل الدعم لأوكرانيا.
إقرأ أيضا: دير كيفا لم تخرج من صدمتها.. عميل يختار الدنيا ومقاتل ينشد الآخرة «فوق سقف واحد»
لقد أثبتت التجارب أن هذا الرجل، وبخلاف ما تم تصويره واتهامه، بما هو صحيح، وبما هو تجنٍ وتشويه سمعة. أنه رجل قيادة بامتياز، متماسك القرار والتصميم، يمثل فعلياً صورة الولايات المتحدة العقائدية والاجتماعية، فهو ليبرالي رأسمالي، لا يعرف سوى لغة الاقتصاد والاكلاف التي يجب الدول الاخرى تقاسمها مع بلاده، ويؤمن بتفوق اميركا التكنولوجي كدولة استهلاك، ويدرك كخبير بأن الاقتصاد العالمي يرتبط بمؤشرات الاقتصاد الاميركي، فعلى الرغم من فرض احتكارات، تؤدي الى تدني اسعار المواد الاولية التي يحتاجها الاقتصاد الاميركي، الا انها حتماً تساعد اقتصاد الدول المصدرة لتلك المواد، التي هي بحاجة للعملات الصعبة. من دون ان ننسى خلافه كصاحب رؤية مع المجمع الصناعي ــ العسكري، الذي اعتبره الرئيس ايزنهاور، بأنه يشكل تهديداً للأمن والاستقرار.
استطاع دونالد ترامب بناء خطاب سياسي ايديولوجي اقتصادي، متماسك هزم به منافسته كامالا هاريس
كما إن ترامب في اثناء حملته الانتخابية، أعاد التركيز على مسألة الايديولوجية الليبرالية النقية، التي تحكم الامة الاميركية، والمقصود بـ'النقية' أن المجتمع الاميركي لم يختبر الانقسام الطبقي والصراع الايديولوجي، او فكرة اليمين واليسار كما حدث في اوروبا، فقد قال: 'لدينا بعض الاشخاص السيئين للغاية، ولدينا الاشخاص المضطربين، مجانين اليسار، وأعتقد أنه اذا لزم الامر يجب التعامل معهم ببساطة، من قبل الحرس الوطني'. الى هذا الحد يؤمن بأن بلاده لا يمكن أن تختبر الانقسام الايديولجي التقليدي، الذي لا مكان له داخل المجتمع الاميركي.
يأتي دونالد الى زعامة العالم، من النظام الرئاسي الفريد من نوعه في العالم، فالرئيس يمثل كلّ السلطة التنفيذية، بمعاونة مجموعة من الافراد يُسمون تجاوزاً وزراء
أما الأمر الاكثر اهمية والذي عبّر عنه دون تكلّف أو تصنّع، ودفع الرجل الاميركي العادي، أو رجل الشارع البسيط، ليتفاعل مع خطابه هو مسألة الدين الذي جعله في صلب خطابه الانتخابي وحواراته الاخرى، حيث من نافل القول إن الاميركيين، يشكلون مجتمعاً متديناً، والدين يبرز في معتقد ترامب ببعده اليومي اي الفردي لا المؤسساتي، باعتباره العنصر الابرز من العناصر المكونة للهوية الاميركية، وهذا ما جزم به المؤرخ والسياسي الفرنسي الكسيس دو توكفيل بقوله، إن الاميركيين يعتقدون أن الدين اساسي وضروري لبقاء جمهوريتهم.
وبناء على تلك الوقائع، استطاع دونالد ترامب بناء خطاب سياسي ايديولوجي اقتصادي، متماسك هزم به منافسته كامالا هاريس، التي بدت مربكة، بخطاب اشبه بمجموعة جزر متناثرة غير منضبطة، فشل في إعطاء الاجابات الشافية حول الكثير من المسائل، خصوصاً قضية التحول الجنسي، الذي كان ترامب اكثر وضوحاً وحزماً في هذا الموضوع لناحية انه لا يعترف سوى بذكر وانثى، وأنه بصدد منع خدمات الرعاية الجنسية، المتعلقة بالتحول الجنسي للقاصرين، كما وعد بحال فوزه.
على المستوى العالمي، فترامب يكاد يكون الرئيس الاوحد، الذي تفاعل مع ازمات دولية كحربي لبنان وغزة، وساهم، لا بل فرض حلّها قبل أن يتسلم منصبه رسمياً
يأتي دونالد الى زعامة العالم، من النظام الرئاسي الفريد من نوعه في العالم، فالرئيس يمثل كلّ السلطة التنفيذية، بمعاونة مجموعة من الافراد يُسمون تجاوزاً وزراء، إذ لا حكومة بالمعنى الفعلي البرلماني، فالرئيس يحتكر كل السلطة في ظل فصل جامد للسلطات.
وستعطي سيطرة الحزب الجمهوري على الكونغرس قوة اضافية لترامب القادر على قيادة الجمهوريين وتوحيدهم، للوقوف خلفه في رحلة تنفيذ برنامجه السياسي، القائم داخلياً على التصدي للهجرة غير الشرعية، التي يعتبرها التحدي الاكبر الذي يواجه الامن القومي الاميركي، وقد بدأ ولايته بأمر تنفيذي، يمنع من خلاله الجنسية بالولادة، فلا احد غير الرئيس ترامب يصدر هذه النوعية من القرارات، التي تعتبرها المنظمات الحقوقية مخالفة لحقوق الانسان وغير دستورية، ولولا استناده الى كتلة شعبية جارفة تدعمه وتقبل بقرارته، لما تجرأ على المبادرة بهذا الخصوص.
وعلى المستوى العالمي، فترامب يكاد يكون الرئيس الاوحد، الذي تفاعل مع ازمات دولية كحربي لبنان وغزة، وساهم، لا بل فرض حلّها قبل أن يتسلم منصبه رسمياً.
إقرأ أيضا: بعد تهديد ترامب بالعقوبات.. الكرملين يعلن استعداده للحوار بشأن أوكرانيا
وبالانتظار، هناك الازمة الاوكرانية التي لن يطول، الامر حتى يبدأ بتفكيك معالمها، وصولا الى وضع نهاية حتمية ترضي جميع الاطراف، اما المنتظران الابرزان، فأورربا والصين، فماذ يخبئ لهما هذا الرجل الذي أثبت انه زعيم اميركا والعالم؟