اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٢٣ أيلول ٢٠٢٥
شكّل مؤتمر حل الدولتين الذي إنعقد بدعوة من المملكة العربية السعودية وفرنسا على هامش الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة محطة تاريخيّة مفصلية تمثلت بالزخم العالمي للاعتراف بدولة فلسطين من أكثر من مئة وخمسين دولة، في ظل عزلة دولية واضحة لإسرائيل التي بقيت مقاعدها فارغة، ولم يتوان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في التعبير عن غضبه من نتائج المؤتمر وإطلاق التهديدات بالرد عليها بضم الضفة الغربية إلى الكيان الغاصب.
وجاءت كلمات رؤساء وممثلي الدول المعترفة بدولة فلسطين لتؤكد على ضرورة إجبار إسرائيل على وقف حرب الابادة والتجويع والتدمير والتهجير التي تمارسها بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وفي ذلك إدانة عالمية جديدة للكيان الغاصب الذي لا يقيم وزنا لقوانين ومواثيق الأمم المتحدة ولا لشرائع حقوق الإنسان ويمارس التغول في منطقة الشرق الأوسط بالاعتداء الغادر على دولها من فلسطين إلى لبنان فسوريا والعراق واليمن وصولا إلى قطر.
وقد جاء هذا الاعتراف نتيجة للضغط الذي مارسه الرأي العام العالمي والناشطون والمتضامنون مع القضية الفلسطينية في كل هذه الدول على حكوماتها من خلال التظاهرات المليونية والتحركات والاعتصامات لوقف المجازر الاسرائيلية، وفي ذلك إنجاز يُسجل للإعلام الفلسطيني وللإعلام المقاوم الذي نجح في إظهار الحق الفلسطيني وإقناع العالم بالسردية الفلسطينية ودحض كل المزاعم والأكاذيب الاسرائيلية الأخرى.
بالرغم من أن ما شهده المؤتمر من إعتراف يُعتبر خطوة رمزية كونه ما يزال يحتاج إلى إقرار في مجلس الأمن وتجاوز حق النقض الأميركي الداعم بشكل كامل للعدو الاسرائيلي والرافض لحل الدولتين او الاعتراف بدولة فلسطين قبل إنتهاء الحرب والقضاء على المقاومة أو إستسلامها، إلا أنه يؤسس للحق الفلسطيني في تشكيل دولته بشكل قانوني على الأراضي التي تستولي عليها إسرائيل منذ حزيران 1967 والتي إعتبرها المؤتمر غير شرعية وغير قانونية.
لا شك في أن ما شهده مؤتمر حل الدولتين، يشكل إنتصارا مدويا للقضية الفلسطينية التي نجحت عبر مقاومتها ونضالاتها وتضحياتها وشهدائها وجرحاها ولاجئيها في مخيمات الشتات في الحفاظ عليها حية، كما يشكل إنتصارا لطوفان الأقصى الذي أعاد القضية الفلسطينية إلى المحافل الدولية وساهم بتعرية إسرائيل وعزلها وصولا إلى المطالبة الدولية بمنع تصدير السلاح اليها وفرض عقوبات على الكيان وإيقاف كل أنواع التبادل التجاري معه حتى يتوقف عن الابادة الجماعية التي يرتكبها بحق ابناء قطاع غزة.
واللافت أن المؤتمر لم يسهم فقط في عزل إسرائيل بل أيضا واجه وربما للمرة الأولى بهذا الزخم الولايات المتحدة الأميركية المتمسكة بالدعم المطلق لإسرائيل والتي قد تجد نفسها أيضا في حالة من العزلة إذا ما قامت باستثناء رغبة دول العالم مجتمعة من أجل كيان غاصب مارق يسعى إلى تحقيق حلم إسرائيل الكبرى والذي رفع المؤتمر والتضامن العالمي الذي شهدته القضية الفلسطينية فيه ورفضه إنتهاك سيادة دول الشرق الأوسط أكثر من جدار عازل في طريقه.
وبالرغم من غطرسة أميركا التي لن تتوانى عن ممارسة حق النقض في مجلس الأمن للحؤول دون منح فلسطين العضوية الكاملة كدولة، الا أن ذلك قد يعرضها لخسارة الكثير من الحلفاء الذين قد يفتشون عن خيارات أخرى، وربما يكون لهذا الأمر تداعيات في الداخل الأميركي الذي يغلي على وقع ممارسات دونالد ترامب ودعمه المطلق لمجازر إسرائيل سواء عبر التحركات والاحتجاجات الغاضبة أو من خلال الأصوات الداعية إلى عدم إستخدام ضرائب الشعب الأميركي لدعم الكيان الصهيوني في حرب الابادة والتجويع ضد الفلسطينيين، الأمر الذي لن يكون في مصلحة ترامب الذي يواجه معارضة غير مسبوقة.
يمكن القول، إن العالم بأسره قد حقق إنجازا تاريخيا من خلال إعترافه بدولة فلسطين، لكن العبرة في المتابعة والضغط ليصبح هذا الاعتراف أمرا واقعا، وهذا ما عبر عنه وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير فيصل بن فرحان في ختام المؤتمر حيث شكر كل الدول التي إعترفت بدولة فلسطين، معتبرا أنه ليس أمرا رمزيا بل يعكس إرادة حقيقية لرغبة الشعب الفلسطيني بأن يكون له دولته وحق تقرير مصيره، مشددا على أن المملكة ستتابع ما تحقق وستعمل على وقف العدوان على غزة وستسعى إلى تحقيق حل الدولتين وفقا لمبادرة السلام العربية في قمة بيروت.