اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ١٩ تموز ٢٠٢٥
بدأت تتّضح معالم التحرك الأميركي الأخير تجاه لبنان، مع تسلّم الرؤساء الثلاثة في بيروت الرد الرسمي الذي حمله المبعوث الأميركي توم باراك. الرد يأتي في إطار وساطة تقودها واشنطن لاحتواء التصعيد الحدودي مع إسرائيل، ويرتكز على «خارطة طريق» تتضمن مطلبين أساسيين: نزع سلاح حزب الله، والبدء الفوري بإصلاحات سياسية واقتصادية شاملة.
مرحلة 'الفرصة الأخيرة'
مصادر دبلوماسية مطلعة أكدت أن الرد الأميركي يكتسب طابعًا حاسمًا، بل وصفته بأنه يحمل نبرة 'الفرصة الأخيرة'، كما يلاقي الموقف السعودي في الإصرار على إنهاء ما تعتبره العاصمتان 'دويلة خارجة عن القانون' داخل لبنان. وتشير المصادر إلى أن الرسالة الأميركية هذه المرة جاءت أكثر تفصيلاً، مع مطالب محددة وجداول زمنية واضحة.
الموقف اللبناني: شروط مسبقة وهامش زمني
وكانت الحكومة اللبنانية قد سبقت الرد الأميركي بإرسال وثيقة من ست إلى سبع صفحات، صيغت بالتنسيق بين رئاسات الجمهورية والحكومة والبرلمان. أكدت الوثيقة اللبنانية على ضرورة انسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي المتبقية تحت الاحتلال – مثل مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والنقاط الحدودية المتنازع عليها – كشرط مبدئي لنقاش مسألة نزع سلاح حزب الله.
كما اقترحت بيروت جدولاً زمنياً فضفاضاً وغير مُلزِم، يشمل تعزيز سلطة الدولة على السلاح ضمن آلية تشرف عليها الأمم المتحدة، وبالتفاهم مع القوى الإقليمية.
واشنطن تردّ بصرامة
في المقابل، شددت واشنطن على ضرورة تحديد مهلة لا تتجاوز نهاية العام 2025، للبدء الفعلي بنزع السلاح الثقيل لحزب الله من الجنوب، وتوسيع سلطة الدولة على كامل الحدود. وتقول مصادر أميركية وسعودية متقاطعة إن هذه المهلة تمثل الفرصة الأخيرة قبل وقف كل أشكال الدعم المالي والسياسي، مع ربط أي مساعدات مستقبلية بإصلاحات ملموسة وإنهاء ظاهرة السلاح غير الشرعي.
السياق الإقليمي: تصعيد متبادل وغليان الحدود
يأتي كل ذلك في ظل سياق إقليمي شديد التوتر، إذ يشهد الجنوب اللبناني أعنف موجات تصعيد منذ حرب تموز 2006، في أعقاب حرب غزة الأخيرة. القصف المتبادل بين إسرائيل وحزب الله بلغ مستويات غير مسبوقة، فيما وسّعت إسرائيل دائرة استهدافاتها إلى العمق اللبناني. في المقابل، يهدّد الحزب بتوسيع نطاق المواجهة إذا استمرت الاعتداءات، ما يجعل من خارطة الطريق الأميركية رهينة ظروف عسكرية وأمنية متقلبة.
تل أبيب: بين الترقب والريبة
إسرائيل بدورها تنظر إلى المبادرة الأميركية كفرصة لانتزاع التزام رسمي لبناني بنزع سلاح الحزب، لكنها لا تُخفي شكوكها في قدرة الدولة اللبنانية على تنفيذ هذا البند، في ظل غياب توافق سياسي داخلي واضح.
حزب الله: لا تفاوض خارج الدولة
من جانبه، يرفض حزب الله أي طرح بنزع سلاحه خارج إطار انسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي اللبنانية المحتلة. ويصرّ على أن أي تفاهم يجب أن يتم عبر الدولة اللبنانية حصراً، لا من خلال تفاوض مباشر مع الأميركيين أو الإسرائيليين. ويرى الحزب أن ما يجري هو محاولة لتغيير قواعد الاشتباك دون تقديم ضمانات سيادية للبنان.
مأزق السلطة: توازنات الداخل وضغوط الخارج
تحاول الرئاسات اللبنانية الثلاث السير بين الألغام، في مسعى لتحقيق توازن بين مطالب الخارج وضغوط الداخل. إلا أن هذا التوازن يبدو هشًا، خاصة في ظل الانقسامات السياسية والطائفية التي تعيق أي قرار حاسم. ويخشى مراقبون أن يتحول الأمر إلى مجرد لعبة 'شراء وقت'، إذا لم تتبلور آلية تنفيذية واضحة تحظى بموافقة مختلف الأطراف.
الوقت ينفد
التحذيرات الأميركية باتت واضحة: 'الوقت هو المعيار'، وأي تأخير إضافي سيقابل بعقوبات وضغوط جديدة. في المقابل، لا تزال بيروت تحاول كسب المزيد من الوقت لتجنّب الاصطدام المباشر مع الداخل أو الخارج.
في ظل غياب ضمانات حقيقية لوقف إطلاق النار واستمرار التهديدات المتبادلة، تبقى الأوضاع في الجنوب مرشحة للتصعيد. أما خارطة الطريق الأميركية، فإما أن تتحول إلى مدخل لتسوية شاملة، أو أن تسقط تحت وطأة المراوغات السياسية والانفجار الأمني المنتظر.