لايف ستايل
موقع كل يوم -فوشيا
نشر بتاريخ: ٣٠ أيلول ٢٠٢٥
تزخر تونس بمواهب فنية لافتة وأصوات مميزة، ورغم غناها برصيد موسيقي متنوع وعريق، فإن الأغنية التونسية لا تزال تجد صعوبة في اختراق سوق المشرق العربي، فلا تصل أعمال نجوم الغناء التونسي إلى الجمهور.
هذا السؤال طرحه 'فوشيا' على عدد من الفنانين والنقاد التونسيين والعرب الذين تحدثوا بصراحة عن أسباب وتحديات عدم وصول أعمال فناني تونس الغنائية إلى جمهور المشرق العربي، كما طرحوا أيضًا بعض المقترحات لتجاوز هذه الأزمة.
محمد الجبالي: غياب إدارة الأعمال وإعلام محلي مقصّر
يوضح الفنان محمد الجبالي، أن الفنان التونسي لا يزال يعمل بمفرده في ظل غياب شركات الإنتاج المتخصصة. وينبه في تصريحاته لموقع 'فوشيا'، إلى أن هناك نقصًا واضحًا في إدارة الأعمال التي تتولى التنسيق مع الحفلات والبرامج الفنية المهمة التي تسهم في التعريف والتسويق للإنتاج التونسي على صعيد عربي.
كما يشير الجبالي إلى تقصير بعض وسائل الإعلام المحلية، التي تفتقر إلى الإيمان بالإنتاج التونسي، مؤكداً أن النجاح يبدأ بمحبتنا ودعمنا المتبادل لبعضنا البعض. ويقول: الإنتاج التونسي يتمتع بقاعدة قوية من شعراء وملحنين وموزعين وأصوات مميزة. معربًا عن أمله في تحسن الظروف ليتمكن الفن التونسي من استعادة مكانته وتحقيق النجاح على المستوى العربي.
نوال غشام: الجمهور المشرقي لم يبذل جهدًا كافيًا لفهم اللهجة التونسية
توضح الفنانة نوال غشام، أن أغاني المغرب العربي تبقى في غالبها محلية بطبيعتها، مؤكدة في تصريحاتها لموقع 'فوشيا'، أن الرّاي الجزائري هو النوع الوحيد الذي حقق انتشارًا واسعًا، في حين لم تحظَ الأغنية الوترية المغربية بشهرة كبيرة خارج حدود المغرب العربي.
وتؤكد نوال غشام أن منصات التواصل الاجتماعي، سهلت اليوم عملية انتشار الأغاني، لكنها ترى أن اللهجة تشكل عائقًا أساسيًا أمام وصول الأغنية التونسية إلى الجمهور العربي، خاصة أن الجمهور المشرقي لم يبذل جهدًا كافيًا لفهم اللهجة التونسية، إلا في بعض الكلمات المتفرقة.
وتقول: هناك فرصة حقيقية لتعريف العرب والمشارقة بتونس ولهجتها، ولا سيما أن السياحة التونسية تعتمد بشكل كبير على الأوروبيين والغرب بشكل عام؛ ما يحدّ من التعرف العربي على البلاد.
من جهة أخرى، تعبّر نوال غشام عن قلقها من ضعف الإمكانيات المتاحة في تونس اليوم على مستوى الإبداع؛ ما أدى إلى نقص واضح في الإنتاج الفني، خاصة في ظل غياب شركات الإنتاج وتكاليف الإنتاج المرتفعة، الأمر الذي جعل ظروف الفنانين في تونس، خصوصًا في مجال الأغنية الوترية، صعبة جدًا، حيث يعمل الفنانون فقط من أجل الكسب المادي المعيشي.
وتختم نوال غشام بالقول إن الواقع الحالي للإنتاج الفني في تونس لا يمكن مواجهته بشكل فردي، بل يتطلب سياسة دولة شاملة تقدم دعمًا حقيقيًا للقطاع الفني، من خلال تخصيص ميزانيات محترمة لتعزيز الإبداع وتشجيع الإنتاج الفني الوطني.
نور شيبة: مهرجان قرطاج بوابة مهمة.. ولكن!
بدوره، يرى الفنان نور شيبة أن غياب شركات الإنتاج في تونس هو السبب الرئيسي في عدم وصول الأغنية التونسية إلى المشرق العربي، كما حمّل شركات الإنتاج العربية جزءًا من المسؤولية لعدم رهانها على اللهجة التونسية رغم تنوعها وجماليتها.
ويشير شيبة إلى مفارقة لافتة تتعلق بـ'مهرجان قرطاج الدولي'، قائلاً: نملك أعظم مهرجان موسيقي في العالم العربي، لكن الفنانين العرب الذين يشاركون فيه لا يغنون باللهجة التونسية، بل يكتفون بلهجاتهم الأصلية، رغم أن تونس تمنحهم منصة جماهيرية ضخمة. هذا أمر مؤسف.
ويحيّي نور شيبة مبادرات إيجابية قام بها بعض الفنانين العرب، مثل الفنانة الإماراتية أحلام التي غنّت باللهجة التونسية في قرطاج، إلى جانب دعمها للسياحة التونسية، وكذلك الفنانة السورية أصالة التي قدّمت أغنية عن تونس خلال اختتام دورة 2024، معتبرًا ذلك نموذجًا يحتذى.
وييؤكد شيبة أن فنانين تونسيين معروفين مثل: لطيفة، وصابر الرباعي، ولطفي بوشناق، ويسرى محنوش، يبذلون مجهودًا كبيرًا لتعريف العالم العربي باللهجة التونسية، لكن الجيل الجديد يفتقر إلى الإمكانيات المادية والدعم المؤسسي. ويرى أن الحل الوحيد اليوم، هو استثمار مهرجان قرطاج كمنصة حقيقية لتعريف الجمهور العربي بالأغنية التونسية، وعلى الدولة دعم إنشاء صندوق خاص لتسويقها وتوسيع انتشارها.
لمياء الرياحي: الأغنية التونسية تفتقر إلى الاستثمار والترويج
تعتبر الفنانة لمياء الرياحي، مؤسسة نادي الطرب 'رياحيات'، أن عدم وصول الأغنية التونسية إلى الجمهور العربي يعود بالأساس إلى غياب الوسائل الفعالة التي تضمن انتشارها، وفي مقدمتها شركات الإنتاج.
وتبين لمياء أن شركة روتانا السعودية، كانت فكرت في وقت سابق بفتح فرع لها في تونس، وتبنّي عدد من الفنانين التونسيين، وكانت هي من بينهم، بل وسجّلت ألبومًا مع الشركة، لكن المشروع توقّف وأُغلق الفرع لأسباب متعددة لم تتطرق إليها.
وتؤكد لمياء الرياحي أن غياب الاستثمار في القطاع الفني في تونس يُعدّ أحد أكبر التحديات، حيث لا توجد شركات تُعنى بالفنانين، ولا منصات لتصوير الأعمال الموسيقية وتقديمها بمستوى تنافسي في السوق العربية. ورغم ذلك، فهي لا ترى أن اللهجة التونسية تمثل عائقًا، مشيرة إلى أن لهجات أخرى استطاعت أن تفرض نفسها بفضل الدعم والترويج.
وتوضح لمياء الرياحي أنها تحاول، من خلال السوشال ميديا ونشاطها في نادي 'رياحيات'، الإسهام في تسليط الضوء على الأغنية التونسية، لكنها تعترف بأن إنتاج الكليبات والأعمال الموسيقية يبقى محدودًا وصعبًا في ظل ضعف الإنتاج في السوق التونسية.
وتقول: الحل يكمن في وجود شركات إنتاج حقيقية تدعم الفنان التونسي وتسوّق أعماله، إلى جانب ضرورة توفر إدارة أعمال محترفة ومتعهدي حفلات أكفّاء. هذه العناصر مجتمعة قادرة على إيصال الأغنية التونسية إلى الجمهور العربي.
آمنة فاخر: لا نجاح عربيا للفنان التونسي دون دعم حقيقي
تؤكد الفنانة آمنة فاخر، أن الفنان التونسي بمفرده لا يمكنه الوصول إلى الجمهور العربي الواسع، إذ لا بد من وجود شركات إنتاج كبيرة تدعم الأعمال الفنية. مبينة أن منصات التواصل الاجتماعي تلعب دورًا بارزًا في التعريف بالأعمال، إلا أن الدعم المؤسساتي لا يزال ضروريًا لتعزيز هذا الانتشار.
من ناحية أخرى، تؤكد آمنة فاخر أن اللهجة التونسية تُعتبر عائقًا نسبيًا لأنها غير مفهومة جيدًا في مختلف أنحاء الوطن العربي. وتشير إلى أن الفنان التونسي عندما يغني بلهجات أخرى، يكون لديه فرص أكبر في الوصول إلى جمهور أوسع. وتستدل بتجربتها الخاصة من خلال أغنيتها الخليجية 'المجنون'، من كلمات عبير الشوق وتوزيع وليد فايد وألحان فايز السعيد، والتي حققت نجاحًا كبيرًا عبر منصات التواصل الاجتماعي في العراق، والإمارات، والمملكة العربية السعودية. وبعد هذا النجاح، بدأت الجماهير العربية تتساءل عن الفنانة آمنة فاخر وأعمالها، كذلك لاقت أغنيتها باللهجة العراقية بعنوان 'أصلا'، نجاحًا ملحوظًا أيضًا.
ترى آمنة فاخر أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت اليوم أداة أساسية للانتشار على المستوى العربي، كما أن صناع المحتوى لهم دور كبير في دعم انتشار الأغاني. وتؤكد أن الأغاني التي قدمتها بلهجات غير اللهجة التونسية حققت نجاحًا أكبر خارج تونس. وختمت بأن الدعم الحقيقي والفاعل من وزارة الشؤون الثقافية ومن الجهات الرسمية في تونس هو المفتاح لإيصال الأغنية التونسية إلى كافة أنحاء العالم العربي.
ماهر الهمامي: إعلامنا يُقزّم المنتج التونسي
يشير نقيب الموسيقيين التونسيين ماهر الهمامي، إلى أن شركات الإنتاج العربية لا تولي اهتمامًا كافيًا للمطربين والموسيقى التونسية، معتبراً أن عامل اللهجة التونسية التي تُعتبر صعبة النطق والفهم يعد من أبرز العقبات في هذا السياق.
وأضاف الهمامي أن غياب شبه كامل لشركات الإنتاج التونسية المتخصصة في تسويق الفنانين خارج البلاد يزيد صعوبة وصول الإنتاج التونسي إلى الجمهور العربي.
ويُلفت نقيب الموسيقيين إلى أن الإعلام المحلي يلعب دورًا سلبيًا من خلال تقزيمه للمنتج التونسي، مع منح الأولوية والترويج للمحتوى الأجنبي في نسب البث، الحوارات، والتغطيات الإعلامية الخاصة بالمهرجانات؛ ما يصعب مهمة تسويق الفن التونسي.
من جانب آخر، يرى الهمامي أن الكثير من الفنانين التونسيين لا يزالون ينظرون إلى السوشال ميديا كأداة 'ثانوية' مقارنة بالتلفزيون أو الراديو، متجاهلين أن المنصات الاجتماعية أصبحت اليوم الوسيلة الأهم للوصول إلى الجمهور العربي والعالمي.
كما يؤكد الهمامي أن الفنان التونسي يعمل غالبًا بشكل مستقل أو ضمن فريق صغير جدًا، دون وجود 'إدارة محتوى' أو 'مدير أعمال محترف' يفهم متطلبات السوق؛ ما يعكس نقصًا واضحًا في التكوين والتوجيه المهني.
مصطفى حمدي: حاجز اللهجة وآليات التسويق وراء ضعف انتشار الأغنية التونسية
يرى الناقد الموسيقي المصري مصطفى حمدي، أن أعمال الفنانين التونسيين لا تصل إلى المشرق العربي بسبب حاجز اللهجة، حيث إن الجمهور في المشرق العربي معتاد على اللهجات المصرية، اللبنانية، والخليجية، والتي تحظى بشعبية وانتشار واسع، خصوصًا اللهجة المصرية التي تتمتع بقاعدة جماهيرية ضخمة.
ويضيف حمدي أن الفنانين التونسيين الذين نجحوا في الوصول إلى الجمهور العربي، مثل الراحلة ذكرى محمد، وصابر الرباعي، هم أولئك الذين غنوا بهذه اللهجات؛ ما ساعدهم على الانتشار في المشرق. ورغم ذلك، كان هؤلاء الفنانون قادرين على تقديم أعمال باللهجة التونسية أيضًا، ونجحوا في بناء جمهور لهم بفضل تمكنهم من تقديم لهجات أخرى في البداية.
كما يشير الناقد الموسيقي المصري إلى وجود نقص واضح في آليات الصناعة الفنية والمؤسسات المسؤولة عن إنتاج الأغاني والموسيقى والترويج لها؛ ما يضعف قدرة الموسيقى التونسية على الوصول إلى الجمهور في المشرق العربي. ويستذكر أن هناك فترة كان فيها الفن الفلكلوري التونسي يصل وينجح في المشرق، مثل أغنية 'سيدي منصور' التي حققت انتشارًا واسعًا بسبب وجود آليات تسويقية قوية آنذاك.
ويشير مصطفى حمدي إلى غياب فهم عميق لدى بعض الفنانين التونسيين، خصوصًا من الجيل الجديد، لأذواق الجمهور المشرقي واحتياجاته الثقافية والفنية، ولا سيما في مجال الراب والفن الشعبي، حيث يركزون على الجمهور المحلي فقط. ويؤكد أن المشكلة ليست تقصيرًا من المشرق العربي، الذي احتضن العديد من الفنانين التونسيين، بل تكمن في ضعف الاهتمام والتركيز من جانب الفنانين التونسيين أنفسهم على تسويق فنهم في هذه المنطقة.
فاطمة عبدالله: تحديات العبور الثقافي تعيق وصول فنون تونس إلى المشرق
ترى الناقدة والصحافية اللبنانية المتخصّصة في الفنون والثقافة فاطمة عبدالله، أنّ سؤال لماذا لا تصل أعمال فناني تونس إلى المشرق العربي؟، يتعلّق بمسارات العبور أكثر مما يتعلّق بجودة العمل نفسه. وتشرح: خلال عقود، تبلورت منظومتان متباينتان، فضاء مغاربي يستند إلى الفرانكفونية وشبكات التمويل والبرمجة الأوروبية، وفضاء مشرقي تشكّل حول القاهرة وبيروت ومنصّاتهما الإعلامية والتوزيعية، فبقي الجسر بين الضفّتين معتماً. ويزداد التعثّر حين تُكتب البيانات الصحافية والملفات التعريفية بالفرنسية، بينما يحتاج الصحافي المشرقي والجمهور العربي إلى مواد واضحة بالعربية وترجمات دقيقة، فتتكوّن فجوات في السرد والتغطية، لافتةً إلى أنّ تركيز الأعمال التونسية على المهرجانات والسوق الأوروبية يُعزّز عزلتها، إذ تكتمل دورتها هناك وتفقد فرصها في العروض التجارية والجولات المشرقية.
وتوضح الكاتبة والناقدة اللبنانية، أنّ المنصّات الرقمية تُجزّئ الجمهور حين يظلّ المحتوى محصوراً في نطاقه المحلّي بلا ترجمات أو ترويج يتخطّى الحدود. ثم تأتي العوائق العملية مثل صعوبة التأشيرات وتكلفة السفر وندرة صناديق الإقامات الفنّية، إلى جانب اختلاف الذائقة بين تجريب تونسي مُكثّف الدلالة وجمهور مشرقي أوسع يحتاج إلى وساطة برمجية وترجمة سياقية تقرّب المعنى.
كما تشير فاطمة العبدالله، إلى أن صابر الرباعي ولطيفة التونسية أثبتا حضورهما، وإن كان الأوسع انتشاراً ما قدّماه باللهجة المشرقية، باستثناء أغنية (برشا برشا) التي كسرت حدودها المحلّية.
والمطلوب برأي العبدالله، حتى تصل الأغنية التونسية إلى جمهور المشرق العربي، إرادة مؤسَّسية تبني جسوراً منهجية، مثل صناديق مشتركة بين المغرب والمشرق مشروطة بالتوزيع، وتعريب احترافي للمواد، وتوأمة بين الفضاءات الثقافية، وإستراتيجيات رقمية متكاملة.