اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ١٣ أب ٢٠٢٥
د. سامي علوية*
إعادة الإعمار والإسكان
• برنامج إعادة إعمار القرى الجنوبية (منحة 2006) – في أعقاب حرب يوليو 2006، قدّمت حكومة الكويت عبر الصندوق منحة كبرى بقيمة 300 مليون دولار للمساهمة في إعادة إعمار لبنان. أشرف الصندوق على تنفيذ 76 مشروعاً تنموياً ضمن هذه المنحة في مختلف المناطق اللبنانية. أبرزها إعادة إعمار 24 قرية مدمَّرة بالكامل في جنوب لبنان – أعيد بناؤها بشكل أفضل مما كانت عليه – إضافة إلى ترميم 13 مبنى سكني في الضاحية الجنوبية لبيروت تضررت بشدّة. كما موّلت المنحة مشاريع لإصلاح البنية التحتية في الجنوب والبقاع (طرق، جسور، شبكات مياه وكهرباء) إلى جانب تجهيز مراكز صحية وخدماتية شاملة. شكّلت المنحة الكويتية لإعمار 2006 أضخم مساهمة منفردة إذ تعادل حوالي 22٪ من إجمالي تمويلات الصندوق في لبنان. وقد أكّد مسؤولون لبنانيون أنه لولا هذه المساهمة لما عادت الحياة إلى كثير من القرى الجنوبية. جسّد البرنامج معنى الشراكة الأخوية حيث أعادت الكويت عبر الصندوق إعمار ما تهدّم ووقفت بجانب لبنان في أحلك الظروف.
• إعادة إعمار مخيم نهر البارد (2009) – شارك الصندوق عبر المنحة الكويتية في تمويل مشروع إعادة إعمار مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين الذي دُمّر عام 2007. خصّص الصندوق نحو 14.5 مليون دولار من منحة إعادة الإعمار للمساهمة في بناء وحدات سكنية جديدة للبنانيين والفلسطينيين في المخيم. ورغم التأخير في إنجاز إعادة الإعمار، استمرت الكويت بدعم الجهود الإنسانية هناك. شكّل هذا الدعم حوالي 1٪ من إجمالي تمويل الصندوق. وأسهم في تخفيف معاناة آلاف العائلات التي شُرّدت من المخيم.
• مشاريع الإسكان والبنية الاجتماعية (2006–2010) – ضمن برنامج المنحة الكويتية بعد الحرب، نُفِّذت مشاريع إسكانية واجتماعية عديدة: بناء أو ترميم مئات المنازل المهدمة في قرى الجنوب وبيروت، وتأهيل دور للأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة في صيدا وبعلبك والصرفند وكسروان. كما أُنشئت مراكز تنمية اجتماعية ورياضية في مناطق مختلفة لدعم الشباب والمرأة. هذه المشاريع المجتمعية المموَّلة بمنحة كويتية تركت بصمة إيجابية مستدامة، وشكّلت جزءاً من رؤية شاملة لإعادة إعمار العمران والبشر معاً. تبلغ القيمة التقديرية لها عشرات ملايين الدولارات (ضمن إطار الـ 300 مليون $) أي حوالي 5٪ من إجمالي مساهمات الصندوق، لكنها ذات أثر تنموي بعيد المدى على النسيج الاجتماعي اللبناني.
التنمية الاجتماعية والتعليم
• تعزيز القطاع الصحي وتجهيز المستشفيات (منح مباشرة) – قدّم الصندوق الكويتي بين 2007 و2011 6 منح بقيمة إجمالية 2.7 مليون دينار كويتي (~9.2 مليون دولار) لدعم مشاريع صحية وتدريب كوادر في لبنان. شملت هذه المنح تجهيز مستشفى الكرنتينا الحكومي في بيروت بمعدات طبية ومولد كهرباء، ودعم مستشفيات حكومية أخرى بالأجهزة الحديثة. كما موّلت برامج تدريب للكوادر الحكومية وخاصة في القطاع الصحي لرفع كفاءتها. ورغم صغر حجم هذه المنح (أقل من 0.7٪ من إجمالي تمويلات الصندوق)، فإن أثرها مباشر عبر تحسين الخدمات الصحية للمواطنين وتطوير قدرات العاملين.
• إعادة تأهيل المدارس والبنى التعليمية (شراكة مع اليونيسف) – في عام 2018، وقّع الصندوق اتفاقية مع منظمة اليونيسف لتقديم منحة 2 مليون دولار مخصصة لإعادة تأهيل البنية التحتية للمدارس الرسمية في لبنان. تركّز المشروع على ترميم مدارس متضررة وتحسين مرافق المياه والإصحاح فيها لضمان بيئة تعليمية آمنة للتلامذة. نُفِّذ بالتنسيق مع وزارة التربية اللبنانية. تبلغ مساهمة الصندوق هنا أقل من 0.2٪ من إجمالي التمويل، لكنها أسهمت في استمرارية التعليم لعشرات آلاف الأطفال في مناطق مهمّشة.
• المتحف الوطني ومواقع التراث (منحة قيد التنفيذ) – ضمن المنح الحكومية التي يديرها الصندوق، خُصص مبلغ هام لبناء متحف تاريخ بيروت وترميم بعض المواقع الأثرية. أُعلن عن مشروع متحف بيروت التاريخي بمنحة حوالي 30 مليون دولار بهدف إنشاء صرح ثقافي يحفظ تراث المدينة. كما جرى ترميم قلعة الشقيف (آرنون) التاريخية بتمويل كويتي لإعادتها إلى رونقها بعد أن تضررت في الحروب. هذه المساهمات الثقافية تُقدّر بحوالي 2٪ من إجمالي تمويلات الصندوق، وتعكس حرص الكويت على الإرث الحضاري اللبناني إلى جانب التنمية الاقتصادية.
دعم اللاجئين والمجتمع المحلي
• مشاريع دعم النازحين السوريين (2013–2016) – لعبت الكويت دوراً ريادياً عبر الصندوق في تخفيف أعباء أزمة اللاجئين السوريين على لبنان. فقد قدّم الصندوق 3 منح متتالية بقيمة 82 مليون دولار (27 مليون عام 2013، 30 مليون عام 2014، 25 مليون عام 2016) لدعم المجتمعات المضيفة للنازحين السوريين. استُخدمت هذه المنح (بالتنسيق مع مجلس الإنماء والإعمار ووكالات أممية) في تنفيذ عشرات المشاريع لتحسين خدمات الصحة العامة ومياه الشرب والصرف الصحي في مناطق تستضيف اللاجئين، إضافة إلى دعم البلديات بمعدات وآليات لخدمات النفايات والبنى التحتية. مثلت منح النازحين نحو 6٪ من إجمالي مساهمات الصندوق، وساهمت في رفع سوية الخدمات الأساسية لمئات الآلاف من السكان المحليين واللاجئين على حد سواء، مما خفف الضغط الاجتماعي وساعد لبنان في مواجهة أزمة إنسانية غير مسبوقة.
• مشروع الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة (UNDP 2019) – موّل الصندوق عبر منحة كويتية قدرها 6 ملايين دولار برنامجاً تنفذه UNDP لتحسين إدارة النفايات الصلبة في لبنان. يهدف المشروع إلى تعزيز الاستقرار عبر تحسين خدمات النظافة وإنشاء معامل فرز وتسبيخ في مناطق منكوبة. نُفِّذ بالشراكة مع البلديات لتحسين البيئة الحضرية وخلق فرص عمل محلية. رغم أن التمويل أقل من 0.5٪ من إجمالي مساهمات الصندوق، فإن أثره البيئي والتنموي ملموس في المجتمعات المستهدفة، حيث ساعد في معالجة مشكلة النفايات المزمنة وتقليل التلوث.
مقارنة إجمالية وتحليل
على مدى عقود، كانت البنية التحتية الاقتصادية (كهرباء، طرق، مياه وصرف صحي) هي القطاع الأكثر استحواذاً على تمويلات الصندوق في لبنان، إذ نالت القسط الأكبر بما يقدّر بحوالي 85٪ من إجمالي التمويل. تأتي مشاريع المياه والصرف الصحي في المقدمة من حيث حجم التمويل الفردي ضمن البنية التحتية – فمشروع قناة 800 لنقل مياه الليطاني مثلًا يُعد من أضخم المشاريع المموَّلة، يليه مشاريع الصرف الصحي الكبيرة في الجنوب والشوف بقيمة كل منها حوالي 60 مليون دولار. أما قطاع الطاقة فنال دعمًا كبيرًا كذلك عبر قروض لمحطات الكهرباء والتحويل، لكنه حلّ بعد قطاع المياه من حيث الحجم. في المقابل، حصلت قطاعات التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية على نحو 15٪ من التمويلات الإجمالية، معظمها على شكل منح لا قروض، مما يعكس تركيز الصندوق على المشاريع الاستثمارية طويلة الأجل وحرصه بالتوازي على دعم الإنسان اللبناني مباشرة عبر منح إنسانية وتنموية. وتجدر الإشارة إلى أن المنحة الضخمة لإعادة الإعمار عام 2006 تبقى هي أكبر مشروع منفرد موّله الصندوق في لبنان (300 مليون دولار)، تليها قروض البنى التحتية الكبرى كمشروع مياه الليطاني (65 مليون $) ومشاريع الصرف الصحي (46–60 مليون $ لكل منها). هذا التوازن في التمويلات بين إعادة الإعمار العاجلة والتنمية المستدامة طويلة المدى هو ما ميّز مساهمات الصندوق الكويتي في مسيرة التنمية اللبنانية. لقد أثمرت هذه الشراكة الكويتية - اللبنانية عبر الصندوق عن إعمار قرى ومستوصفات ومدارس، وعن شبكات كهرباء ومياه وطرق حديثة في أنحاء البلاد، مما عزز الاقتصاد الوطني ورفع مستوى معيشة المواطنين في مختلف القطاعات. بفضل هذه المسيرة الحافلة، رسّخت الكويت مكانتها كداعم أساسي لاستقرار لبنان وتنميته، والتزمت باستمرار هذا الدعم رغم التحديات، تأكيداً لعمق روابط الأخوّة بين البلدين.
* رئيس مجلس إدارة/ مدير عام المصلحة الوطنية لنهر الليطاني