اخبار لبنان
موقع كل يوم -أي أم ليبانون
نشر بتاريخ: ٢٠ تموز ٢٠٢٥
كتب سعد الياس في 'القدس العربي':
فيما لبنان غارق بأزماته وبالجدل الدائر حول تسليم أو نزع سلاح «حزب الله»، برزت قضية جديدة تتعلق بالأحداث الجارية في محافظة السويداء في سوريا نظراً لتداعياتها السلبية على لبنان والتي تمثلت بتحركات احتجاجية في منطقة صوفر وضهر البيدر من شبان دروز، قابلها تحركات في نقطة المصنع ومجدل عنجر وفي طرابلس من قبل شبان سنّة.
وقد تكون هذه هي المرة الوحيدة منذ عقود في لبنان التي تشهد تأجيجاً للمشاعر وخطابات تحريضية بين دروز وسنّة. فأبناء الطائفتين وقفوا معاً خلف القضية الفلسطينية وإلى جانب ثورة الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وحملوا معاً نعش الرئيس رفيق الحريري، وتظاهروا معاً ضد نظام بشار الأسد في 14 آذار. والدروز الذين قاطعوا التجنيد الإجباري في السويداء وغيرها لجأ قسم كبير منهم إلى لبنان رفضاً للانخراط في القتال ضد إخوانهم السنّة السوريين.
وقد كان الزعيم الدرزي وليد جنبلاط أول من زار الرئيس السوري أحمد الشرع على رأس وفد كبير ضم أيضاً شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى للتهنئة بسقوط نظام الأسد وتوليه مقاليد السلطة. وعلى الرغم من وقوع أحداث جرمانا ثم أحداث السويداء بقي وليد جنبلاط يغلّب العقل والحكمة على الغريزة على الرغم من كثرة التساؤلات في البيئة الدرزية ومشاعر الاحتقان مما يجري ضد إخوانهم الدروز في السويداء.
ويدرك وليد جنبلاط أن المواقف التي يتبناها والاتصالات التي أجراها مع الشرع لا تحظى بشعبية لدى القاعدة الدرزية التي يشكك بعض أبنائها بنجاح هذه الاتصالات ويدعون لملاقاة ودعم أقربائهم في السويداء. لكنه فضّل عدم الاستثمار السياسي والشعبي في هذه الأحداث، هو الذي كانت له تجربة في حرب الجبل ويعرف كما البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير الذي عقد معه مصالحة حقيقية وراسخة بين المسيحيين والدروز أن تكلفة تحقيق السلام، مهما بدت باهظة، تبقى أقل بكثير من التكاليف الهائلة التي تتكبدها المجتمعات جراء الحروب، إضافة إلى قول مأثور لجنبلاط يعتبر فيه أن «بدء الحرب أمر سهل، ولكن إنهاؤها أمر لا يمكن التنبؤ به تقريباً».
من هذا المنطلق، يرسم الزعيم الدرزي رؤيته لمستقبل الطائفة الدرزية التي يريدها أن تحافظ على أفضل العلاقات مع كل المكونات اللبنانية على اختلاف انتماءاتها الطائفية والمذهبية وأن تبقى على نهجها العروبي وتواصلها مع الدول العربية وخصوصاً الخليجية، إدراكاً منه للتكلفة العالية لأي موقف شعبوي يتخذه شخصياً وتأثيره على البيئة الدرزية خلافاً لتأثير المواقف التي يتخذها رئيس حزب «التوحيد العربي» وئام وهاب وإن كانت تدغدع مشاعر درزية في مكان ما، وإنما تعود في اعتقاد البعض بالسوء على سُمعة الدروز. إذ بدا وهّاب وكأنه بتوجيه التحية للشيخ موفق طريف يستنجد بإسرائيل لحماية الدروز، وهو ما رفضه وليد جنبلاط الذي لم يرَ في قصف مبنى هيئة الأركان ووزارة الدفاع السورية حماية للدروز، بل يرى استخداماً من قبل إسرائيل للدروز لتحقيق مشروعها التفتيتي لمنطقة الشرق الأوسط ورسم خرائط جديدة وإقامة دويلات طائفية.
وفي هذا الإطار، يندرج الكلام التهويلي للموفد الأميركي توم برّاك الذي كان حذّر من إعادة لبنان إلى بلاد الشام، مثيراً بهذا التصريح جدلاً تاريخياً حول وجود الأقضية الأربعة التي ضُمت إلى جبل لبنان عام 1920 ليُعلَن بعدها «لبنان الكبير» في الأول من ايلول 1920، في وقت صدر أكثر من صوت طرابلسي يتمسك بلبنان وطناً نهائياً في مقابل فئة قليلة لا تمانع الآن انضمام «طرابلس الشام» إلى سوريا بعد سقوط نظام الأسد الذي حاصر وقصف طرابلس ومجيء نظام جديد بقيادة أحمد الشرع.
ويمكن القول إن وليد جنبلاط لو أراد السير بمشروع تغيير الخرائط والعودة إلى جبل لبنان كما كان في زمن المتصرفية لوجد مَن يلاقيه في الشارع المسيحي، حيث بدأت الهواجس تظهر بعد 100 عام من الممارسات الشائنة والولاءات للخارج ومن التهديد بسيطرة العدد على التعددية وعدم احترام الميثاق والتنوع وخصوصية لبنان، ومن محاولة فرض قوانين انتخابية على مستوى لبنان دائرة واحدة، إضافة إلى رفض «حزب الله» تسليم السلاح. وهذه الهواجس يشعر بها أيضاً الدروز كأقلية، وهذا ما لفت إليه صراحة شيخ العقل الذي قال «إن قلق الأقلية يحتاج إلى عدالة الأكثرية».
لكن جنبلاط أبى حالياً دغدغة مشاعر الدروز واللعب على الوتر الطائفي وادخال المنطقة في مشروع التفتيت، بل ذهب في الاتجاه المعاكس وتعزيز هوية الأوطان العربية على تنوعها. ومن هنا، جاءت دعواته لوأد الفتنة بدون تأخير، وعدم توسع الأحداث وتجنيب لبنان أي تأجيج للفتنة والاقتتال، مبدياً خشيته من الفرز الطائفي، وداعياً إلى وقف النار وانطلاق حوار بين الدولة السورية وفاعليات السويداء.
وقد لقيت مواقف جنبلاط ترحيباً في الشارع السني وتفهماً لرؤيته السياسية على اعتبار أن أي انتصار بالآلة الإسرائيلية اليوم سيعمّق الافتراق ولن يحمي الدروز مستقبلاً من الاحتقان السياسي والشعبي المتصاعد.
أما في الشارع الشيعي، فثمة من ينتقد جنبلاط الذي اعتقد في رأيهم أنه بعد سقوط بشار الأسد سيقف على ضفاف النهر متفرجاً على «حزب الله» وبيئته، ليتبيّن له بعد وقت غير طويل أن سقوط النظام يتهدد الجميع، وأن الخطر بات على أبواب الجبل.
وعلى خط الزعامة الأرسلانية، لا يخفي رئيس «الحزب الديمقراطي اللبناني» الأمير طلال أرسلان عتبه وألمه من صمت العديد من القادة العرب واللبنانيين تجاه ما تتعرّض له طائفة الموحدين الدروز التي كما يقول «يعرف القاصي والداني عمقها العروبي والإسلامي والقومي والوطني، ويتغنّى الجميع بتاريخها ومواقفها وبطولة أبنائها». ويضيف أرسلان الذي لم يزر الرئيس أحمد الشرع كما فعل جنبلاط «نحن أصحاب الأرض والتاريخ، وكما وُلدنا وتربينا، سنبقى. إما أن نعيش بكرامة فوق الأرض، أو نموت بكرامة تحتها… ومن تخلّى عنا اليوم، سيتخلى عنه التاريخ… وفي المستقبل القريب!»، رافضاً «تصوير الإشكال وكأنه بين الدروز والسنّة، فمن قام بهذه الأعمال في السويداء، ومن يقبل بالتعرّض لرجال دينٍ ونساءٍ وأطفالٍ، هو إرهابي، بريء من كل دين، ومن كل خلق».