اخبار لبنان
موقع كل يوم -الهديل
نشر بتاريخ: ٢٣ تموز ٢٠٢٥
الهديل…
في فجر الثالث والعشرين من يوليو عام 1952، استيقظ المصريون على صوت جديد، صوت يعلن بداية عهد مختلف، صوت خرج من إذاعة القاهرة قائلاً: 'اجتازت مصر فترة عصيبة من الفساد'؛ لم يكن أحد يدرك حينها أن هذه الكلمات ستصبح علامة فارقة في تاريخ الوطن، وأن ما بدأ كحركة قام بها ضباط الجيش سيغدو ثورة غيّرت ملامح مصر والمنطقة بأكملها.
قبل ذلك اليوم، كانت مصر ترزح تحت وطأة الاستعمار البريطاني ونظام ملكي فاقد للشرعية، بينما يعيش الشعب في ظل مجتمع إقطاعي يسيطر فيه قلة من الملاك على الأراضي والثروات، في حين يكدح ملايين الفلاحين بلا أمل. أما التعليم، فكان امتيازاً محصوراً في أبناء الطبقة الغنية، تاركاً غالبية الشعب في دائرة الفقر والجهل.
وسط هذه الأوضاع، تحركت مجموعة من الضباط الشرفاء، أطلقوا على أنفسهم اسم الضباط الأحرار، واضعين نصب أعينهم هدفاً واضحاً: إنهاء الاحتلال، إسقاط الفساد، وبناء وطن يقوم على المساواة والكرامة.. ومع نجاحهم في إطاحة الملك فاروق وإعلان الجمهورية، بدأت مصر مسيرة جديدة.
لم تكن الثورة مجرد تغيير في الحكم، بل مشروعاً للتحرر والتنمية؛ فقد أصدرت القيادة الجديدة قوانين الإصلاح الزراعي التي أنهت نفوذ الإقطاع، وأعادت الأرض للفلاحين، وفتحت أبواب التعليم المجاني أمام الجميع، لتتحول مصر من مجتمع يعتمد على حفنة من الأثرياء إلى مجتمع أكثر عدالة. ومع الوقت، وضعت الدولة أسس الصناعة الوطنية، لتخطو نحو الاستقلال الاقتصادي.
لكن تأثير الثورة لم يقتصر على الداخل؛ فقد امتد صداها إلى كل أرجاء الوطن العربي، بل إلى إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، حيث كانت مصدر إلهام لحركات التحرر الوطني. حملت ثورة يوليو معها فكرة القومية العربية، وجمعت الشعوب تحت راية واحدة بألوانها الثلاثة: الأحمر والأبيض والأسود.
ورغم الإنجازات، لم تكن الطريق مفروشة بالورود؛ فقد حاولت قوى الاستعمار تشويه الثورة واحتوائها، إلا أنها صمدت. وحتى في العصر الحديث، حين حاولت الفوضى أن تهدد كيان الدولة عام 2011، وقف الجيش المصري ليعيد الاستقرار في 2013، لتبدأ مصر مرحلة جديدة من البناء والنهضة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
خلاصة القول؛ ثورة 23 يوليو ليست مجرد تاريخ يُروى، بل قصة أمة أرادت أن تتحرر وتنهض، ففعلت. هي حكاية عن كرامة وعزة وصمود، ورسالة تؤكد أن الشعوب قادرة على صناعة مستقبلها مهما كانت التحديات.