اخبار لبنان
موقع كل يوم -صحيفة الجمهورية
نشر بتاريخ: ٨ أيار ٢٠٢٥
العالم يترقّب ما قد تشهده المنطقة من تطورات أو تحوّلات ربطاً بإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن خطوة وصفها بالكبيرة جداً وعلى قدر كبير من الإيجابية، سيعلنها في الأيام القليلة المقبلة. وإذا كان المناخ الدولي العام ومن ضمنه لبنان قد أصيب بشيء من التفاؤل الحذر حيال خطوة ترامب الموعودة، إلّا أنّ تقديرات المراقبين اختلفت بين قائل بارتباط مفاعيلها بغزة حصراً، وبين قائل بارتباطها بإعلان التوصل إلى اتفاق حول الملف النووي الإيراني، بعد جولة المفاوضات الجديدة في عُمان التي وصفت بالحاسمة، وبين قائل بارتباطها بنزع فتيل التصعيد الممتد من غزة إلى لبنان. فيما تقاطعت هذه التقديرات على تغليب فكرة وقوف المنطقة أمام تحولات جوهرية، من دون أن تستطيع تحديد ماهيتها.
بعد إنجاز المرحلة الأولى من الإنتخابات البلدية والاختيارية، يتركّز اهتمام الدولة على المرحلة الثانية في محافظة الشمال، وتوفير مستلزماتها الإدارية واللوجستية والأمنية لإتمامها من دون شوائب وثغرات. والهدف المرسوم بإجماع كل الأطراف هو الوصول إلى مجالس محلية تحاكي ضرورات المناطق واحتياجاتها بإنجازات ملموسة وبرامج تنموية تنهض بها. على أنّ هذا الإجماع على هدف الاستحقاق البلدي، لا يسحب نفسه على الخط السياسي الذي يعاني تعرّجات وتناقضات وإرباكات على غير صعيد، يُعبَّر عنها في الصخب المحتدم والسجال الانقسامي حول الملفات الخلافية، ولاسيما ما يتصل بسلاح «حزب الله». ويوازي ذلك سقف الإحتمالات الأمنية الذي تجمع التقديرات على أنّه مفتوح على وقائع مجهولة، بفعل الهشاشة التي تعتري اتفاق وقف إطلاق النار وتمادي إسرائيل في تفلّتها منه، وتكثيف اعتداءاتها التي تتنقل بها بين منطقة واخرى.
طاقة فرج
إلّا أنّه وسط التخبّط الداخلي المحكوم انفراجه باستفاقة سياسية ولو متأخّرة تخرجه من مستنقع المغالاة والنكد والكيديات السياسية، ووسط الغيوم الأمنية الداكنة التي تعوّل المستويات المسؤولة في الدولة على مقاربة جديدة للجنة الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، للتطورات والاعتداءات الإسرائيلية، تنزع فتيل التصعيد وتضبط الإتفاق على خطّ التنفيذ الصحيح، يبدو أنّ طاقة فرج بدأت تفتح في مكان آخر، وتتجلّى في عودة انفتاح دول الخليج العربي على لبنان، وبشائرها أطلت بالأمس، عبر سريان قرار دولة الإمارات العربية المتحدة برفع حظر سفر رعاياها إلى لبنان بعد طول انقطاع، الذي يُنتظر أن يليه في القريب العاجل قرار مماثل من دول اخرى، ولاسيّما من المملكة العربيّة السعوديّة، الأمر الذي يبشّر بموسم سياحي واعد. وكذلك عبر التمهيد لفتح باب المساعدات، حيث تجلّت أولى الخطوات في إعادة إحياء مشاريع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي في لبنان، وفق ما أكّد وفد الصندوق الذي وصل ألى بيروت أمس، وأجرى محادثات وصفت بالبالغة الإيجابية مع الرؤساء الثلاثة.
وقد التقت المستويات الرسميّة جميعها على الترحيب بالإلتفاتة العربيّة تجاه لبنان. وأبلغ مسؤول رفيع إلى «الجمهورية» قوله، إنّه يستبشر الخير من اشقائه، ولاسيما من دول الخليج، والأمل الكبير معقود على ترجمة الوعود التي قُطعت للبنان، باعتباره أحوج ما يكون في هذه المرحلة لدعم وعون أشقائه، لتمكينه من تجاوز الأعباء الكبيرة التي يتخبّط بها جراء الأزمة الإقتصادية والمالية الصعبة، وما سبّبه العدوان الإسرائيلي من دمار وخراب.
وبحسب معلومات موثوقة لـ«الجمهورية»، فإنّ قرار السماح للرعايا الإماراتيين بالسفر إلى لبنان، اقترن بتأكيدات ديبلوماسية عربية بأنّ هذا الأمر يشكّل فاتحة لخطوات أخرى في المستقبل، واما التعجيل بها فمرتبط بما ستنجزه الحكومة اللبنانية مما هو مطلوب منها من خطوات جدّية وملموسة من إجراءات إصلاحية وإجراءات لمكافحة الفساد، وإلى جانب ذلك تنقية الأجواء اللبنانية ممّا قد تُعتبر أسباباً لاستمرار المقاطعة. وأشقاء لبنان في دول الخليج تحديداً ينظرون بتقدير كبير إلى رئيس الجمهورية جوزاف عون، وهو ما تبدّت ترجمته خلال زيارته إلى المملكة العربية السعودية ثم إلى دولة الإمارات، ويعتبرون أنّ لبنان في عهده أمام فرصة جيدة جداً لإعادة نهوضه واستعادة موقعه ومكانته بين أشقائه.
وعلى ما نُقل عن مصدر ديبلوماسي عربي، فإنّه أكّد «أنّ لبنان عاد إلى أولوياتنا». وقال: «إنّ الدول العربية، والخليجية تحديداً، قرّرت العودة لاعتبار لبنان أولوية في أجندتها السياسية والاقتصادية»، ولفت إلى «انّ سعي الدول الشقيقة للبنان منصبّ على ضمان استقرار لبنان وازدهاره، وتجنّب دفعه نحو التفلّت او التطرّف الذي يؤثر على الاستقرار الإقليمي».
إيجابيات الصندوق العربي
وعلمت «الجمهورية» من مصادر مطلعة على محادثات وفد الصندوق العربي، انّ الوفد عبّر عن تضامن مع لبنان، وأبدى رغبة قوية في مدّ يد المساعدة في المجالات المرتبطة بعمل الصندوق، والاستعداد لتقديم ما أمكن من تمويل، سواء ما يتعلق بمشاريع سابقة فرضت الظروف تجميدها، أو ما يتعلق بمشاريع جديدة بالتعاون مع الدولة اللبنانية التي يفترض أن تحدّد أولوياتها، فتساهم في نقل لبنان إلى مدار الازدهار والرخاء». ولفتت المصادر إلى انّ «زيارة وفد الصندوق العربي لن تكون يتيمة، حيث ستتوالى اللقاءات لاحقاً، لبلورة إيجابيات تتزامن او تلاقي الإيجابيات الملموسة المنتظر ان تفضي اليها جهود لبنان لعقد تفاهمات مع المؤسسات المالية الدولية، ولاسيما مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي».
وفي تقدير مصادر سياسية عبر «الجمهورية»، أنّ «الانفتاح الخليجي المتجدّد على لبنان، هو بمثابة رسالة مهمّة جداً، تنطوي على طمأنة لبنان بأنّ أشقاءه معه، وهم مستعدون للاستجابة لكل متطلبات نهوضه وازدهاره، وهذا الاستعداد جرى التأكيد عليه على أعلى المستويات، وبالتالي على الحكومة اللبنانية أن تتلقفها وتستتبعها، من دون أي إبطاء او تلكؤ، برسائل مماثلة إلى الدول الشقيقة وإلى سائر دول المجتمع الدولي، عبر خطوات إصلاحية ومالية واقتصادية وأدارية ملموسة، بما يجعل هذا الانفتاح يتدرّج صعوداً نحو فتح الباب لتدفق المساعدات الخليجية وكذلك من المجتمع الدولي. والأهم في هذا السياق، هو أن تحاذر الحكومة تكرار التجارب السابقة التي كانت محل شكوى عالمية، وقدّمت أسوأ نموذج في تضييع ما كان يتلقّاه لبنان من مساعدات في مهبّ الفساد والارتكابات».
قلق من عرقلة
على أنّ بدء الانفتاح الخليجي على لبنان، على أهميته، فإنّ استمراره على النحو الذي يتوخاه لبنان وصولاً إلى فتح باب المساعدات، على ما يقول مرجع سياسي لـ«الجمهورية»، «يُخشى أن يكون مقيّداً بتعقيدات و»فيتوات» من جهات دوليّة كبرى تربط توفير المساعدات اللازمة للبنان، خصوصاً في مجال إعادة الإعمار، بشروط سياسية وغير سياسية، وعلى وجه الخصوص بملف سلاح «حزب الله»، حيث لم نلمس حتى الآن، أي مؤشر إيجابي يفيد بإزالة تلك القيود، علماً أنّ رئيس الجمهورية وكما هو معلوم، يبذل جهوداً استثنائية على خط المساعدات».
سريان القرار
وكانت طائرة ركاب إماراتية قد حطّت في مطار رفيق الحريري الدولي أمس، على متنها عدد من المسافرين الإماراتيين، وكان في استقبالها وزير الإعلام بول مرقص ممثلاً رئيس الجمهورية. وفيما لوحظ انّ صالة الوصول في المطار قد زُينت بالورود احتفاء بالقرار الإماراتي، عبّر بعض المسافرين الإماراتيين عن فرحتهم بالعودة إلى لبنان بعد التغييرات التي شهدها، لا سيما بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وأشادوا بحفاوة الاستقبال، واكّدوا انّ حركة الوافدين من الإمارات ستشهد ازدياداً خلال الايام المقبلة.
وقال مرقص، إنّ «خطوة اليوم تساهم في إعادة بناء الثقة بين لبنان والإمارات، وهناك لجان وزارية ومتابعة في اجتماعات، لتذليل أي معوقة أمام قدوم الجاليات. ولفت إلى انّ الحكومة عازمة وناشطة على تذليل أي صعوبات أمام قدوم الإماراتيين، ونحن بانتظار الخليجيين والدول الصديقة، مشيراً إلى انّ الوضع الأمني مريح لاستقبال السياح وخصوصاً الأخوة في الخليج».
وفد «الصندوق العربي»
وكان وفد الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي برئاسة المدير العام رئيس مجلس الإدارة بدر السعد، قد زار أمس الرؤساء الثلاثة، واكّد خلال هذه اللقاءات «استعداد الصندوق لإعادة نشاطه التنموي وبرامجه القائمة والقادمة في لبنان».
وقال: «نحن متواجدون في لبنان لإعادة نشاط الصندوق العربي، ونفتخر بأن نكون أول مؤسسة تمويلية تتواجد في لبنان وتبدي إستعدادها لإعادة النشاط التنموي في لبنان»، لافتاً إلى «انّ لدى الصندوق توجّهاً جديداً، وسيقوم بدراسات الجدوى وتمويل المشاريع التنموية بمساعدة الصناديق الأخرى، وهذا يهدف إلى تقصير العملية المستندية بدلاً من أن يقوم لبنان بإعداد دراسات الجدوى، فالصندوق سيقوم بإعدادها وتمويلها».
وأكّد التزام الصندوق بتنفيذ القروض المعطاة للبنان، والأولوية هي للقروض الإنمائية، لاسيما في مجالي التعليم والصحة. ولفت إلى التعاون القائم بين الصندوق والبنك الدولي، وإلى أنّ اجتماعات ستعقد مع الوزراء المعنيين للوقوف على الحاجات، متمنياً أن تتوفر التسهيلات اللازمة لإطلاق عجلة التنفيذ. كما إلى استعداد الصندوق لتقديم القروض الميسرة من أجل إعادة نشاطه في لبنان. وقال: «نحن بانتظار أن تحدّد الجمهورية اللبنانية أولويات المشاريع التنموية».
ورداً على سؤال قال: «العلاقة بين الكويت ولبنان فوق مستوى الشبهات، قديمة ومتجذرة، وستبقى كذلك».
عون: تفاؤل
وكان رئيس الجمهورية قد اكّد لوفد الصندوق «انّ الظروف الصعبة التي مرّت على لبنان، والتي تَعَرقل فيها العمل الإنمائي والإعماري باتت وراءنا، وإننا نتطلع إلى الايام الآتية بكثير من التفاؤل لأننا مصممون على إعاده بناء الدولة وفق أسس جديدة، أبرزها الإصلاحات الاقتصادية والمالية، معتمدين في كل ذلك على الشفافية والحوكمة الرشيدة وتوفير التسهيلات اللازمة للصناديق المالية التي تتعامل مع لبنان منذ سنوات، ومنها الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي الذي تولّى تمويل مشاريع عدة بالتعاون مع مجلس الإنماء والإعمار».
وشدّد عون على «انّ المرحلة الجديدة المقبلة عليها البلاد تحتاج إلى دعم ومساندة الدول العربية الشقيقة، التي طالما وقفت إلى جانب لبنان وشعبه، ونحن نرحّب بأي خطوة جديدة من شأنها أن تساعد في عملية النهوض التي بدأت بسلسلة إجراءات اتخذتها الحكومة وسوف تستمر في اتخاذها».
عباس و«حماس»
على الصعيد الفلسطيني، وفيما سرى قرار المجلس الأعلى للدفاع في ما يتعلق بحركة «حماس» وتحذيرها من المسّ بالأمن القومي والسيادة اللبنانية، وتسليم مطلقي الصواريخ في اتجاه إسرائيل الذين باتوا في عهدة القضاء اللبناني، تترقّب الأوساط الداخلية زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى بيروت أواخر الشهر الجاري، مع سيل من التساؤلات حول الغاية منها في هذا التوقيت بالذات.
وقال مصدر أمني لـ«الجمهورية» إنّه يستبعد أن يكون هدف الزيارة تهنئة الرئيس جوزاف عون، بل إنّ أسبابها فلسطينية بحت، مشيراً إلى انّه لا يريد ان يستبق الزيارة بتحليلات قد لا تكون واقعية، إلّا انّه عبّر عن قلق بقوله: «العلاقة كما هو معلوم سيئة جداً بين حركة «حماس» والسلطة الفلسطينية وحركة فتح، وكلا الطرفين موجودان في المخيمات الفلسطينية والإشكالات دائمة بينهما، لذلك ما اتمناه هو الّا تؤدي هذه الزيارة إلى تداعيات في المخيمات، ذلك انّ الخطورة فيما لو تفجّر الوضع بين الطرفين قد لا تكون تداعياته محصورة في المخيمات بل قد تتعداها إلى خارجها».