اخبار لبنان
موقع كل يوم -درج
نشر بتاريخ: ١ نيسان ٢٠٢٥
احتلّ لبنان حيّزاً كبيراً في تقرير التهديدات السنوي الصادر هذا العام، تقرير مفصل يقع في ثلاثين صفحة، ويرسم صورة قاتمة للشرق الأوسط في السنوات المقبلة، مع توقعه استمرار حالة عدم الاستقرار، وبقاء التوتر في غزة وجنوب لبنان.
يحضر لبنان على ألسنة مسؤولين أميركيين كثيراً هذه الأيام. على رغم التحديات الداخلية والخارجية التي يواجهها هذا البلد الصغير، لا يزال يحظى باهتمام ملحوظ في دوائر القرار الأميركي، سواء في الكونغرس أو على مستوى الأجهزة الأمنية والدبلوماسية. يظهر هذا الاهتمام في التقارير الدورية لمجتمع الاستخبارات الأميركي، ومنها تقرير تقييم التهديدات السنوي لعام 2025 الصادر أخيراً عن مكتب مدير الاستخبارات الوطنية، والذي يضع لبنان و'حزب الله' ضمن الملفات التي تتابعها واشنطن عن كثب.
يكشف التقرير المفصل الذي يقع في 30 صفحة أن النزاع المستمر بين إسرائيل و'حزب الله' يهدد استقرار لبنان الهش، وقد يؤدي إلى تصاعد حاد في التوترات الطائفية الداخلية، ويضع لبنان في دائرة التوترات الإقليمية التي قد تؤثر على المصالح الأميركية. كما أن التطورات السياسية الأخيرة، مثل انتخاب رئيس للجمهورية بعد سنوات من الفراغ، لم تُحدث تحولًا جذرياً في المعادلة، بحسب التقرير، إذ لا يزال خطر التصعيد العسكري قائماً، ما قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية والأمنية في البلاد.
هذا أمر تعكسه بوضوح التطورات على الأرض، إذ لا يبدو أن العهد الجديد استطاع أن يبث أجواء كافية من التفاؤل، بل على العكس، انزلق العهد ومعه الحكومة إلى إعادة إنتاج المحسوبية والمحاصصة عبر التعيينات الإدارية، فضلاً عن إحيائه 'وحش' المصارف الذي أكل أرزاق اللبنانيين، من دون حساب.
من جهة أخرى، يوضح التقرير أن 'حزب الله'، على رغم تعرضه لخسائر عسكرية كبيرة بسبب الضربات الإسرائيلية، لا يزال يمتلك القدرة على استهداف المصالح الأميركية في المنطقة وحتى داخل الولايات المتحدة، بنسبة أقل. كما أن إيران، الداعم الأساسي للحزب، تجد نفسها في موقف دفاعي متزايد مع محاولاتها الحفاظ على نفوذها الإقليمي وسط الضغوط الإسرائيلية والأميركية. وبذلك يعكس التقرير قلقاً أميركياً من أن الدور الإيراني في لبنان لا يزال، على رغم تراجعه، قادراً على التعطيل وعلى زعزعة الاستقرار.
هذا الحضور اللبناني في النقاشات الأمنية والاستخباراتية يوازيه اهتمام في الدوائر السياسية، وهو ما ظهر أخيراً في جلسة خُصصت لمناقشة الوضع الأكاديمي في لبنان، عُقدت في إحدى قاعات الكونغرس الأميركي، وتحدث خلالها كل من دايفد شينكر، نائب وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأدنى، وداريل عيسى، السيناتور الجمهوري من أصول لبنانية.
خلال مداخلته، أكد شنكر أن سياسة 'أميركا أولاً' التي تبنتها إدارة ترامب والقائمة على الانسحاب من القضايا الحامية حول العالم لم تطبق على لبنان، موضحاً أن الانسحاب الأميركي من قضايا الشرق الأوسط ليس خياراً مطروحاً، بل إن الإدارة الحالية تدرك أهمية الحفاظ على استقرار لبنان ضمن الحسابات الجيوسياسية في المنطقة، وهو ما سينعكس مزيداً من الدعم والاهتمام.
أما السيناتور داريل عيسى، فشدّد على أن قرارات الإدارة الجديدة بتجميد التمويل لعدد من المشاريع والمساعدات حول العالم لم تشمل لبنان، إذ لا تزال المخصصات المالية لهذا البلد سارية. كما أكد أن المساعدات العسكرية للجيش اللبناني ستستمر، ما يعكس قناعة راسخة في الأوساط الأميركية بضرورة دعم المؤسسات الرسمية اللبنانية كعامل توازن في مواجهة التحديات الأمنية.
يؤكد هذا الاهتمام المستمر أن لبنان، على رغم أزماته- بل بسببها- لا يزال حاضراً على رادار الأمن القومي الأميركي. فالتوترات الإقليمية، والدور الذي يلعبه 'حزب الله'، وأهمية استقرار لبنان كعامل مؤثر في توازنات المنطقة، كلها عوامل تدفع واشنطن إلى إبقاء بيروت ضمن أولوياتها. لكن لا يبدو أن اهتمام الأميركيين يتجاوز الأمن القومي الأميركي، فالملفات الداخلية الأخرى التي تلقي بثقلها على الشعب اللبناني، لا تقع على الرادار: لا الأزمة الاقتصادية الخانقة ولا إعادة الإعمار ولا أزمة المصارف ولا التركيبة السياسية الداخلية التقليدية التي لا تمانع أميركا في بقائها حاكمة بشكل أو بآخر وبالآليات التقليدية العفنة إياها، بشرط تنفيذ السياسات التي تتصل بالأمن القومي الأميركي.